لا يشبه
التطبيع الإماراتي السياسي
العاطفي الصريح
تطبيع قطر التجاري؛ الذي ارتدّت عنه فأغلقت المكتب التجاري
الإسرائيلي وندمت على فتحه، ولا تطبيع مصر، الذي كان بينها وبين إسرائيل ما بينهما.
أما تركيا التي تذكر في تعليقات
الشطّار للإفحام والتبكيت كجواب مسكت؛ فليس تطبيعاً، فما بينهما معاهدات قديمة قبل
تولي حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم، ولهما خصومات مشهودة يمكن أن نتذكر منها
واقعة استدعاء وزير الخارجية الاسرائيلية داني أيالون؛ سفير تركيا للاحتجاج على
مسلسل تركي اعتبرته إسرائيل معاديا لإسرائيل ولليهود، قبل عشر سنوات، فاضطره إلى
الجلوس على مقعد أدنى شرفا، فاضطربت العلاقات إلى حدِّ قطعها، ثم ردَّت تركيا بتفتيش
السفير الإسرائيلي إيتان نئيه تفتيشاً مذلاً خلال مغادرته إسطنبول عبر المطار
الدولي، وحولته إلى عرض إعلامي و"شو"، والبادئ أظلم.. ومنها واقعة مرمرة
وغيرها كثير.
وإن كان
تطبيع الدول المذكورة كذلك،
فليس تطبيعا مشبوب العاطفة كالتطبيع الإماراتي الذي أسكره العشق وأضناه الهوى.
وتركيا الأمس غير تركيا اليوم. وحقُّ القدس على الأشقاء العرب كحقها على الإخوة
المسلمين، لكنه أعلى درجة.
وقد يوصَف تطبيع الإمارات مع
إسرائيل بالفجِّ والطارئ، مع أنه كان معروفاً سراً، "وإذا بليتم بالمعاصي
فاستتروا". ووُصف بأنه حار، وربما يكون مغلياً حارقاً، وهو يشبه أن يرحب أحد أفراد
البيت بمجرم اقتحمه واحتله، فيأخذه بالعناق.
كان الجهر بالتطبيع الإماراتي
انقلاباً في المشهد السياسي العربي والإسلامي، فالصمت الرسمي سائد، وهو علامة
الرضى. ولم نسمع للأزهر صوتاً، وصار مفتي عمان أحمد الخليلي بطلاً، حتى إنَّ النظام
السوري الذي يرفع شعار المقاومة سكت، وقالت بثينة شعبان كلاماً في شأن تطبيع الإمارات
لا يشبه العتاب، فهو أقل من ذلك، إذ قالت إنها لا تفهمه على كثرة فهمهما وعقلها
وجمالها أيضا.
وتفقّد كاتب هذه السطور المجلات
العاطفية والنسائية، مثل "لك سيدتي" و"البردة" و"مجلة
كلا يمور" و"ماري كلير" و"زهرة الخليج"، يبحث عن أخبار
التطبيع العاطفية أو يجد على النار هدى، فقد أجمع الساسة والمحللون على وصفه بالحب
والغرام، نذكر منهم محمد المختار الشنقيطي وعزمي بشارة، حتى إنَّ كاتب السطور خشي
أن يعلن يوم التطبيع عيداً وطنياً في الإمارات، فلله الحمد والمنة.
استتر حافظ الأسد وراء سور محور دول "الصمود والتصدي"،
وتابع ابنه السير على خطاه في جبهة محور المقاومة والممانعة. وكلاهما دفاع بلغة
كرة القدم، فالهجوم ممنوع إلا على الشعب. والأسد الأبُ كان يعلم أنَّ الجهاد
تعطيلاً أو تمثيلاً ركنٌ من أركان شرعيته السياسية في الحكم. وكان السادات قد هادن
إسرائيل بذريعة استعادة القدس من غير خيل ولا ركاب، واستطاع بعد سنوات طويلة من
المؤتمرات الشاقة استرجاع سيناء منزوعة السلاح والأنياب، وعلى درجات ومناطق، ثم
صارت منزوعة البشر والحجر أيضاً في عهد السيسي فكأنها تحت الاحتلال.
تُذكر أسباب كثيرة للتطبيع بين
إسرائيل والإمارات، فالطيور على أشكالها تقع وتقلع وتسرح وتنكح، مثل سبب حبّ المال وجمعه. والمال الإماراتي الجديد المتحصل من النفط وتجارة النساء والقمار
والمخدرات كثير، والإنسان يطغى بالمال وبالعلم كما تقول أول سورة نزلت من القرآن،
فهي تبدأ بأمر القراءة ثم تتحدث عن الطغيان. (كلا إن الإنسان ليطغى، أن رآه
استغنى). وهما كيانان متشابهان في النشأة المتأخرة، لكن هناك سبب أساسي يجمعهما
على وسادة واحدة، هو كراهية الإسلام "السياسي"، الذي يؤتى منه الحذر،
وقد كشف عن طموحه إلى السلطة في أكبر بلد عربي، فشعرتا بالذعر منه. ورأى الخليجيون
من عنفوان الرئيس مرسي وعزته ما صعقهم، وكانوا معتادين على نقيضه من رؤساء مصر
السابقين، وخافوا من عدوى الثورة، فاشتروا مصر ماضيا وحاضرا بعدة مليارات، بتمويل
الانقلاب، فصار العدو الأوحد في
السعودية والإمارات هو حزب الإخوان المسلمين.
ويوشك الخطاب السعودي الديني الذي
انقلب في الربيع العربي إلى نقيضه أن يختصر السنّة النبوية في رهن الدرع لدى
اليهودي، كما سمعنا في
خطبة السديس يوم الجمعة. وبالقياس (وهو أحد مصادر التشريع،
وقد يصير مصدرا وحيدا لكن بأدوات قياس مغشوشة) أنه يجوز أن نرهن دروعنا لدى
الهندوس والبوذيين، فهم من أصحاب الفضل على المسلمين بالقتل والحرق، وحتى لا نضع
البيض كله في سلة واحدة، وندفع بدجاجتنا إلى حضن ديك واحد.
سمعنا خطبة السديس في الحرم المكي،
الذي نسي أن يذكرنا بسماحة الإسلام في التبشير والتيسير وعدم التنفير، بسماح
السعودية للطائرة الإسرائيلية "كريات جات"
بعبور سماء الحجاز حرصا على
وقت ركابها الميامين الثمين وهم يزورون الصديق، لكنه لم ينس قصة الدرع، فهل يصير
رهن الدروع لدى اليهود فرض عين على كل مسلم؟ وهل يصير الحج إلى القدس الركن السادس
من الإسلام، أو يُلزم الحج إلى مكة بالحج إلى القدس؟
استطاع رؤساء الجمهوريات والملكيات
العربية تطبيع العربي على الطاعة في المكره والمنكر، والخنوع والذل. خذ مثال
الرغيف المصري، أو مثال البطاقة الذكية السورية، أو معركة الرئيس السوري الأبدية
مع الإصلاح الإداري الخالد. والتطبيع بتعريف آخر غير التعريف الشائع هو؛ منع
العربي من التصرف على طبيعته، إنه تطبيعه على غير طبعه أو تصنعيه تصنيعاً جديداً،
وفقاً لقرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية.
وأغلب الظن أن التطبيع لن ينجح
شعبياً في الإمارات، مع أنَّ نسبة الإماراتيين في الإمارات قليلة وتبلغ 12 في المئة
من السكان. وسبب إخفاقه هو أن الحبَّ من طرف واحد لا يثمر، فالحبيب لن يتنازل عن
بعض طباعه الأصلية مثل التمدد والجشع والقتل وأضاحي الانتخابات،
وهو ما يهدد هذه العلاقة بالفساد. وكان من واجب الحبيب في أول مناسبة تقديم باقة
ورد للحبيب، وكانت باقة الورد السياسية هي وقف الضم في الضفة الغربية، ولم يتوقف.
ولن تكون أطعمة المطعم الإسرائيلي
في الإمارات مجانية، وآخر دعوانا أن تكون صحية وغير ملوثة. وذكرت صحف شهيرة أن بعض
الإمارتيين
أحسّوا بالإهانة من قول نتنياهو بتحالف العقل الإسرائيلي والمال
الإماراتي، لكنك ستجد إماراتياً سلب العشق لبّه يقول: صيت غنى ولا صيت فقر. الحب
أعمى.
مطلوب من العربي أن يرقص رقصة
الخنجر مطعوناً به وليس مزيناً به على الطريقة اليمنية. لقد خضع العربي لتطبيع
قاس، والتطبيع الذي يحتاج إليه هو يحتاج إلى تطبيع مع الذات ومع الفطرة.. ممنوع
عليه أن يعود شيمته وسيعود وإن تخالق أخلاقا إلى حين..
وكما قال ذو الأصبع العدواني:
كلُّ امْرِئء رَاجعٌ يَوْماً
لِشيمَتِهِ وإِنْ تَخَالَقَ أَخْلاَقاً إِلى
حِينِ
الأمور لا تزال بخير، إذ لم يعلن
السديس من فوق منبر رسول الله بعد الجهاد لتحرير إسرائيل المظلومة من
الفلسطينيين
الغاصبين الذين يقصفون المستوطنات الآمنة بالبالونات والصواريخ الكرتونية (ووصف
الصواريخ الكرتونية ليس من عندنا بل هو من عند الخصوم)، وإعادتها إلى أهلها اليهود
"الطيبين الكرام" الذين ذكرهم الله في القرآن، حتى إنَّ قصص بني إسرائيل
استغرقت ثلث القرآن الكريم، ولم يذكر القرآن فلسطين مرة واحدة، وأكثر الأنبياء
كانوا من بني إسرائيل ولم يكن من فلسطين سوى جالوت الكافر الذي قتله طالوت اليهودي
البطل.
ارهنوا درعكم لدى دولة تتحصن وراء
الأسلحة الذرية والجدر حتى لا تموتوا ميتة جاهلية.
twitter.com/OmarImaromar