منذ أيام
اتهمت البريطانية كيتلين ماكنمارا؛ الشيخ نهيان بن مبارك
آل نهيان "وزير
التسامح" في
الإمارات بقيامه باعتداء غير أخلاقي عليها خلال مشاركتها في تنظيم
مهرجان "هاي" الأدبي في شهر شباط/ فبراير الماضيز. وبحسب ماكنمارا فإن "وزير التسامح" البالغ من العمر 69 عاما، دعاها إلى فيلا خاصة به في جزيرة نائية، وظنت حينها أنها دعوة خاصة بتنظيم المهرجان، لتفاجأ بسلوكه المشين إزاءها، وعقب فرارها أرسل لها عدة رسائل ضمّنتها في بلاغها.
"وزير التسامح" هذا نشأ في مدرسة ميلفيلد في بريطانيا حتى المرحلة الثانوية، ثم تلقى تعليمه الجامعي في كلية ماجدالين في جامعة أوكسفورد بالمملكة المتحدة، فهو نشأ في بيئة بريطانية طوال فترة مراهقته التي يبدو أنها امتدت معه حتى نهاية العقد السابع من عمره. لكن الملفت أنه منذ عام 1983 تولى مناصب كلها "تعليمية وتربوية"، فقد كان رئيسا لجامعة الإمارات العربية المتحدة منذ 1983 حتى عام 2013، كما شغل العديد من المناصب الحكومية منذ عام 1992، إذ كان وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي، ووزيرا للتربية والتعليم ووزيرا للثقافة وتنمية المعرفة، ولنا أن نتخيل ما الذي كان يُعلّمه أو يربّي عليه النشء أو ينشر ثقافته.
هذا الاتهام لأحد أبناء العائلة الحاكمة يكشف جانبا من جوانب التكوين النفسي والثقافي لأحد المسؤولين الحائزين على ثقة قيادة الدولة منذ ثلاثين عاما تقريبا، وبطبيعة الحال لا يمكن تصور أن السيدة "ماكنمارا" الضحية الأولى لسعادته، وقد ذكرت في تصريحات صحفية أن ما جرى معها يشير إلى أنها ليست أول مرة لـ"وزير التسامح". ويبدو أن الرجل تصوّر أن مقتضيات وظيفته تستوجب تسامح الآخرين مع نزواته وفساده، لا أن ينشر هو ثقافة التسامح واحترام خصوصية الآخر.
ربما يدفع بعض "العقلاء الجدد" بأن ما روته السيدة مجرد اتهام، ولا تثبت التهمة إلا بالتحقيق، وهذا صحيح من حيث الإطار المجرد من أي سوابق، لكننا أمام نظام سياسي وقف بخسّة وشراسة ضد تطلعات شعوب المنطقة العربية إلى الحرية، وقام نظام الإمارات بدعم كل ما يضر الشعوب العربية مقابل عدم تصدير الحراك الشعبي ضد النظم
الاستبدادية، ومقابل تعزيز حضورها في المنطقة عبر المال السياسي المدنس بالممارسات المشينة.
وأصبحت الإمارات تمثل الوكالة الحصرية للمصالح الصهيونية والأمريكية في المنطقة العربية، في محاولة غريبة لتأدية دور شرطي المنطقة دون أي إمكانات مؤهلة للقيام بذلك الدور، على مستوى الفكر السياسي أو الوزن الإقليمي أو التأثير المعنوي في المنطقة، كالحضور الديني السعودي، أو الحضور الديني والثقافي المصري، أو التاريخ الحضاري والثقافي في الشام والعراق.
إذا كان الاتهام لـ"وزير السعادة" مرسلا، فإن الدور الإماراتي في مصر وتونس وليبيا وسوريا وفلسطين واليمن موثّق لأهل كل بلد. فمصر انتكست بالدور والمال الإماراتيين، وسبق للمرحوم عصام العريان أن كان أول المتحدثين عن الدور الإماراتي ضد الثورة المصرية، الأمر الذي سبب هجوما حادا ضده وقتها من المستفيدين من المال الإماراتي والمهاجمين للإخوان وقت حكمهم. وكذلك الحال في تونس الخضراء التي لم ولن تتوقف المؤامرات ضدها، وضج قيادات حزب النهضة من ممارساتهم فتحدثوا عن المال الإماراتي الخبيث ضد التجربة الديمقراطية هناك.
وفي ليبيا عاثت الإمارات فسادا ضد الحكومة الشرعية المنتخبة، وفي سوريا تدعم الإمارات نظام بشار الأسد بكل إجرامه، وفي فلسطين، فضلا عن التطبيع مع الكيان الصهيوني، يتحدث المقدسيون عن شراء الإمارات لعقارات من فلسطينيين تُباع بعد ذلك للإسرائيليين. أما اليمن فهو أكثر دولة عانت من الإمارات نظرا للتقارب الجغرافي، والهلع الإماراتي- السعودي من تصدير الثورة اليمنية السلمية التي دامت لأشهر إلى دول الجوار في الخليج العربي، فكان لا بد من سحق اليمنيين وإدخالهم في أتون حرب تتخذ من المذهبية رداء، بينما هي حرب لتأديب دول الربيع العربي، وإفقار لدولة كانت ستنطلق في التنمية والعمران بعد التحرر السياسي. ولا ترغب الدولتان في تكرار نموذج قطر المارق عن القرار السعودي سابقا والإماراتي حاليا، بعدما أصبح القرار العربي مرتهن للإمارات.
كذلك امتد الخبَث الإماراتي إلى تركيا، وتحدثت قيادات تركية عن الأدوار الإماراتية- السعودية للتأثير السلبي في الاقتصاد التركي، ودعم محاولة الانقلاب التي أخفق فاعلوها منتصف 2016.
إذاً كل الأدوار التي تقوم بها الإمارات في المنطقة لا تهدف إلاّ إلى صنع الشر وترسيخه، ليحوز حكامها سخط عشرات الملايين على امتداد الرقعة العربية والإسلامية، في سابقة لم تشهدها أي دولة عربية منذ الاستقلال عن الاحتلال الأجنبي منتصف القرن الماضي، وأصبح الناس يتحدثون عن أمير الشر الذي يقود صنع القرار في دولة يمتاز أهلها بصفاء النفس وطيبة القلب وصدق الانتماءين العربي والإسلامي.
نجح المال الإماراتي في جعلها ذات نفوذ، ثم دخلت الممارسات غير الأخلاقية في سياستها كوكيل للرغبات الصهيونية والأمريكية فأصبحت سيدة القرار العربي، لكنها في مقابل سعيها لتلك المكانة أصبحت في ذات الوقت مقر النفايات السياسية في المنطقة، وأماكن النفايات تظل ذات أهمية بقدر الحاجة إليها، ولكن لحظة امتلائها وصيرورتها محل تهديد، يتم اجتثاثها ونقل مكانها، وهذا دأب الغرب في المنطقة، وهذا مآل نظام "التسامح والسعادة".
twitter.com/Sharifayman86