كتاب عربي 21

التطبيع إعجابا بـ"العيون العسلية": يا عسل انت يا عسل!

1300x600
كان الرجل، على استقامته السياسية، يعاني ارتباكاً وتشويشاً في أيامه الأخيرة، عندما التقيت به، وهالني أنه صار من دعاة التطبيع، إلى درجة دعوتي للمشاركة في تأسيس جمعية يعمل على تشكيلها من بند واحد، هو الدعوة للتطبيع مع إسرائيل!

ولم يكن هذا الرجل سوى المحامي، والبرلماني، وأحد الضباط الأحرار أبو الفضل الجيزاوي. وكنت مذهولاً أن ينتهي به المطاف إلى هذا الحد، لكننا كنا في مرحلة زعزعة اليقين في عهد مبارك في جميع الثوابت الوطنية. فمبارك بسياساته ولا مبالاته، قد ميّع الحياة السياسية، ودخلت منظمة التحرير في خطها الجديد، فميّعت النظرة من إسرائيل، وصار عدد من الذين بنوا شهرتهم على موقفهم المعادي لإسرائيل؛ من دعاة التطبيع معها.. "لطفي الخولي" نموذجاً، والذي كان قبل سنوات قليلة قد اصطحب عددا من الشباب والأطفال للتظاهر ضد إسرائيل على الحدود، وهو ما رآه وزير الداخلية اللواء زكي بدر طيشاً لا يجوز، إلا وفق حسابات الخولي، وعند أول مقابلة له معه في "حفل استقبال" خاص بإحدى السفارات، وقف يعاتبه بأنه بتصرفه هذا كان يمكن أن يتسبب للدولة المصرية بمشكلة، فماذا لو تهور جندي إسرائيلي وأطلق النار عليهم؟ عندئذ لا يجوز لمصر أن تصمت على ذلك، فهل كنت تستهدف قيام حرب يا لطفي؟!

وكان الوزير معروفاً بالبذاءة، فأخذ يشتمه ويتهمه بالعمالة لمنظمة التحرير، وأنه يفعل هذا نظير ما يتقاضاه من ياسر عرفات، وأن حساباته السياسية كلها ليست مصرية، ولا تنطلق من عقيدة، ولكن من أجل التمويل الذي يأتيه من عرفات. وكان لطفي الخولي بين كل مقطع للوزير، يكرر الشكر.. شكرا. شكراً معالي الوزير. وهكذا!

الناشط السعودي إياه:

لكن بعد سنوات قليلة من هذا الموقف، تحول لطفي الخولي كلية، انطلاقاً من قاعدة أن القضية الفلسطينية تخص أهلها، ولأنه تقرر أن تكون منظمة التحرير هي المتحدث الرسمي والوحيد باسم القضية، وها هي قررت الدخول في السلام، فليس لنا أن نكون ملكيين أكثر من الملك، ومن هنا انخرط لطفي الخولي في التطبيع، بذات الحماس الذي انخرط فيه في الممانعة!

ولم يكن لأبي الفضل الجيزاوي ارتباطات بياسر عرفات كما لطفي الخولي، لكن كنا في مرحلة اهتزاز اليقين الوطني، فتحمس لفكرة التطبيع مع إسرائيل، لدرجة أن تحول إلى داعية يمارس التبشير بها، وهو من كان من المعارضين بقسوة للرئيس السادات بسبب كامب ديفيد، وما أنتجته من آثار.

وعندما "غلب حماره" معي، قرر أن يدغدغ مشاعري الجياشة، بأنه إذا حدث التطبيع وتمت إقامة علاقات طبيعية مع الإسرائيليين، فسوف تأتي الإسرائيليات، بكل ما يحملنه من وَلَهٍ لجنابي، فهن يعشقن هذه البشرة السمراء!

وهي لغة ذكرني بها الناشط السعودي إياه، الذي تحدث لنتنياهو عبر الهاتف النقال، وأكد إعجابه به، دون أن يقول سببا سياسياً يغذي هذا الإعجاب، حتى بدا من فرطه يكاد يقفز من الشاشة ويطبع قبلتين على وجنتيه. فالفتى في حالة عشق، لهذا لم يتكلم في السياسة!

من المؤكد أن أبو الفضل الجيزاوي كان يلطف من حدة النقاش عندما استدعى موضوع "وله العذارى" في إسرائيل بأصحاب البشرة السمراء، على نحو قد يرتفع بي إلى أن أكون "مقطّع قلوب العذارى"، فدعاة التطبيع ينطلقون دائماً من موقف سياسي، قد يهبط إلى مستوى الركاكة بالحديث التافه الذي كان يروج له إعلام السادات ولا يزال الترويج له حتى الآن، عن الفلسطينيين الذين باعوا أرضهم، وعن مصر التي خسرت كثيرا بسبب انحيازها للقضية الفلسطينية، وقد يرتفع الأمر إلى مستوى آخر، وهو ضرورة السلام، فلا أحد يحارب مدى الحياة!

وعندما قرر المسرحي علي سالم الانتحار وسافر إلى الأرض المحتلة، جلب على نفسه اللعنات، لكنه أيضاً كان ينطلق من قاعدة سياسية، مفادها ضرورة الانتقال من ساحة "اعرف عدوك"، إلى ميدان "اعرف جارك"، وأنه كمثقف عليه أن يشارك في عملية صنع السلام!

وقد مات ولم ير السلام ولم يشارك في صنعه، فالحداية لا تحدف كتاكيت، ومغتصبو الأرض لا يمكن أن يتحولوا إلى أصحاب وجهة نظر!

"المغرم صبابة"

لكن عندما انتقل الأمر إلى حدثاء الأسنان، صار التطبيع كما لو كان قضية "عاطفية"، تحتاج إلى لقاء يطفئ لهيب العاطفة، بأن ينظر المحب متأملاً في "العيون العسلية" لـ"نتنياهو"!

فماذا في المذكور رئيس وزراء إسرائيل، يدعو لهذا الوله من السعودي "المغرم صبابة"، وهو (نتنياهو) من لم يمكنه الإسرائيليون أنفسهم من الفوز المريح في الانتخابات ليشكل الحكومة، وهو ما كان سبباً في إعادتها للمرة الثالثة، ليستغل من داخل غرفة العمليات للجولة الأخيرة هذا الاتصال الهاتفي من أحد العرب لتعزيز موقفه الانتخابي؟!

فلا مبرر سياسيا وراء هذه الاندفاع، غير أنه الفتى السعودي يحب نتنياهو، الذي هو الخيار الأسوأ لعملية السلام. وعندما تحدثت في السابق مع علي سالم إن كان لا يزال على موقفه إزاء سياسات نتنياهو، قال إنه لم يعد متحمسا لشيء، وأنه يعتبر فترة توليه الحكم مرحلة إجازة لقضية السلام!

بيد أن الناشط السعودي "المتيم"، انتقل بقضية التطبيع إلى آفاق أخرى وفق قواعد العشق التي تبدأ بنظرة فابتسامة، ثم يترك للعواطف الجياشة أن تأخذ مجراها، لتقع الفأس بعد ذلك في الرأس!

ويبدو أننا في مواجهة تدشين نظرية جديدة في العلاقات الدولية حقوق الملكية فيها للمملكة العربية السعودية، دفعت ترمب إلى اصطحاب زوجته في زيارته للمملكة، وهي "على سنجة عشرة"، وكريمته لم تكن بحاجة لبذل الجهد لتبدو جميلة فهى جذابة ولافتة، وكأنه في زيارة لـ"أخوال الأولاد". وكان الهدف تحقيق الغواية الكاملة.

لا يمكن اعتبار تصرف الناشط السعودي تم من تلقاء نفسه، في بلد لا يسمح فيها للناموس بأن يفتح فمه!

إنه فصل جديد في منهج العلاقات الدولية يقوم على الحب، والعشق، والوله، ليكون الجديد هو التطبيع بالحب العذري!

"يا عسل انت يا عسل"!