أخبار ثقافية

صالح علماني: أن تفتح قارة أدبية بأكملها

كانت هناك رسالة حضارية في تركيز صالح علماني على أدب أمريكا اللاتينية- تويتر

هل يمكن أن نتصوّر اليوم ثقافة لا تحتوي لغتها على أعمال أحد أبرز كتّاب القرن العشرين على الإطلاق، غابرييل غارسيا ماركيز.

 

لولا صالح علماني الذي رحل قبل أمس لكان الأمر ممكن الاحتمال بالنسبة للثقافة العربية، فهو الذي حمل على عاتقه نقل أدب صاحب "مئة عام من العزلة" على ضخامة مدوّنته وخصوصيات صنعته السردية.

لكن صالح علماني لم يقتصر على ترجمة أعمال ماركيز من اللغة الإسبانية، بل نقل أدب هذه المنطقة - ولنقل ثقافتها - إلى القارئ العربي.

 

وكأن علماني أبى أن تكون رواية شهيرة مثل "الحب في زمن الكوليرا" شجرة تخفي الغابة التي تنتمي إليها، لذلك بدا حريصا على نقل الغابة في كثافتها.

لقد انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي صور أكداس من الكتب التي ترجمها صالح علماني (قرابة مئة)، لتبيّن منجز الرجل الذي امتدّ على أربعة عقود من المثابرة والالتزام، فمعه كنا نكتشف إداوردو عاليانو، وإيزابيل أليندي، وخورخي لويس بورخيس، وماريو فارغاس يوسا، وماريو بيندتّي وغيرهم كثير.

 

كان كل واحد من هؤلاء مثل مربع في لوحة فسيفساء كبيرة تمثل مشهد الأدب اللاتيني-أميركي في حيويّته وثرائه على مستوى الصنعة الأدبية والمضامين المتنوعة من السياسة إلى الحب، ومن التاريخ إلى الفلسفة.


اقرأ أيضا :  المترجم الذي أهدى لنا سحر أمريكا اللاتينية.. صالح علماني


لم يكن أدب أميركا اللاتينية أدباً مثل باقي آداب العالم، إنه أدب يشبهنا كقرّاء عرب. أدب أمم هي الأخرى بعيدة من المركز الأوروبي، ولها خصوصية أنها امتلكت لغة من لغات ذلك المركز فصارت هي الأصل فيما صار المركز هامشاً.

 

إذن، كانت هناك رسالة حضارية في تركيز صالح علماني على أدب أمريكا اللاتينية، رسالة الشعوب التي تشبهنا، الشعوب التي تريد كسر التبعية والهيمنة والغطرسة الغربية. شعوب تتجاوز عثرة القرون التي أهينت فيها إرادتها واستطاعت أن تسترجع صوتها بشكل من الأشكال.

من خلال ما أنجزه صالح علماني مع ثقافة أمريكا اللاتينية أتاح لنا أن يكون القارئ العربي محيّنا مع هذه المنطقة من العالم، على الأقل يعرف أسماءها الكبرى والسياقات الثقافية التي تتلاطم فيها.

 

أي ثقافة أخرى غير مركزية لنا هذا الارتباط الثقافي بها؟ ماذا نعرف عن الأدب الأفريقي اليوم؟ وماذا عن أدب شرق آسيا؟ لولا الأضواء التي تلقيها بعض الجوائز العالمية من حين إلى آخر على بعض كتّاب الصين والهند واليابان وروسيا، ماذا نقرأ من تلك الساحات الثقافية؟ 


لنقارن بين معرفتنا كقراء عرب بالأدب المكتوب بالإسبانية في القرن العشرين وباقي آداب اللغات الأخرى. ألم يقف تلامسنا مع الأدب الفرنسي مثلا مع أسماء الستينيات والسبعينيات.

 

يبدو إلى اليوم لا يزال ألبير كامو وجان بول سارتر ومارسيل بروست أشهر من نعرف من كتّاب فرنسا، وكأن الأدب الفرنسي توقّف هناك. وماذا عن الأدب في ألمانيا، وفي إيطاليا أو إنجلترا اليوم؟

هذه الأسئلة، وإجاباتها المعروفة، هي التي تسمح لنا بفهم الإضافة التي قدّمها صالح علماني للثقافة العربية.