أجبرت أزمتا وباء كورونا وانهيار أسعار النفط الحكومة الجزائرية على إعلان خطة تقشفية، قلصت بموجبها 50 بالمئة من النفقات الحكومية، الأسبوع الماضي.
قرار
تقليص النفقات هو الثاني من نوعه في أقل من شهرين، إذ سبقه إعلان مماثل في 22 آذار/مارس
الماضي بخفضها 30 بالمئة، ما يشير إلى حجم المعاناة الاقتصادية التي تمر بها الحكومة
الجزائرية.
وزادت
الضغوط المالية على الجزائر بعدما تسبب فيروس كورونا في انخفاض أسعار النفط، فانهار سعر الخام الجزائري من حدود 70 دولارا مطلع العام لأقل من 20
دولارا نهاية نيسان/أبريل، فاقدا 70 بالمئة من قيمته.
وانعكست
أسعار النفط المنهارة على التوقعات للمؤشرات الاقتصادية الجزائرية هذا العام،
بعجز في الموازنة يصل إلى 12.7 بالمئة (قرابة 12 مليار دولار)، وتراجع احتياطيات النقد الأجنبي
إلى 44.2 مليار دولار، نزولا من 62 مليار دولار نهاية 2019.
وتشكل إيرادات الطاقة (النفط والغاز) 60 بالمئة من الميزانية، و93 بالمئة من إجمالي الصادرات الجزائرية.
الانهيار
بدون إصلاح
وتعقيبا على هذا التردي المحتمل للاقتصاد الجزائري، قال الخبير الاقتصادي جمال الدين بوطالب: "كان
هناك تداعيات مزدوجة لانهيار أسعار النفط ومواجهة أزمة وباء كورونا"، مشيرا إلى أن الحكومة في قانون المالية التكميلي توقعت أيضا تراجع إيرادات المحروقات إلى 20
مليار دولار، مقابل 37 مليار دولار وفق المخطط له في القانون الأساسي لعام 2020.
اقرأ أيضا: خطة تقشف جديدة بالجزائر تقلص 50% من الإنفاق الحكومي
وفي حديثه لـ"عربي21" أبرز بوطالب صورة "الانهيار التراجيدي لاحتياطات النقد الأجنبي" خلال السنوات الأخيرة، فعندما هوت أسعار النفط عام 2014 كانت 200 مليار دولار، وبنهاية 2019 انهارت إلى 60 مليار دولار، والحكومة تتوقع انخفاضها إلى 44 مليار دولار نهاية العام الحالي.
ويشير إلى أن أسعار
النفط الحالية عند "أقل من 20 دولارا" لا تغطي تكاليف إنتاج البرميل من
"الخام الصحراوي" الجزائري في بعض المناطق المنتجة له، ما يمثل "كارثة للبلاد، وحتى لو ارتفع إلى 50 أو 60
دولارا".
ويقول: "كي تحقق
الحكومة الجزائرية التوازنات المالية فيجب أن يكون سعر البرميل عند 110 دولارات
على الأقل، وهذا ما يبدو صعبا".
ويحوم تهديد للجزائر في أن ارتفاع الطلب الداخلي على الطاقة (الغاز والنفط) سيحرم البلاد من عوائد صادراتها في المستقبل أيضا، بحسب ما قال الخبير الاقتصادي.
وعند سؤاله عن تقييمه
لدعم الحكومة الجزائرية للقطاعات المتضررة جراء الإغلاق بسبب كورونا، قال: "هذا
كلام نظري كون المبلغ 10 آلاف دينار (يعادل نحو 70 دولارا) فهو لا يفعل شيئا".
وكانت الحكومة الجزائرية قد خصصت منحة قدرها 10 آلاف دينار جزائري، للأسر المعوزة والمتأثرة من تدابير مواجهة كورونا قبل حلول شهر رمضان.
أما عن سياسات
التيسير الكمي أو النقدي التي اتبعتها الحكومة لتحفيز الاقتصاد، فقال إن "الجزائر يفتقر لهذه السياسات لعدم وجود أسس اقتصادية قويمة"، منوها إلى أن الحكومات
السابقة كانت تلجأ "لطباعة النقود" في الأزمات دون مقابل لها في الاقتصاد الحقيقي،
وتقدر هذه العمليات بـ60 مليار دولار.
ورغم حديث الرئيس الجزائري عن عدم طلب قرض من الخارج إلا في الضرورات ولتمويل المشاريع، لكن بوطالب
يرى أن ذلك "مستحيل مع تآكل الاحتياطات".
ومن وجهة نظره فإن مشكلة
الجزائر "سياسية" تتعلق بغياب الشرعية والاحتقان، وما الاقتصاد إلا عرض للمرض الحقيقي، وهو "منظومة الحكم القديمة التي لم تتغير".
ويستشهد على أن
الجزائر تدار بذات "العقلية القديمة" بقرار الحكومة خفض الإنفاق، مقابل هدر بالنفقات الحكومية أساسه التضخم الوزاري (39 وزيرا)".
وقال: "من أجل التقشف
يجب تخفيف العبء الحكومي"، ونوه إلى مثال آخر وهو "انهيار صندوق التقاعد
المخصص للعمال البسطاء الذين يدفعون اشتراكاتهم من التقاعد، بينما المسؤولون
الكبار لهم صندوق خاص لا أحد يعلم عنه شيئا".
ويضيف: "لا يمكن
بنفس المنظومة القديمة أن يتم معالجة مشاكل الاقتصاد، هذا نظام حكم توفر له
احتياطات كبيرة عند سعر برميل 150 دولارا، لكنه لم يفعل بها شيئا، فما بالك بسعر
يقل إلى ما دون 20 دولارا".
وتابع: "ربما لا
تشعر الفئات المؤيدة للنظام القديم بهذا العبء، إلا بوجود مشاكل اقتصادية تنتج عن تبخر
احتياطيات الصرف، وانكشاف النظام على حقيقته بكل إفلاسه عبر تراكم السنوات".
تقليص بمواجهة انهيار النفط
من جانبه، يرى الباحث الجزائري عبد الرحمن بن عمار أن "مواجهة وباء كورونا أثرت في الحكومة، لكن ليس بمستوى الدول الصناعية، فيما تركز تأثيرها على الأفراد والشركات، لكن تأثير انخفاض أسعار النفط هو ما أثر بشكل أكبر على الدولة".
وفي حديثه
لـ"عربي21" يشير إلى أن نزول إيرادات النفط عند 20 مليار دولار، يقود لعجز تجاري بنحو
80 بالمئة، والذي بلغ العام الماضي 686.5 مليون دولار، ويتوقع أن يتجاوز 1.23 مليار
دولار هذا العام.
اقرأ أيضا: دستور جديد للجزائر جاهز للمناقشة.. ما أبرز مواده المثيرة؟
ومن وجهة نظره، فإن قرار تقليص الحكومة للنفقات "أمر إيجابي، يدل على تحملها المسؤولية، خاصة
إذا وجهت هذه النفقات للمجالات الأكثر أهمية".
وفي ذات الوقت أثار القرار تساؤلا، بحسب ابن عمار الذي قال: "هذا التخفيض
الكبير (50 بالمئة) هل يدل على وجود نفقات بالموازنة الجزائرية غير ضرورية، يسرق
بها المال العام..".
ومن جهة أخرى "هناك
قرارات حكومية متناقضة، ففي حين تخفض النفقات لكن يتم في ذات الوقت تأسيس وزارات
منتدبة (في إشارة إلى التضخم بالجهاز الحكومي)، ما سيخلق نفقات جديدة، ويدل على أن
القرار هو عمل غير مدروس".
ولمواجهة هذه التحديات، يرى ابن عمار أن على الحكومة التخفيف من الاعتماد على النفط بهذا الشكل المفرط، ومحاولة خلق توازن مع باقي القطاع الإنتاجية بتنويع اعتماد الاقتصاد على التصنيع والزارعة وغيرها".
ويشير إلى أن الاقتصاد الجزائري يعاني من "البيروقراطية الحكومية" التي تؤثر على تنشيط حركة الاستيراد والتصدير،
وتحد من إقبال رأس المال الأجنبي على الاستثمار في الجزائر، إضافة إلى القانون
الذي يمنع امتلاك المستثمرين لأكثر من 49 بالمئة لأي مشروع، وتعرض القوانين للتعديلات بصورة متكررة، كل ذلك يجعل البلاد طاردة للاستثمار".
ويؤكد على أن استمرار انخفاض أسعار النفط "يقود لأزمة اقتصادية خانقة تولد أزمات اجتماعية على غرار تفجر الشارع سابقا، وربما أزمة كورونا هي التي تسببت في تخفيف الاحتجاجات".
هذه خسائر العراق من انخفاض أسعار النفط خلال 4 أشهر
"لوموند": "الانهيار المالي" دفع دبي لتعجيل فتح مراكز التسوق
قرار عودة الأنشطة التجارية يثير الجدل بالجزائر.. ما دوافعه؟