كتاب عربي 21

الهَزْلِيَّة "La Farce" السَّودَاء.. في البَيْتِ الأَبْيَض

1300x600

تَحتَ القَسَم تَحوَّلَ أعضاءُ مجلس الشيوخ الأمريكي، الجمهوريون والديمقراطيون، إلى محلَّفين للنظر في قضية عزْل "ترامب" المرفوعة من مجلس النواب.. ورغم القسم بقي كل من أعضاء الحزبين على موقفه" التحزبي"، ولم يتحول أي منهم عن موقفه المسبق عند التصويت إلا الجمهوري "ميت رومني" فوقف مع العزل في تهمة من التهمتين الموجهتين لترامب. وفي مناخ الاتهام والمحاكمة والتبرئة كان واضحاً التوجه العام للأمور. 

 

النهج الأمني الأمريكي

 
أفلا يحق لنا في ضوء هذا، وفي ضوء قضايا ومواقف سابقة كذب فيها رؤساء أمريكيون وشهود تحت القسم، وتحول فيها مسؤولون كبار من متهمين بجنايات وجرائم إلى شهود "ملوك"، عَبْرَ مقايضات في التحقيق والادعاء العام.. فماذا يعني هذا وما معنى "القَسَم" في سلوك ودِين وقيم، وما فائدة ذلك عند من لا يعني له القَسَم شيئاً، ولا تعنيهم سوى مكاسبهم ومناصبهم ومغالباتهم السياسية والتجارية والكيدية؟.!
 
إن هذا يكشف للعالم الخلفية الأخلاقية البائسة لسياسات تعتمد ممارسات إجرامية واستباحات دموية بحق أفراد وجماعات وشعوب ودول، من دون اعتبار أو تأثير للدين والإيمان والعدل والحق والقيم الإنسانية.. وهو نهج تاريخي ثابت في سياسات الإدارات الأمريكية وممارساتها، ونتيجة للخيار "البراغماتي" المُعْتَمَد الذي يعلي شأن المصلحة والنجاح في الفعل على حساب "الأخلاقي والعادل والحقَّاني والديني والإنساني". 

 

هل تنجح هزلية العصر الأمريكو ـ صهيونية وتصبح نهجاً يتسيغه ويسوِّغُه قائلون بسياسة لا علاقة لها بالعدل والأخلاق، سياسة تقتل وتنجح وتربح.. تدمر السلم والأمن، وتنشر الحروب والدمار والإرهاب والرعب والبؤس، وتنهي إنسانية الإنسان؟!


وفي هذا السياق يندرج النهج "السياسي، الأمني، الاقتصادي، الإرهابي، الإجرامي" الأمريكي المشين القائم على القهر والقتل للكسب "ارتكب ما شئت من جرائم في الحرب والسلم، لكن انجح واربح، سيطر واقهر" وبذلك تفوز بالمغانم وتكتب التاريخ، فمن يريق الدماء ويتغلَّب وينشر الرعب، يملك ويحكم ويتحكّم ويعلي ما يشاء من حقائق، ويزور ما يشاء من وثائق وحقائق.. والمقهورون يزحفون ويثغُون.؟!".. 

هذا النهج الأمريكي يستند إلى عنصرية متواشجة عضوياً مع العنصرية الصهيونية وخادمة لها منذ عصر "الآباء المؤسسين" للدولة التي قامت على إبادة الآخر واستعباده، نهج "الغاية تبرر الوسيلة" الذي تفوق على نهج "أمير" نيكولو ميكيافللي، وهو نهج يزري بكل عقيدة ومبدأ وخلق، ويجعل الحربائية محمودة، ووحشية القوة شريعة ومداخل للتعامل مع الآخرين.

وفي هذا السياق المضاد للأخلاق والإنسانية تندرج سياسات واعتداءات وحروب وممارسات وافتراءات أمريكية شنيعة وفظيعة، منذ إبادة السكان الأصليين في أمريكا الشمالية، أي "ما يعرف بإبادة الهنود الحمر وغيرهم"، وهم بعشرات الملايين، إلى العبودية والتمييز العنصري والعزل العنصري، إلى حروبها القذرة التي خاضتها ضد دول وشعوب واستخدامها للقنابل النووية في هيروشيما وناغازاكي والسلاح الكيمياوي "الأورانج" في حربي كوريا وفييتنام، إلى تدمير العراق بوحشية لا نظير لها.. وكل ذلك وما نشهده اليوم من إدارة ترامب ـ نتنياهو العنصرية العدوانية للولايات المتحدة الأمريكية، هو حلقة فاقعة اللون في سلسلة إجرامية ممتدة منذ عقود من الزمن. 

 

عرض هزلي أسود

ففي يوم الأربعاء 5/2/2020 شاهدتُ كما شاهد العالم ما جرى في أثناء إلقاء ترامب لخطاب "حال الاتحاد"، حيث تجلى حمق الرئيس ورد رئيس مجلس النواب "بيلوسي" عليه، فقد مزقت خطابه علناً بعد أن رفض مصافحتها.. وقد أعادني ذلك إلى يوم 28 من شهر كانون ثاني (يناير)2020، يوم المهزلة "الفارس La Farce " السوداء في البيت الأبيض.. يوم أعلن ترامب صفقته لتصفية قضية فلسطين.. 

في ذلك اليوم شاهدنا عرضاً منقولاً على الفضائيات حمل الوجه القبيح لسياسة أمريكية "عنصرية ـ صهيونية" متوحشة.. بطَلاه مهرِّجان يمثلان أمام جمهور "أنجليكاني ويهودي" منتقى ومدرب، مزيَّن بثلاث "شارات عربية"، شكَّل جزءًا عضوياً من العرض الهزلي الأسود، فهو يصفق ويهتف ويعلق ويهلل على نمط عيد المساخر اليهودي "البوريم"، والمهرِّجان الرديئان يمارسان العبث الصبياني بأعدل قضية وبمصير شعب، وبقرارات مجلس الأمن الدولي وهيئة الأمم المتحدة، وبغير ذلك قيم العدالة والحقوق والحَيوات البَشرية. 

وقد بدا المهرّجان،"ترامب ونتنياهو"، أكثر من مضحكين وهما يتبادلان المصافحات والتصفيق وتوجيه التحايا والغمز لجمهورهما، ويوَشْوِش نتنياهو ترامب يلقِّنه ما يقول أو يملي عليه ما يجب أن يقول.. وهما يتباهيان بشطارتهما في التآمر والخداع والترويج لجريمة العصر الهادفة إلى قتل شعب وقضية، واستقطاب من يساعد علي تمزيق الأمة العربية ودفن قضيتها المركزية، قضية فلسطين. 

لقد أدى نتنياهو في الهزلية،" الفارس"، دور "بطل المَهزَلَة" المخادعٌ المدَّعي المغرورٌ الكذاب الصفيق، فكان يتقلب ويتلون وينتفش، ويتجهم ويصفرُّ وجهه حين يتحدث عن "حقوق ومقدسات يهودية في فلسطين، وعن أمن كيانه الإرهابي "إسرائيل" المُهَدَّد؟!" من "إرهاب فلسطيني؟!"، الضحية تهدد الجلاد؟!" الذي تدعمه أكبر دولة في العالم بلا حدود أو قيود، ويشير المهرّج "خطر نووي إيراني" قادم وهو الذي يملك السلاح النووي منذ ستينات القرن العشرين ويهدد العرب والمسلمين به؟!.. وبين كل جملة وأخرى يتلفَّت إلى البلياتشو "ترامب" وينفخه بكلمات وتصفيق ومصافحات فينفش ترامب ريشه ويحمرّ "عُرْفُه" ويختال طاووساً عند كل إطراء وتصفيق وتعليق وتهليل وهو يقطرُ غطرسة وحمقاً وعنصرية. 


لو لم يكن الشخصان الرئيسان في العرض المهزلة محاطين بمظاهر رسمية ويقف لهما حراس بكامل اللباس عند مداخل المكان ومفاصله ومخارجه، لاكتفى المتفرج بالتسلية والضحك والسخرية، ولكنهما شخصان يمثلان عضوياً أكبر قوة عدوان واحتلال وإرهاب وإجرام وخداع وافتراء وتزوير في العالم، قوة تمتلك كل أنواع الأسلحة الفتاكة بما فيها المحرمة دولياً، وتمتلك المال والإعلام، تفسد الضمائر وتزدري الأخلاق والعدل والحقوق، وتستبيح الأرواح، وتبيع وتشتري في أسواق السياسة حكاماً وأتباعا ودولاً تحاصرها وتفقرها حتى الخنوع.

 

هذا النهج الأمريكي يستند إلى عنصرية متواشجة عضوياً مع العنصرية الصهيونية وخادمة لها منذ عصر "الآباء المؤسسين" للدولة التي قامت على إبادة الآخر واستعباده،

  
قوة متوحشة تعيش في الضلال وتمارس الظلم وتقدس الأكاذيب.. تخطط منذ زمن لمذبحة لا مثيل لها، "تنهي تاريخاً بزعمهم وتبدأ تاريخاً" وفق معتقد سقيم ظلامي عقيم، يخططون لـ "هِرْمَجدُّون" كما يقولون، تحيل بلداننا إلى مناقع دم.. وفي تلك المناقع "يزهر لوتسهم"، ويعود "مسيحهم الخاص" على بساط من الجثث والدماء لينَصِّرَ اليهود ثم "يُنَصِّرُ الإنجيليون اليهود" ويحكمون العالم بالدم على اسم "المحبة؟!"، محبّتهم هم ذات المفاهيم العنصرية الدموية الإرهابية؟! فأية "محبة" بائسة مُبئسة دامية ينشدون، وبأية وحشية يحلمون وهم يزوِّرون ويرسمون صورة لرسول المحبة يأنف كل أتباعه الخُلَّص أن يقبلوها، ولا يمكن أن يقبلها بشرٌ سويٌّ فيقرِن عيسى بن مريم بالإبادة والقتل وإراقة الدم والإجرام والجور والظلم.

ويبقى السؤال في عالمنا الذي يغص بتوحش العنصريين والصهاينة والمتصهيني والأقوياء الغاشمين، يبقى السّؤال:
 
هل تنجح هزلية العصر الأمريكو ـ صهيونية وتصبح نهجاً يتسيغه ويسوِّغُه قائلون بسياسة لا علاقة لها بالعدل والأخلاق، سياسة تقتل وتنجح وتربح.. تدمر السلم والأمن، وتنشر الحروب والدمار والإرهاب والرعب والبؤس، وتنهي إنسانية الإنسان؟! 

وهل يكون لشرفاء العالم وأحراره وللمعنيين بقضايا عادلة وبحق الإنسان في الحياة، وبحقوق الشعوب بالحرية والاستقلال وتقرير المصير.. موقف ودور وقدرة على مواجهة العنصرية والصهينة والعدوان والقتل والشر بصوره وأشكاله وألوانه..؟! 

ربما.. وأقول ربما، لأن كثيرين من المعنيين بأعدل قضية، قضية فلسطين، قد فسدوا وأفسدوا ووالوا العنصريين الأشرار، وخربوا مناخ العدل والحرية.. ولأن الأمريكي العنصري المتماهي مع الصهيونية والاحتلال والعدوان، ذا القوة المتوحشة المستثمر في الحرب والقتل والإفساد والإرهاب والإجرام.. يهدد ويتدخل ويبيع ويشتري في بلدان كثيرة منها بلدان عربية وإسلامية معنية بقضية فلسطين، وآخر البراهين على اتساع نفوذه ورقعة شروره والخنوع له برهان "البرهان" في السودان: وإنا لله وإنا إليه راجعون.