مقالات مختارة

بعد الرد الإيراني هل انتهت الأزمة؟

1300x600

أطلقت إيران فجر الأربعاء 8 كانون الثاني/يناير 22 صاروخا بالستيا على قاعدتي حرير في أربيل وعين الأسد في الأنبار، وهما قاعدتان عراقيتان توجد فيهما القوات الأمريكية. ومثلت هذه الضربة الرد الإيراني على اغتيال الولايات المتحدة للجنرال قاسم سليماني قبل أيام، وأشارت جهات إعلامية إيرانية إلى مجموعة رسائل ورموز حملتها الضربة الإيرانية، أولها توقيت الضربة، إذ تمت في التوقت نفسه الذي تمت فيه عملية اغتيال سليماني، كما اختارت إيران مكان التنفيذ ليكون في العراق، أي في بلد عملية الاغتيال نفسه، وتركزت أغلب الصواريخ التي أطلقها الحرس الثوري الإيراني من داخل إيران على قاعدة عين الأسد، التي ادعت التصريحات الإيرانية أنها القاعدة التي انطلقت منها الطائرة الأمريكية المسيرة، التي نفذت عملية اغتيال الجنرال سليماني.


كانت الأيام التي فصلت بين عملية الاغتيال والرد الإيراني، ممتلئة بالتوتر، مما جعل العالم يقف على أطراف أصابعه، نتيجة التهديدات التي أطلقتها جهات إيرانية وجهات إقليمية تابعة لها، مفادها أنهم سيوجهون ضربات للمصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة والعالم، وأنهم سيعيدون جنود الولايات المتحدة إلى وطنهم في توابيت، وكثرت التكهنات حول طبيعة الرد الإيراني ومكانه وتوقيته، وزاد من التوتر العالمي، التصريحات المضادة التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ردا على التهديدات الإيرانية.


إذ غرد الرئيس ترامب موضحا بأن القوات الأمريكية قد حددت 52 هدفا إيرانيا، بعدد رهائن السفارة الأمريكية في طهران في أحداث 1979، وهدد بقوله إن هذه الاهداف ستدمر نهائيا، إذا تعرض أي هدف أمريكي لضربات من إيران أو حلفائها. وقد رأى المراقبون أن تهديد الرئيس الأمريكي لإيران ومن قبلها استهداف قاسم سليماني، يأتيان في سياق منع حوادث مشابهة لأزمة السفارة الأمريكية عام 1979، أو مشابهة لحادث اغتيال السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز في مدينة بنغازي الليبية عام 2012، أو لمنع اقتحام السفارات الأمريكية، وجاء هذا التصعيد بعد مهاجمة جمهور غاضب قريب من مليشيات الحشد الشعبي لحرم السفارة الأمريكية في بغداد قبل أيام.


المراقبون وصفوا الضربة الإيرانية بأنها أوصلت الصراع إلى ‏ما يعرف بـ«مستوى استقرار الأزمة»، واعتبرها البعض ردا إيرانيا ذكيا، إذ كانت خيارات الحكومة الإيرانية صعبة جدا، فهنالك من جهة أولى ضغط الشارع الإيراني الهائج نتيجة فقدان قائد له شعبية واسعة مثل سليماني، ومواجهة المطالب بالانتقام من المصالح الأمريكية المنتشرة في المنطقة، التي تقع في متناول الصواريخ الإيرانية، ومن جهة ثانية على الحكومة الإيرانية ألا تدفع الولايات المتحدة إلى غضب أكبر. فقد جربت الرد الأمريكي الصاعق على مقتل المتعاقد الأمريكي في قاعدة كيوان، وجرح بعض الجنود، إذ جاء الرد الأمريكي عنيفا في قصف معسكرات حزب الله العراقي في القائم، كما جاء الرد الأمريكي على محاولة اقتحام سفارتها في العراق‏ باغتيال الجنرال سليماني عنيفا وغير متوقع، لذا كان لابد من توجيه ضربة لكن بحسابات دقيقة، بحيث لا يذهب نتيجتها أي خسائر بشرية أمريكية، وهذا ما تم.

 

بعض التسريبات تكلمت عن وجود اتفاقات سرية، كان العراق طرفا فيها، أو تطمينات تم تسريبها عبر جهد دبلوماسي قامت به جهات خليجية، طوال الخمسة أيام التي فصلت بين مقتل سليماني وتنفيذ الضربة الإيرانية، لكن كل ذلك لا يعدو كونه تكهنات لا يمكن التأكد من دقتها.

 

لكن يبقى الأمر اللافت الذي أشار إليه بعض المحللين العسكريين، هو أن الصواريخ التي أطلقت على قاعدة حرير في أربيل قد سقطت في مناطق شبه خالية وبعيدة عن أهدافها، كما أنها لم تحدث حتى حفرة في الأرض، وعزوا الأمر إلى أن الصواريخ كانت مفرغة من الشحنة التفجيرية، أي إنها عبارة عن هياكل صواريخ فقط، وقد أطلق بعض المدونين توصيفات ساخرة على هذا الأمر، بتوصيفهم الصواريخ الإيرانية بأنها كانت «صواريخ منزوعة الدسم». اللافت أن طرفي النزاع صرحا بعد الضربة تصريحات مطمئنة، إذ عبّر الجانب الإيراني عن كونه قد أنجز مهمة الرد، وتم توجيه صفعة للولايات المتحدة الأمريكية، ومن طرفه الجانب الأمريكي ذكر أنه ليست هنالك خسائر بشرية في الجانب الأمريكي، ولا في الجانب العراقي، ما يعني أن ليس هنالك داع لمزيد من التصعيد. لكن هل يعني ذلك أن التصعيد قد انتهى عند هذا الحد؟


اشتغلت الماكنة الإعلامية للفصائل العراقية الموالية لإيران، وكرست كل جهدها لتسويق الرواية الإيرانية للحدث، وبالغت فيها، إذ ذكرت أن الضربة الإيرانية قد دمرت أجزاء مهمة من مدارج الطيارات في قاعدة عين الأسد، ما أخرج القاعدة من العمل وجعلها لا تصلح إلا لهبوط المروحيات، وأن العملية قد كلفت الأمريكيين خسائر بشرية تجاوزت المئات بين قتيل وجريح. وقد اعتمد الكثير من القنوات الفضائية ومواقع الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي الموالية لإيران على تغريدة الصحفي الإسرائيلي جاك خوري، التي أطلقها على حسابه في تويتر، والتي ذكر فيها أن طائرة عسكرية أمريكية نقلت إلى تل أبيب، 224 عسكريا أصيبوا في هجوم إيران الصاروخي على قاعدة عين الأسد.

 

كما نقل خوري في تغريدته عن مدير مستشفى قوله: «اليوم ظهرا، بناء على نوايا حسنة، استقبلنا 224 من الجرحى الأمريكيين الذين أصيبوا في هجوم إيران الصاروخي على قاعدة عين الأسد». لكن المفارقة ظهرت بعد يوم واحد، إذ تبين أن التغريدة المعتمدة كان مصدرها حساب وهمي لا يعود للصحفي الإسرائيلي جاكي خوري، الذي نشر من حسابه الأصلي تغريدة أشار فيها إلى أن هنالك حسابا وهميا يقوم بنشر الأخبار المزيفة، ومنها التغريدة المنتشرة حول الجرحى الأمريكيين، وقامت بعدها شركة تويتر بإغلاق الحساب الوهمي فقط.


تحركات فصائل المقاومة الإسلامية في العراق المدعومة إيرانيا بقيت مستمرة، وقد أطلق العديد من قادتها تهديدات بضرب المصالح والوجود الأمريكي في العراق والمنطقة، انتقاما لاغتيال نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، كما جاءت تهديدات السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني من بيروت، متناغمة مع حملة التهديد التي أطلقتها أذرع إيران الإقليمية، فقد صرح نصر الله في مجلس تأبين الجنرال سليماني وأبو مهدي المهندس تهديدات، مفادها أن الجنود الأمريكيين سيعودون إلى وطنهم في صناديق، ردا على اغتيال قادة المقاومة، كما تسربت مؤخرا بعض الأخبار حول تنسيق جهود فصائل المقاومة الإسلامية العراقية وحزب الله، وقد تم الأمر خلال الاجتماع الذي عقد في منزل نصر الله في بيروت، الذي حضره عدد من ممثلي وقيادات الفصائل العراقية.


لكن، يبقى اللافت في الأمر أن الضربات الصاروخية وإطلاق قذائف الكاتيوشا بقي مستمرا في الأيام اللاحقة للرد الإيراني، فقد تساقطت على المنطقة الخضراء في محيط السفارة الأمريكية أو بعض المعسكرات التي يوجد فيها عسكريون امريكيون، مثل قاعدة التاجي، إلا أن كل الضربات لم تحدث خسائر مادية تذكر، كما أنها لم توقع خسائر بشرية، على الرغم من سقوط قذيفة على أحد المنازل العراقية قرب المنطقة الخضراء، ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن هذه الضربات، كما تبرأ من تنفيذ هذه العمليات الفصيلان الأكثر اتهاما بمثل هذه الأعمال، وهما: عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله العراقي، إذ نفى الفصيلان أي علاقة لهما بالضربات الأخيرة. ورغم الصوت العالي في التعبير عن رفضه لما حدث من تجاوزات أمريكية، وعلى الرغم من حملة شتائمه الكثيرة التي أطلقها السيد مقتدى الصدر تجاه الرئيس ترامب، وعلى الرغم من إطلاقه مشروعه الذي سماه «أفواج المقاومة الدولية»، إلا أنه ربط كل ذلك بضرورة الانضباط وانتظار ما ستسفر عنه الجهود السياسية في حل الأزمة. لذلك؛ أصبحنا الآن أمام أزمة وصلت إلى حالة مستقرة، وباتت العودة لتحريك الوضع العراقي هي الأولوية، وقد خرجت التظاهرات المليونية يوم الجمعة 10 تشرين الأول/يناير في ساحات الاحتجاج في بغداد ومدن الجنوب، مستعيدة الزخم الهائل لانتفاضة تشرين التي حاولت أحداث الصراع الإيراني الأمريكي سرقة ضوء الاهتمام منها. وكان شعار المتظاهرين في مليونية استعادة زخم الانتفاضة بمناسبة مرور مئة يوم على انطلاق الانتفاضة معبرا بالتركيز على هذا الأمر، وجاء شعار «أنعل أبو إيران لأبو أمريكا ذيل .. لوگي»، ليشعل حدة المواجهة من جديد بين المنتفضين وأحزاب السلطة.

 

(القدس العربي اللندنية)