تآكلَت قوة عرب اليوم حين جهلوا مقومات هُويتهم، وضَعُفَ انتماؤهم لأمتهم، وتنكروا للعرف والمعروف بينهم وللروابط المتينة التي تجمعهم "دينية وقومية وتاريخية وثقافية واجتماعية واقتصادية و..".. وازدادوا تآكلاً حين فسد الود بينهم وتعادوا بدل أن يتعاونوا ويتحدوا بوجه الأخطار والتحديات، وأسلم بعضُهم بعضاً لعدو لا يرحمهم، واستعان الأخ منهم على أخيه بذاك العدو شديد اللَّدَد وبغيره من القوى الطامعة ليغلبه ويقتله، وبذلك غُلِبَ وقُتل.
كيف تآكلت قوة العرب والمسلمين؟
وازدادوا بؤساً وضعفاً وانحداراً ومهانة وتبعية وقلة حيلة، حين وضع كل حاكم من حكامهم نفسه فوق شعبه ووطنه وأمته، معلناً نفسه الشعب والوطن والأمة، واضعاً مصالحه فوق مصالح الدولة والأمة اللتين ينتمي إليهما، مستمداً القوة ممن أسلم لهم قياده وصار تابعاً لهم، يطعن طعنتهم في ظهور إخوته، ويلوذ بهم محتمياً حتى من شعبه، ويستعديهم على الذات والأهل والمقدسات.. متجاهلاً حقيقة أن قوة الجزء في الكل، وأنَّ قوة الكل بوحدة الأجزاء ومقاومتها.
وأفضى هذا الوضع بدول عربية إلى تبعية ملموسة ومحسوسة، هي البؤس البئيس بكل المعايير والمقاييس، وبكل الأبعاد والمعاني والدِّلالات، رغم الزّركشة والتلميع و"العَنْطَزَة والمظاهر الطاووسية التي يظهر بها المتعالي على شعبه، وأوهام القوة والاستقلالية التي يدعيها.. وآلت أموال دول عربية غنية وثرواتها الطبيعية إلى نقمة على الأمة ورصيد لأعدائها يتصرفون به كيف يشاؤون وينهبون منه ما يريدون مع التزامهم بإظهار المَسروق المغلوب على أمره، والمغرور بأوامره وهاباً شجاعاً كريماً متقدماً في الزعامة على سواه ممن يتراكضون في ميدان السباق أمام الأقوياء ليراهن الأقوياء عليهم أحصنة سبق في ميادينهم.
من أولويات المهام في المرحلة الراهنة أن تقف القلوب والإرادات والسواعد العربية الشريفة الشجاعة مع شعبها ضد الاحتلال والتواطؤ والطعن في الظهر، وأن تناشد الشرفاء في العالم المؤيدين للشعب الفلسطيني أن يجددوا تأييدهم ودعمهم له في صموده ورفضه للاستسلام والتنازل عن حقوقه
ويستمر أعداء العروبة والإسلام، باستنزاف دول وشعوب عربية في حروب يديرونها بين الإخوة، وفي صراعات يخوضها الحكام العرب بالوكالة عنهم ضد دول عربية وإسلامية وليس ضد عدو العروبة والإسلام، ويستمر الاستنزاف بشراء أسلحة يحرَّم على من يشتريها مجرد التفكير باستخدامها للدفاع عن وطنه وشعبه وأمته، إذا ما اعتدى عليه كيان الإرهاب والعنصرية الصهيوني "إسرائيل" أو قتل بعض شعبه، ويُمنع منعاً باتاً من مجرّد التلويح بالسلاح في وجه المعتدي على أشقائه ومن يستبيح دمهم ويحتل أرضهم وينتهك حقوقهم ويدنس مقدساتهم.. وآل أمر جامعتهم العربية، نتيجة صراعاتهم الداخلية وتبعيتهم للقوى الدولية، إلى ظلال باهتة لمواقف أمة كانت ويمكن أن تكون في ذروة من ذُرى الحضور والاحترام والمهابة، والقدرة على الدفاع عن الذات والحق والأرض.
وتآكلت قوة المسلمين أيضاً في بلدان كثيرة، وازدادت مواقفهم وصفوفهم تآكلاً حين تشربوا الفتنة وساهموا بإلصاق تهمة الإرهاب بهم وبدينهم، وحين تحالف بعضهم ضد بعض مع الأعداء، وانخرطوا في صراعات وحروب زجَّهم فيها الأمريكيون والأوربيون وغيرهم.. وبذلك انحدروا هم والعرب بالمسلمين إلى مستوى يكاد يلامس انعدام الوزن والحضور "إقليمياً ودولياً"، وتخلّوا بالممارسات السياسية الكيدية والاستبدادية والقمعية، وبالتبعية للآخرين، ومنهم أعداء لهم ولدينهم، عن كثير من تعاليم الإسلام وروحه.. فضاعوا وأضاعوا.
التحالف الأمريكي ـ الصهيوني يقود المنطقة
وها هم الأمريكيون والصهاينة يحرثون اليوم في السياسة العربية، ويفتكون بالشعب العربي الفلسطيني ويحاصرونه مادياً ومعنوياً ليجبروه على الاستسلام التام للعدو الصهيوني المحتل، وعلى التنازل عمَّا بقي له من حق وأرض في وطنه التاريخي فلسطين.. وهم حين يفعلون ذلك يلقَون ترحيباً كبيراً وعوناً وفيراً من كثير من الحكام العرب والمسلمين، فتفتح لهم الحدود والأجواء، ويُفْرَش لهم السجاد الأحمر، ويتراكض بين أيديهم الخدم والحشم..
وها هو الصهيوني العنصري جاريد كوشنر، مع وفد من الصهاينة العنصريين يعبث بدول وممالك عربية ويجعلها تعترف بكيان الإرهاب "إسرائيل" وتقيم علاقات تطبيعية معه، ويوظف ذلك لخدمة ترامب ونتنياهو في مآزقهما السياسية والانتخابية، وينهب هو وصهره ترامب وصهاينتهما أموالاً وثروات عربية ليحل بها أزمات اقتصادية خانقة لـ "إسرائيل"، ويجعلها تستثمرها في تعزيز قدرات جيشها وتنفيذ مشاريع تطويره، وفي العدوان على العرب وقتل الفلسطينيين وقضيتهم، وتخريب العلاقات العربية ـ العربية، والإسلامية ـ العربية، بإثارة الفتن المذهبية والعشائرية، واضعاً هو و عمُّه العنصري دونالد ترامب مقدرات الولايات المتحدة الأمريكية، أكبر دولة في العالم، في خدمة الأهداف الصهيونية، معطين " لإسرائيل" حق النقض على الدولة الأمريكية العظمى في كل ما يتعلق بملفات الدول العربية والصراع العربي الصهيوني ومبيع الأسلحة، في سابقة ليس لها مثيل في السياسة والعلاقات الدولية..
إنه من المؤلم أن تجد عرباً من العرب في هذه الظروف يحتفون بالعنصريين الصهاينة ويحتفلون بإقامة علاقات معهم، ويتنكرون لأمتهم ولقضيتهم المركزية، قضية فلسطين، ولدماء الشهداء العرب الذين قضوا على طريقها.. وأن يراهم العالم يرقصون ابتهاجاً بترامب ونتنياهو وكوشنير، ويفتحون صدورهم وأرضهم ومياههم وفضاءهم لمن يحتل فلسطين، ويقتل الأطفال، ويدنس المسجد الأقصى والقدس والحرم الإبراهيمي في الخليل.
ومن المؤسف، في مناخ التردي الرديء هذا، ألا يتردد عرب وأوربيون في المباركة للطاعن الغادر بطعنه ظهر أخيه، وفي الثناء على القَتَلة الصهاينة العنصريين، وفي الهجوم على عرب ومسلمين يرفضون التطبيع وخذلان أعدل قضية وأصبر شعب وأقدره على التضحية؟!
موقف أوروبي منحاز
إنه ليس من المنتظر أن يعدل الأوروبيون بشأن الشعب الفلسطني وقضيته، فكيف وهم يرون العرب لا يعدلون بهذا الشأن، والأوروبيون لا يمكن أن يعملوا ضد الأمريكيين والصهاينة ومشاريعهم الاستعمارية التوسعيّة، فهم من الطينة ذاتها، والأوروبيون كانوا وسيبقون في خدمة البرنامج الصهيو ـ أمريكي نشأة وترسيخاً وتوسعاً وهيمنة، ولا يمكن أن ننتظر منهم غير ذلك.. إنما المنتَظر ألا يفعل عربٌ ومسلمون فعل أعداء أمتهم ويناصرونهم ضد الحق والعدل، مع أنهم يرون الأمريكيين والأوروبيين وغيرهم من المتواطئين يستغلون كل فرصة وثغرة للنيل من دول عربية وإسلامية ومن عرب ومسلمين، وهم يعرفون أن الأوروبيين لا يترددون في اتباع الولايات المتحدة الأمريكية عندما تحزم أمرها وتكشر لهم عن أنيابها، فالغرب كله منها وإليها، والولايات المتحدة الأمريكية متصهينة ـ وعنصرية بامتياز وتعطي لكيان الإرهاب "إسرائيل" حق النقض على سياساتها المتعلقة بملف الشرق الأوسط والعرب، وفي صفقاتها من السلاح وغيره للعرب والمسلمين..
وها هو الفريق الغربي ـ الصهيوني وتابعه العربي المتخاذل، يقف متجانساً في نهاية المطاف ضد فلسطين وشعبها، وضد إرادة الأمة، وضد العروبة والإسلام، ومع العنصرية والعدوان والاحتلال ونهب الشعوب وقتلها والاقتتال بها.
من الواجب الملح مطالبة الشعب الفلسطيني بوحدة الصف والهدف والموقف والخيارات، وفي مقدمتها خيار المقاومة، ورفض أوسلو ومشتقاتها، ووقف التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني.
إن هذا الواقع الرسمي العربي الرديء، المفتوح على احتمالات أكثر رداءة، وأكثر خذلاناً وتآمراً على الأمة العربية وقضيتها المركزية، يقتضي من الشعب العربي المؤمن بحقه وعدالة قضيته، الرافض للإعتراف بالعدو الصهيوني ولتطبيع العلاقات معه، أن يواجه موجة التطبيع المستجد مع كيان الإرهاب والعنصرية وتلميع المطبعين معه والتطبيل لهم بقوة وحزم وعزم وشجاعة ومبدئية، وأن ينصر الشعب الفلسطيني في هذه المحنة ـ الامتحان، وعلى العرب المنتمين للأمة والحرية أن يعلنوا بملء الصوت: أن قضية فلسطين قضية العرب المركزية، وأنها مسؤوليتهم وواجبهم، وأن الشعب العربي يتبناها ويدين كل من يخذلها ويحاول أن يعزل الشعب الفلسطيني ليضعِفه ويجبره على الاستسلام والتنازل عن حقوقه، وأنه يقف ضد كل من يتواطأ مع المحتل الصهيوني والإدارة الأمريكية المتصهينة لحصار الفلسطينيين وإجبارهم على التنازل عن حق العودة، وعما تبقى لهم من أرض وطنهم التاريخي فلسطين. وإن من الواجب تبني خيار المقاومة ودعمها ضد العدو المحتل، وكشف حقيقة تآمر المطبّعين ومؤيديهم على الشعب الفلسطيني والأمة العربية.
ومن أولويات المهام في المرحلة الراهنة أن تقف القلوب والإرادات والسواعد العربية الشريفة الشجاعة مع شعبها ضد الاحتلال والتواطؤ والطعن في الظهر، وأن تناشد الشرفاء في العالم المؤيدين للشعب الفلسطيني أن يجددوا تأييدهم ودعمهم له في صموده ورفضه للاستسلام والتنازل عن حقوقه، وأن يرفعوا أصواتهم ضد التآمر الأمريكي ـ الصهيوني عليه، وأن يشعروا الفلسطينين بأنهم ليسوا وحدهم، وبأنهم ليسوا معزولين عن العالم وعمن يؤمن بعدالة قضيتهم وحتمية انتصار الشعوب والحرية والعدالة.
وإنه من الواجب الملح مطالبة الشعب الفلسطيني بوحدة الصف والهدف والموقف والخيارات، وفي مقدمتها خيار المقاومة، ورفض أوسلو ومشتقاتها، ووقف التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني.
وعلينا نحن العرب أن نواجه بوعي مسؤول حقيقة أن تطبيع الإمارات مع العدو الصهيوني ليس عملاً منفرداً بل هو واجهة للتنسيق بين دول عربية تسير في هذا الاتجاه، وأن نكشف مَن يُظهر ما لا يبطن، ومن يتآمر في الخفاء والعمق، وأن نفضح مَن يحاول الإلتفاف على الحقائق والوقائع بينما هو في مسار هذا التطبيع ووراءه، وأنه يأتمر بأمر الأمريكيين الذين يفرضون الاعتراف بالعدو الصهيوني وتطبيع العلاقات معه بصورة وقحة، ويضعون ذلك على رأس أولوياتهم وفي مركز علاقاتهم وتصرفاتهم مع دول عربية على الخصوص، ويقفون بكل قوتهم وراء المشروع الصهيوني العنصري العدواني القذر الذي هم جزء منه.
في بيلاروسيا.. كل الطرق تؤدي إلى كوفيد-19
عصام الدين العريان النموذج الفريد في جيله