كتاب عربي 21

اللاجئون بين تركيا وأوروبا

1300x600
فتحت تركيا حدودها أمام اللاجئين الراغبين في الهجرة إلى الدول الأوروبية، وبدأ عدد كبير منهم يتدفقون من جميع أنحاء البلاد إلى محافظة أدرنة الحدودية والمناطق الساحلية للعبور برا وبحرا إلى الأراضي اليونانية، ما أثار قلقا في أثينا والعواصم الأوروبية الأخرى.

تركيا منذ انطلاق الثورة في سوريا فتحت أبوابها أمام النازحين الهاربين من الاشتباكات وقصف قوات النظام بالقنابل والبراميل المتفجرة، وحتى الأسلحة الكيماوية. وهي اليوم تستضيف حوالي أربعة ملايين من اللاجئين السوريين في جميع أنحاء البلاد. ومنذ اللحظة الأولى، هبت الحكومة التركية بكل مؤسساتها لتوفير احتياجات اللاجئين، وأنشأت لهم مخيمات يشار إليها بالبنان، كما أنها استنفرت منظمات المجتمع المدني التركية لتقديم المساعدات الإنسانية المختلفة إلى اللاجئين.

الاتحاد الأوروبي الذي اهتز بموجة اللاجئين وقَّع مع أنقرة اتفاقية تشدد تركيا بموجبها مراقبة حدودها وسواحلها لتحول دون نزوح اللاجئين نحو أوروبا، في مقابل إسهام الاتحاد الأوروبي في مساعدة اللاجئين. إلا أن الدول الأوروبية تقاعست في الوفاء بوعودها، على الرغم من التزام تركيا ببنود الاتفاقية المبرمة.

الحكومة التركية دفعت أيضا ثمنا سياسيا بعد قرار فتح الحدود ودخول هذا العدد الكبير من النازحين إلى الأراضي التركية واستضافتهم في كافة مدن البلاد، في ظل الحملات التي شنتها المعارضة ووسائل الإعلام الموالية للنظام السوري وروسيا وإيران، لإثارة الكراهية والمشاعر العنصرية وتحريض الشارع التركي ضد اللاجئين وسياسات الحكومة المتعلقة بالملف السوري لأغراض انتخابية أحيانا، ولدوافع طائفية أو أيديولوجية أحيانا أخرى.

إلا أن لب المشكلة في ملف اللاجئين ليس هذا أو ذاك، لأن تركيا تستطيع أن تتحمل أعباء اللاجئين، كما أن الحكومة مستعدة لدفع ثمن سياسي في مقابل موقفها الإنساني المشرف. بل إن المشكلة الكبرى والخطيرة هي خطة التطهير العرقي في مناطق شمال سوريا، وإفراغ تلك المناطق من سكانها. ولإفشال هذه الخطة، تسعى تركيا إلى إقامة مناطق آمنة شمال سوريا ليبقى سكانها في مدنهم وقراهم، كما تحاول أن تحمي محافظة إدلب كي لا تسيطر عليها قوات النظام والمليشيات الموالية لإيران بدعم القوات الروسية، لأن سيطرة النظام على المحافظة سيؤدي حتما إلى نزوح ملايين أخرى نحو الأراضي التركية وسيسهم في تطبيق خطة التغيير الديموغرافي.

تركيا تواجه في إدلب الدب الروسي الذي يدفع قوات النظام السوري باتجاه السيطرة على المحافظة، ويشارك بطيرانه في قصف القرى والمدن. وما تريده أنقرة من الاتحاد الأوروبي بالدرجة الأولى ليس إرسال مساعدات مالية وإنسانية إلى اللاجئين، بل المشاركة الفعالة في مواجهة موسكو كي يتخلى بوتين عن رغبته في تدمير محافظة إدلب وإحراقها.

الاتحاد الأوروبي حتى الآن لم يحرك ساكنا من أجل حماية إدلب وسكانها. بل ظل متفرجا على المجازر والمآسي الإنسانية التي تشهدها المحافظة، وكان (وما زال) كل همه أن لا تصل إلى الدول الأوروبية أي موجة جديدة من اللاجئين. ومن خلال فتح الحدود، قالت تركيا له إن الحل الأمثل للمشكلة هو بقاء السكان في مدنهم وقراهم وحمايتهم في بلادهم، وأن تتحمل الدول الأوروبية مسؤوليتها في ملف إدلب، فتتحرك ضد الدب الروسي كي يكف عن قصف القرى والمدن.

فتح الحدود وتدفق اللاجئين نحو الأراضي اليونانية وضع الاتحاد الأوروبي أمام خيارين لا ثالث لهما، وهما: إما تحمل مسؤوليته في كبح جماح روسيا في سوريا، وإما تعرضه لموجات جديدة من النزوح تحمل إلى أراضيه مئات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين، من السوريين والأفغان والباكستانيين والأفارقة، وغيرهم ممن يحلمون بالعيش في إحدى الدول الأوروبية.

تركيا لا تجبر أحدا من اللاجئين على مغادرة أراضيها، بل كل ما فعلته هو السماح لأي لاجئ يرغب في الهجرة إلى أوروبا، بالخروج من البلاد، ومن يفضل منهم البقاء في تركيا لا يتعرض لأي نوع من المضايقة لإجباره على المغادرة والانضمام إلى قوافل النازحين نحو اليونان.

فتح الحدود فضح المعارضة التركية التي كانت تحرض الشارع التركي ضد اللاجئين السوريين، وتطالب بطردهم من البلاد؛ لأنها لم تستطع أن تخفي انزعاجها من نزوح عدد كبير من اللاجئين نحو أوروبا، وبدأت تنتقد هذه الخطوة، ليتضح أن ما تريده المعارضة التركية هو طرد اللاجئين السوريين نحو بلادهم وإعادتهم إلى أحضان نظام الأسد السفاح، وليس مجرد خروجهم من البلاد. كما أن فتح الحدود سحب من أيدي السياسيين العنصريين ورقة اللاجئين التي كانوا يستغلونها ضد الحكومة.