قضايا وآراء

كآبة الوباء مع عنصرية لن تنقشع

1300x600
في كل دورة تاريخية يعاني فيها الإنسان من مصائب، يبحث عن أسهل الطرق للإجابة على انتكاساته في الحروب والكوارث الطبيعية وانتشار الأوبئة، إلى الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، لكن الانتكاسة التي تكون أجوبتها سهلة، سهولة التلفظ بعبارات عنصرية تحط من قيمة الذات والآخر، وعلى لسان مثقفين ونخب وفنانين وسياسيين يجيدون لغة فريدمان وبابيس، وترامب وعوباديا يوسف وماري لوبان، لن تكون ابداً إجابة بقدر ما تكون هروبا وارتداداً على مطلقيها ومريديهم، حيث ينشرون الفكر الذي يحط من قيمة وتاريخ مئات الملايين.

لا يمكن البحث عن مخارج من الانتكاسات العربية بالقطيعة التي يدعو لها البعض؛ تارةً مع العروبة لمصلحة القبيلة والمذهب والتخلف الذي يغرقنا في مجاهل تغريب العقل، وتارةً أخرى مع الإسلام أو الإنسانية بشكل عام لتحل محلها اتهامات سطحية دون سند أو دليل..

كشفت جائحة الفيروس التاجي كورنا وقبلها الثورات العربية؛ فعلياً عن تلك الأخلاقيات، التي أخذت تخطو بقفزات متعالية عن الواقع، وفضحت "الأفكار" المذهبية والعنصرية المختبئة خلف شعارات ودعوات سخيفة المعنى والإشارة، وقدمت التصاقها بهموم السلطة الفاشلة والمستبدة، ونشطت مكونات إعلامية وفنية وسياسية ونخبوية شامخة في خيالها الاجتماعي الاستعلائي بتفعيل هذه المكونات، من خلال الأداء المتبلور في لفظ الشعارات العنصرية ضد اللاجئين السوريين، مثلما ذاق قبلهم من الفلسطينيين جرعات دافقة. وبات الهذيان والهلوسة المتناقضة متلازمان لتصريف المأزق التاريخي للأنظمة والمجتمعات على حد سواء؛ يمر من بوابة التخلص من الآخر المشارك له في استنشاق هواء الجغرافيا.

في وسائل الطاغية والمستبد الأثر فظيع بقتل وتشريد الملايين وفق القراءة العنصرية والمذهبية والطائفية، لمحاولة الخوض في استبدال أدوات الفجيعة، لإجهاض الاحلام العربية والفلسطينية بفعل التمثل المستمر للاستبداد والاحتلال، ومحاولة تلوين بسطاره كي تمنح الإنسان موتا أكثر حناناً ضمن صياغة مفتوحة على الإذعان المستمر، ونشر "أخلاقيات" الاستلاب والتبعية والدونية والتغريب والعدمية الأخلاقية، هذا بالإضافة الى طغيان أخلاقيات السمسرة السياسية والثقافية.

بداية صغيرة وشرخ كبير لجدار الخوف والاستلاب الفاشل للمجتمعات، بعد تغير القراءات والحسابات، تلك المساحيق الشعاراتية عن التاريخ ولحظاته في هذه المنطقة، وبالرغم من الكثير من المعاناة الواضحة على مستويات وصعد مختلفة لا تستسيغ كل هذه الازدواجية التي تمارسها "النخب الملفقة" لأدبها المتعلق بالإنسان، مهما اجتر من اللحظة التاريخية الملطخة بفظاعات وكوارث لن يفيد تجميلها الاستعارة من اللغة، ومهما تفوهت من دناءة التعبير وتأجير العقل.

ويكفي أن صراعاً يدور اليوم حول المفاهيم الأخلاقية، وتلك المرتبطة مباشرة بمآسي الإنسان العربي، وعلى وجه الخصوص من أولئك الذين يريدون استخدام التعابير العنصرية بعد استخدام وسائلها وطرقها من الأنظمة السلطوية، ليصبح كل شيء مبرراً بمنطق المنفعة المرتبط بالنتائج العملية بغض النظر عن الأخلاق.

وربما لو سألنا عن الثورات، كتحول تاريخي فقط أربك نخب المجتمعات العربية في إجابتها المستقبلية وتلاشت المعرفة لديها، فإنك أمام "نخب" مبتورة التاريخ قاصرة عن إدراك معركة حياة الإنسان وحقه بالحرية والكرامة والطبابة والاستشفاء، على اعتبار أن الهتاف الجماعي ضد عدو يتوغل في عدوانه ومؤامراته لا يترك مجالاً لإجابة مطلوبة من "نخب" تطل من ثقوب الحالة العربية، مرتجفة ومتوجسة من واقع كسر أبراجها "العاجية" بمزيد من الشرخ، مع واقع محاصر بعسف داخلي وخارجي متزايد، فجعل دورها فرعيالا جوهريا، كما قدمت نفسها في جملة الثورات العربية وأمام خطر انتشار الوباء مع معظم التحديات المختلفة.

وإذا كانت تجربة الثورات العربية أولاً، وجائحة الفيروس ثانياً، تُظهر بعض من ثقافة تعاني ما تعانيه من شوائب وتطرف وعنصرية في صور تدعو للشفقة، فلا يكون الحل بمساهمة بعض العقول والأقلام المغربة بحمل المعاول وتسوية الثقافة العربية بالأرض، ليكون لدينا إنسان عار مُنتَج على طريقة سينمائية هزلية غربية تصور على الأرض العربية، مع استعارة مفاهيم عن التطرف والعنصرية بتقاليد منحطة لا تمت بصلة للإنسان والإنسانية في زمن الكوارث والحروب والأوبئة..

قاموس الإفلاس للتضحية بالمواطن العربي مقابل كرسي الحكم، واستحضار عبارات وجوب موت جزء من المجتمع حتى يصح بقيته الممثل بالطاغية؛ يناقض التوجه الإنساني الذي يتفاعل مع أزمات البشرية وقضاياها ويزيدها تعقيداً، ويبقي كآبة الوباء مع عنصرية لن تنقشع بسهولة.