يُعتبر الاهتمام بالزواج والتجهيز له من أكثر ما حفلت به الذاكرة الشعبية الفلسطينية، ومنبع ذلك أهمية فرحة العُرس في الحياة الاجتماعية، فكما يُقال: (ما فرحة إلا فرحة العُرس)، والزواج بالنسبة لهم (فرحة العُمر). وذاكرة موروثنا "عَمرانة" كما يُقال بما يتّصل بالزواج من أمثال وأغان وحكايات.
ولأنّ (المثل ما خلى إشي إلا وقاله) فإننا نطالع في الأمثال الشعبية تشجيعاً وحثّاً على الزواج مهما كانت الظروف (الجيزة مَعْيون عليها) بمعنى أن الله يُعين عليها، و من باب حثهم وضرورة الاستعجال بالزواج قولهم: (ولد الصبا وقرش الصبا بتعوضوش) أي أن الزواج المُبكر الذي ينتج عنه ولد (صبي) لا يُعوض، ولا بُد من الزواج مهما كان الأمر لأن: (الجوز رحمة ولو إنه فحمة) فالزوج مطلوب مهما كان شكله ومقدار فقره.
ومن الملعوم بأن هناك معايير وعوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية ودينية تُسهم في اختيار شريك الحياة، وهذه العوامل تحدد صفات الزوجة المرغوب الاقتران بها ذلك أن مهمة البحث عن الطرف الآخر منوطة بالزوج وأهله، وقد تجلت هذه الصفات بما تناقلته الذاكرة الشفوية من أمثال وأغانٍ وحكايات.
ويمكن تقسيم المعايير الشعبية التي كانت دارجة في اختيار شريك الحياة:
القرابة
قد يكون المعيار العام الأساسي هو عنصر القرابة، فابن العم يستطيع في اللحظة الأخيرة تَحَرّي ابنة عمه ومنعها من الزواج من رجل غريب، ولو كان ذلك في يوم زفافها (ابن العم بِنَزل عن الفرس)، ومعلوم بأن: (اللي بتحراها ابن عمها تحرم ع الغريب). ومن هنا جاءت التوصية: (عليك بالطريق لو دارت وبنت العم ولو بارت)، ثم لا مناص من زواج أبناء العم فـ (المليحة لابن العم والردية لابن العم)، وبنت العم مُقدمة على غيرها لأن (بنت العم بتصبر ع الجفا والحَفا).
وفي أغاني النساء في الأعراس يتردد ما يُعبر عن ذلك:
هي يا ابن العم لا توخذ غريبة .. رَدادينا ولا قمح الصليب
هي يا ابن العم يا زينة الفوارس .. بنات عمك طلعن عرايس
هي يا ابن العم ويا غايـب .. بنات عمـك أخذوهن الغرايب
المواطنة (بنت البلد)
يأتي تفضيل ابن البلد على غيره حتى تكون ابنتهم قريبة منهم (ولدها في الفَزعة، وبنتها في الزَّرعَة)، وابن الغريبة مهما كان يبقى في تصور الاهل غريباً (ابن الغريبة غريب)، ولذا يُوصى العريس: (من طين بلادك حُط ع خدادك)، وكذلك قولهم: (زوان بلدنا ولا قمح الغريب).
وإبنة البلد ترضى بأي شيء على عكس الغريبة (الغريبة بدها ثوب يُجر وخابية تهر وزلمة مُر) بمعنى كثيرة الطلبات، والرجل (اللي ما بوخذ من سِبْرُه دَقْ البَين صَدرُه) أي الذي لا يتزوج من مُستواه وطبقته الاجتماعية يكون زواجه هماً وتعباً.
وشاع في فلسطين ظاهرة تزويج أبنائهم في الغُربة من مُواطنات من بنات البلد، وحُجَّتُهم في ذلك: (بنت لبلاد بترده ع لبلاد).
السن
صغار السن هُن المُفضلات في الزواج (يا ماخذ الصغار يا غالب التجار)، والمُفضلة بنت الأربعة عشر عاماً (بنت أربعطش)، ومهما كانت البنت صغيرة فالمثل يقول: (خذها ع جهل وربيها ع مهل) خذها صغيرة جاهلة وربيها على يديك، كقولهم أيضاً: (الصغيرة بتربيها ع ايدك)، وكان يُعاب على الرجل الزواج ممن تكبره سناً: (يا هَمّه يا هَمَه ماخذ وحدة قد أمه).
وتغني النسوة في ذلك:
هي يا عروستنا يا صحن تين هي يا مغطى بالياسميـــن
هي وصوا ع النبي يا ناس هي عروستنا دون العشرين
العائلة:
يهتم الأهالي بأن تكون زوجة ابنهم من عائلة معروفة ومشهود لها، ولذا يُقال على لسان العريس: (أنا ما بدي حَمَر خَد بدي أب وجد)، بمعنى أنه لا يريدها حَمراء الخدود وإنما (بنت حَسب ونسب)، وع قولتهم: (البنت إذا ما تجوزت بخدودها بتتجوز بجدودها)، وبنت الأصل مطلوبة ولو كانت من عائلة فقيرة (خذ الأصيلة ولو كانت ع الحصيرة)، و (بنت الأصول أحسن من بنت القصور).
وفي الغناء الشعبي:
وإحنا خطبنا طيبات الأصل .. وإحنا مشينا من الصبح للعصر
وإحنا خطبنا البنت من بيها .. يا بيها بيسوى أهل حلب ومصر
وهناك تحذيرات عامة في موضوع عائلة العروس: فمن الأهمية أن تكون العروس وأمها وعائلتها نقية السيرة أباً وجد، ذلك أن (العرق دساس) و(العرق بِمِد لسابع جد)، ولا مفر من وراثة أخلاق الاهل فـ (الصبي لخاله والبنت لعمتها)، ولأجل ذلك: (لا توخذ القرعة ولا بنت بنتها، بتعطيك قرعان ع طول الزمان).
أما المعايير الشعبية الخاصة فهي المعايير الجمالية التي يصعب عدها وحصرها، والتي ترتبط بالفتاة بشكل مباشر وتحديداً جمالها وصحتها ورشاقتها وأناقتها:
جمال الوجه: مطلوب في الزوجة جمال الوجه (خثذ المليح واستريح) أو (خذ الحلو واقعد قباله، وإن جعت شاهد جماله)، ومن جمالها ما قيل: (بتقول للقمر قوم تني أقعد مطرحك)، والجمال المطلوب هو الجمال الفطري (الحلو حلو لو قام من النوم والشِّنع شنع لو تحمم كُل يوم). وهناك من يُحذر من الجمال على حساب القدرة على العمل في الزراعة والأرض (لا يعجبك زينها وبياض خِرْقِتها، بُكرة بتيجي الحصيدة وبتشوف فِعْلِتها).
لون البشرة: هناك صراع في المورث الشعبي بين الفتاة البيضاء والسمراء، والرجال في الاختيار ميالون لكلا الصنفين، ولأجل ذلك جاءت الأمثال والأهازيج مُتنافسة بينهما: فالفتاة البيضاء تحفظ جيداً: (خذها بيضة ولو إنها مجنونة)، (يا ريتني بيضة وإلي بربور، والبياض عند الرجال مقبول)، ولا يفوت الفتاة السمراء أن تقول: (سَمرة ونغشة ولا بيضا ودفشة) و(صحن المشمش لا تكبش ودور عَ القَمحشية).
الخدود: وعن خدود العروس، فإنه يُحَبُّ أن تكون مياله للحُمْرَه (خدودها زي التّفاح)، ولأجل ذلك جاء التحذير من الحُمرة غير الطبيعية (لا تغرك اللي راجعه من التحطيب ولا إللي طالعة من الطابون)، ذلك أن التعب في نقل الحطب وحرارة الطابون تجعل خُدود الفتاة حمرا.
ومن هنا جاءت المُعايرة بين النساء: (لا أنتي أحمر مني خد، ولا أحسن مني جد).
العين: وفي قولهم في المثل الشعبي: (زينة الزين الحاجب والعين) فجمال العين هنا معيار يُحدد الجمال، وقولهم: (العنين والحواجب قاموا بالواجب) للدلالة بأن جمالهُما يُغني عن لون البشرة وغيره.
وجاء في وصف العيون: (عنيها زي عنين الغزلان) جمالاً، و(عينها زي فتحة الفنجان) في الكبر والسعة، و(زي عين الديك) في الصفاء، ويزيد جمال العين أن تكون مُكحلة (مكحلين من غير كحل).
وعيونك السود ذبحتني رفايفها .. وخدودك الحمر ما بقدر أخالفها
المناخير: وجاء في وصفها: (زي اللوزة) لمن يفضل المنخار الصغير للفتاة، وقولهم (كُبر المناخر ع الوش الفاخر) لمن يرى في كبر المنخار جمالاً للوجه. وهذا تبعاً للثقافات المحلية وأذواق الناس في تصنيف الجمال.
الأسنان: مطلوب قوتها ولذا كانت بعض النسوة تأخذ معها حبات لوز وتقدمها هدية للفتاة المَخطوبة لتقوم بكسرها بأسنانها أمامها، فتتبين قوة أسنانها، ومن جمال الأسنان أن تكون مُتباعدة قليلاً (فُرك)، وبياض الأسنان مطلوب وموصوف بقولهم: (زي اللولو).
الطول والقصر: والأمر نسبي وفيه تفاوت في الأذواق (الطويلة طالت التينة والقصيرة ظلت حزينة)، (خُذ القصيرة وضمها وخلي الطويلة تمسح السقف لأمها).
ومن جميل غنائهم:
الطول طول القنا والعنق مايل ميــل
والخصر من رقتو هد القوى والحيــل
يا صايمات الضحى يا مفطرات الليـل
ردوا عليّ غـزالـي مـا بقـا لي حـيـل
ونجد في الأهازيج والمواويل صفات جمالية مطلوبة وجذّابة في البنت المحبوبة للشباب ومن ذلك قولهم:
يا عيونها عيون الغـــزلان
يا ثـمّـها خاتـم ســليمـان
يا شفايفها رُقّ الفنجــان
يا عُنقها عنق الغـــــزلان
ونهـودهـا زي الـرمـــــان
ودرعانهـا زي الكعكبـــان
وخصرها ولا عود البـــان
كل هذه من المعايير الشعبية التي كانت تحضر لدى الأهالي عند نيتهم اختيار الزوجة والبحث عنها، وطبعاً لا يشترط توفرها كلها في البنت المطلوبة للزواج.
مع العلم بأنه (لما يقع النصيب من السما بنصاب الخاطب بالعمى)، وأحياناً يكون: (بخت العفنات في الحفنات، وبخت الزينات مات) أو (بخت الرمايم قايم وبخت الزينات نايم). والزواج أولاً على آخر قسمة ونصيب.
"عمواس".. قرية فلسطينية ظلمها الطاعون والاحتلال الإسرائيلي
عبدالحميد شومان "العصامي".. من بائع متجول إلى "البنك العربي"
أولمبياد ميونخ 1972.. شهادات تاريخية