مقالات مختارة

تونس بعد عشر سنوات من ربيعها.. الألم والأمل

1300x600

من 17 كانون الأول/ديسمبر 2010 إلى 17 كانون الأول/ديسمبر 2020 مرت عشرة أعوام على انبلاج ما سمي وقتئذ بالربيع العربي، ومنصته الأولى تونس التي أيقظت من سبات الاستبداد شعوبا عربية أخرى، رفعت في انتفاضتها شعارات تونس نفسها، وتغنت بنشيد شاعرها الخالد أبي القاسم الشابي (إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر)، وأمامنا اليوم جرد هذه العشرية ونتائجها، فهل تحققت مطالب الشباب التونسي (والعربي) التي نادى بها في تلك الثورة وهي (الحرية والتشغيل والكرامة الوطنية)؟ الجواب الموضوعي هو: لا، لم تتقدم تونس إلا في مجال واحد وهو الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية بمعناها الشكلي؛ أي ببعدها الفكري المتمثل في حرية التعبير؛ إذ انطلقت الألسن بعد ستة عقود من التكميم لتصدح بما تراه وتطرح الحلول وتناقش الخيارات، ولكن تحولت الحريات إلى فوضى بالشطط وتجاوز الحدود، وهددت تلك الحريات نفسها استقرار المجتمع وسلامة المؤسسات، وتعاقبت على الحكم في مناخ الفوضى تسع حكومات، جاءت كل واحدة منها تبشر بحلول سحرية للمعضلات الاقتصادية والاجتماعية، لكنها تمنى بالفشل والإخفاق أمام صعوبات حادة خلقتها الاستقالات من العمل الجاد وتعطيلات المصانع وطرد المستثمرين، وتفريغ موازين الدولة بالفساد أو بسوء التصرف، وحلت الديماغوجية محل الخطاب العقلاني، وطلعت على الشعب أشباح التطرف الديني والتطرف العلماني على السواء، لتلتقيا في نفس نقطة غش الناس بالشعارات، وغابت الزعامة التي تنير الطريق لتترك المجال لأمراء الكلام والتطاحن والضجيج، وانحرف السياسيون عن رسالة القيادة والإقناع والتضامن الوطني، كما انحرف النقابيون عن جوهر العمل النقابي، وهنا أستسمح الزميل الفاضل مصطفى عطية لأنقل للقراء رأيا طريفا في فشل الثورة التونسية، حين أقام بينها وبين ثورتين تونسيتين سبقتاها، وقال في تدوينة أخيرة: "الأسباب التي أدت إلى فشل ثورة صاحب الحمار ( 322 - 334 هجري) هي نفسها التي أدت إلى فشل ثورة علي بن غذاهم (1864-1866)، وهي ذاتها التي أدت إلى فشل ثورة (17 كانون الأول/ديسمبر 2010 أو 14 كانون الثاني/جانفي 2011) لنتمعن في وقائع هذه الثورات الثلاث، وسوف نكتشف بيسر أنها تلتقي رغم اختلاف مقاصدها عند الأسباب نفسها التي أدت إلى فشلها:


1) ثورة صاحب الحمار: أثارت النزعات الطائفية، ومارست التكفير، واستَباحَتْ أموال الناس ودماءهم، يقول ابن خلدون في هذا الصدد: "كان (صاحب الحمار) يذهب إلى تكفير أهل ملته واستباحة الأموال والدماء.


2) ثورة علي بن غذاهم: أثارت النزعات القبلية وعاث قادتها في الأرض فسادا، ويذكر التاريخ ما أتاه العضد الأيمن لعلي بن غذاهم المدعو فرج بن دحر الرياحي من سلب ونهب واغتيالات (اغتيال الجنرال فرحات)، كما أبدى علي بن غذاهم طمعا فاضحا عندما طلب من الباي تمكينه من هنشير (ضيعة) الروحية، وتسمية شقيقه عبد النبي ڨايد (محافظا) على ماجر، وتعيين أقاربه عمالا وشيوخا". انتهت تدوينة الزميل مصطفى عطية، وهي في تقديري قراءة تاريخية للثورات وأسباب فشلها حين ترتكب أخطاء سابقاتها نفسها، ولا تتعظ بالتاريخ ثم تنتظر نتائج مختلفة عن التاريخ، علمنا أن الأخطاء نفسها تؤدي إلى الإخفاقات نفسها، وإني لا أخفيكم شعوري بالاعتزاز أن تونس حققت ثورة ضد الاستبداد، ومهما كانت أخطاء الحرية فهي أهون من أخطاء الاستبداد. نعم هناك خلط في المفاهيم ولخبطة في التعامل مع الخصم السياسي، ولكن الثورة المضادة بأذرعها حاضرة لإجهاض أي انتصار للثورة، هذا قدر الثورة والثوار منذ الأزل؛ صراع مرير من أجل البقاء، وفرض المبادئ التي من أجلها ثار الناس، وأولى مهمات أية ثورة حقيقية هي مقاومة الفساد الذي يشكل آفة قاتلة للتنمية وللعدل وللسلام الاجتماعي، وهو أصل الاستبداد ومغذيه وأداته.


هذه الذكرى العاشرة لثورة تونس لم تكن احتفالية، بل ميزتها مظاهرات واعتصامات ووقفات غضب؛ لأن الذين مارسوا السلطة لم يلبوا طموحات الشباب المشروعة، بل اعتنوا بتقاسم غنائم الحكم، وهذه اليقظة من الشعب ستذكرهم بأن الشعب هو مصدر السيادة وهو الوسيلة والغاية، وهو المبتدأ والمنتهى.

 

الشرق القطرية