ما دفعني لطرح هذا السؤال ومحاولة الإجابة عنه هو تحذير وزير الخارجية الفرنسي، لودريان، في كلمته أمام البرلمان الفرنسي قبل يومين، من أن المشهد السوري يمكن أن يتكرر في ليبيا، في إشارة إلى كشف الولايات المتحدة الأمريكية عن وصول 14 طائرة مقاتلة روسية إلى قاعدة الجفرة في الجنوب الليبي قادمة من موسكو.
بوتين الصارم المتوحش
أن يكون على رأس هرم السلطة التنفيذية في روسيا بوتين هذا في في حد ذاته مقلق جدا، فتدخل روسيا عسكريا عادة ما يكون وحشيا ومدمرا، وقع هذا في الشيشان وأوكرانيا، وصارت الحالة السورية هي الأكثر وضوحا لخطر التدخل الروسي في مناطق النزاع الملتهبة التي لروسيا مصالح فيها.
ووفقا لهذا المعطى فإن روسيا يمكن أن تقدم على تنفيذ عمل عسكري واسع يقوم على تحييد الطيران المسير التابع لحكومة الوفاق، وقصف جوي كثيف على القوات المحاصرة لترهونة وعلى مناطق تمركز قوات الوفاق في كافة محاور القتال حول العاصمة لتعود حالة التوازن إلى سابق عهدها وربما ترجيح كفة حفتر.
حالة مغايرة للمشهد السوري
سيناريو الفعل الهجومي محتمل، إلا أن بعض الحيثيات الحاضرة تجعل من تكرار السيناريو السوري في ليبيا ليس راجحا، نلخصها في ما يأتي:
1 ـ ستناقض موسكو نفسها وتفقد مصداقيتها وتضعف حجتها في مواجهة المجتمع الدولي أو القوى الغربية المتهمة من قبل روسيا بتأزيم الوضع في ليبيا في أعقاب ثورة فبراير العام 2011م والسنوات التي لحقتها، فتدخلها السافر عبر غارات جوية مكثفة سيكون ضد الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا ولصالح تمرد عسكري لا خلاف على أنه خرق المواثيق والاتفاقات التي أسهمت موسكو في إبرامها.
2 ـ إن موسكو تتحرج من الوقوف في صف حفتر عبر عمل عسكري واسع مسنود بالطيران الحربي خاصة بعد إحراج حفتر لموسكو إبان الاتفاق الروسي التركي لوقف إطلاق النار في كانون أول (ديسمبر) الماضي ومغادرة حفتر دون توقيع، ومؤشر ذلك تواصل موسكو المكثف مؤخرا مع عقيلة صالح الذي هو اليوم على خلاف مع حفتر.
من المرجح أن يكون الغرض من استقدام الطائرات الروسية إلى قاعدة الجفرة، والذي تزامن مع انسحاب عناصر الفاغنر من جنوب طرابلس إليها، إنما لأجل منع تقدم قوات الوفاق المدعومة من تركيا صوب الهلال النفطي أو باتجاه المناطق الحيوية التي يسطر عليها حفتر في الشرق.
3 ـ تأخر التدخل الروسي المكثف برغم انتكاسة مشروع حفتر وهزيمة قواته في مواقع كثيرة حول طرابلس وفي عدد من مدن المنطقة الغربية، وانسحاب جميع عناصر الفاغنر المقدر عددهم بما يزيد على الـ 1200 من محاور القتال قرب العاصمة.
4 ـ إن تكرار السيناريو السوري يعتمد ليس فقط على كثافة نيران الطيران الحربي، بل يحتاج بشكل حيوي إلى قوات برية تغطي الفراغ الذي يصنعه قصف الطيران، ففي الحالة السورية اعتمدت موسكو على عشرات الآلاف من عناصر الفاغنر والحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني. وفي الحالة الليبية لن يشكل المرتزقة قوة ضاربة، والبديل هو اللجوء إلى قوات نظامية كالقوات المسلحة المصرية الأمر الذي لن يتحقق في ظل المعارضة الامريكية للتصعيد الروسي.
5 ـ ليبيا تكتسب أهمية استراتيجية لأوروبا، وبالقطع حليفتها الولايات المتحدة، وأن نجاح موسكو في فرض وضع جديد في العاصمة وما حولها، أو حتى تموضعها عسكريا في شكل وجود دائم في الوسط أو الشرق، سيكون بمثابة الخنجر في خاصرة المعسكر الغربي، وهذا ما لا يمكن أن تقبل به أوروبا أو تتغاضى عنه أمريكا، وهو ما عبر عنه لودريان بالقول إن الأمن الأوروبي سيكون في خطر في ظل هذا التصعيد.
مناكفة وصد وتقدم
من المرجح أن يكون الغرض من استقدام الطائرات الروسية إلى قاعدة الجفرة، والذي تزامن مع انسحاب عناصر الفاغنر من جنوب طرابلس إليها، إنما لأجل منع تقدم قوات الوفاق المدعومة من تركيا صوب الهلال النفطي أو باتجاه المناطق الحيوية التي يسيطر عليها حفتر في الشرق.
موسكو بتشكيلها لسدّ منيع ضد توسع عملية عاصفة السلام صوب وسط وشرق البلاد تسحب البساط من المنافسين وفي مقدمتهم فرنسا وتعزز من حضورها في النزاع وتثبت نفوذها ومن ثم رؤيتها لحل الصراع سواء تم الاتجاه إلى التفاوض، أو استمر الحال على ما هو عليه في شكل توتر ومواجهات، أو القبول بالتقسيم وتقاسم الثروة.
ربما ليس من مصلحة روسيا أن يفهم استقدامها للطائرات المقاتلة لقاعدة الجفرة تهديدا أو تحديا للمعسكر الغربي الذي يمثله حلف الناتو، لهذا قامت بطلاء الطائرات، كما نفى المسؤولون الروس خلاصات التقارير التي تحدثت عن وصول الأسطول الجوي إلى طبرق ومن ثم إلى الجفرة، وعليه فإن عملية واسعة كالتي قامت بها في سوريا غير محتملة، والعمل العسكري المرتقب سيكون دفاعيا أو هجوما محدودا في الحجم والأثر.
روسيا تراهن على التقسيم وستتخلى عن حفتر
تناقضات الموقف الأمريكي من الحرب على طرابلس
ما مصلحة إيران في دعم حفتر ليبيا؟