حالة من الغضب، تجتاح المجتمع
المصري، إزاء متحرش شاب، تحرش بفتيات كثيرات على مدار سنين طويلة. كان ذاك المتحرش مُستغلاً لخوف الفتيات من الفضيحة. وعندما جهر بتحرشه؛ ألقت قوات الأمن القبض على هذا الوحش. فُتِحَت التحقيقات معه ومع الأطراف الأخرى، للكشف عن ملابسات هذه المأساة. تم الاتصال بوالده ليُسأل عن حيثيات مهمة تتعلق بالواقعة الشنيعة، لكن الأب، رفض تأكيد أو نفي فعلي لعمل الابن.
المستغرب أنه لم تتقدم
بلاغات ضد هذا الوحش للنيابة، اللهم إلا من قِبل فتاة واحدة، حسب ما صدر عن النيابة.
ولكن هذه الواقعة برمتها يُفترض أن تُثير في الذهن أكثر من سؤال.. أولا: مفهوم الشباب والبنات عن الجنس، ثانيا :لماذا هذا التوقيت بالذات لتفجير هذه القنبلة ولا سيما أنه مارس سلوكه المعيب لسنوات طويلة؟ ثالثا :لماذا لم يصدر بيان رسمي من أي جهة رسمية يُسلط الضوء هذا الموضوع؟
بالطبع هذه الأسئلة وغيرها تنتظر إجابات تميط اللثام عن هذا الجرم البشع.
لعلنا إذا تأملنا السؤال الأول، فسنجد أن مفهوم الجنس، ترسخ في عقلية معظم الشباب والبنات عندنا على أنه مجرد علاقة بين طرف أقوى وطرف أضعف.
علاقة ما زالت تعيش تحت عنف النظرة على أن المرأة "عورة"، وأن الرجال قوامون على
النساء وما إلى ذلك من معاني القوة والضعف.
أصبحت الفتاة مهيأة لا شعوريا لهذا النوع من التعامل الدوني العنيف ضدّها، في غياب التعليم الصحيح والوعي الناضج، المُدرِك للبعد الإنساني الذي ينظر للوقائع الجنسية بين الطرفين على أنها علاقة من المُفترض أنها علاقة تساوي، علاقة عدل وإنصاف وتراحم ولطف وحنان، ليست العلاقات بين الطرفين معركة تقوم على غالب ومغلوب، على المنتصر والمنهزم، إنما هي حالة بديعة تحقق المتعة والرضى للطرفين بالتساوي.
أما الإجابة على السؤال الثاني والثالث: تجعلنا في حالة دهشة واستغراب، من كثرة تكرر هذا النوع من الصدف.
هنا مثلا: إن والد المتحرش شخصية هامة في أحد الأجهزة الأمنية. ومرت على دوام المتحرش في أفعاله غير الإنسانية؛ سنين طويلة وضحاياه من النساء في حالة صمت مطبق، إما بدافع الخوف من الفضيحة أو الانتقام، أم لأسباب مختلفة أخرى.
ثم إن انتشار هذه القضية بهذا الشكل الإعلامي الواسع متواكب مع المشكلة السياسية الخطيرة، وهي مأساة سد النهضة، لذلك يصبح موضوع المتحرش حديث الساعة في المجتمع المصري بكل شرائحه وطبقاته.
ولم نر أي تحرك رسمي أو بلاغات بحجم القضية المثارة والمشتعلة على مواقع التواصل الاجتماعي أم بعض وسائل الإعلام، كالعادة في أي فورة من هذا النوع تُترك لتكون حالة الانشغال والانغماس المجتمعي تأخذ شكلا هلاميا طويلا؛ لإبعاد النظر عن القضايا الأساسية.
على أية حال، لا بد أن ننتظر لنرى حتى تتضح الصورة.
كلي أمل أن نتخذ من هذا الحادث المؤسف، كحالة تَفّكُر ودفع النقاش فيه للأمام من أجل المساهمة في توعية بناتنا وشبابنا بمفهوم الحياة بمعناها المشرق، لتساعدهم الاختيار، علّهم يقتربون من مستقبل أفضل للجميع.