أفكَار

"الشتات" الإخواني الجزائري.. في قلب معركة الرئاسة

المرشح الإسلامي الوحيد للانتخابات الرئاسية في الجزائر ليس محل إجماع من الإسلاميين (أنترنت)

يجد التيار الإخواني الجزائري نفسه اليوم، بأحزابه وحركاته المتعددة، في حالة من التيه والتشتت غير المسبوقين، خاصة في ما يتعلق بموعد الانتخابات الرئاسية المقررة في 12 كانون أول (ديسمبر) المقبل، والتي لم تقسم فقط الشارع الجزائري، بين مؤيد ورافض لها، ومعها الطبقة السياسية والحراك الشعبي برمته، وإنما قسمت حتى تيار "الاخوان المسلمين" الواسع في الجزائر، على الرغم من استناده إلى فكر واحد، وفلسفة واحدة في العموم.

 



ومرد هذه الحالة من "عدم التيقن" في اتخاذ المواقف اتجاه القضايا المهمة التي تعرفها البلاد، هو الوضع السياسي "الضبابي جدا" والملتبس على أطياف واسعة من الشعب، بين من يرى في القبول بالحل الدستوري وخارطة الطريق التي يطرحها الجيش، التي منها هذه الانتخابات الرئاسية الموعودة، هو الحل الوحيد لإخراج البلاد من أزمتها، وإنقاذ الجزائر من مخاطر كبيرة تتهدد وحدتها وأمنها، وبين من يرى أن القبول بهذه الخارطة وبهذه الانتخابات في ظل وجود بقايا من وجوه النظام السابق، في سدة الحكم، هو إعادة ورسكلة للنظام القديم، ومن ثم الالتفاف على المطالب الشعبية في تحقيق التغيير الجذري.

ويظهر حجم التنوع في مواقف الحركات التي تنتمي بشكل أو بآخر لتيار "الإخوان المسلمين"، من خلال المسميات والهياكل العديدة التي تشكلت بفعل الصراعات الداخلية، حيث تبرز على السطح حركة مجتمع السلم "حمس"، أكبر حركة من حيث الانتشار، بقيادة الدكتور عبد الرزاق مقري، وحركة البناء الوطني، بقيادة المرشح الحالي للرئاسة عبد القادر بن قرينة، وهي منشقة عن حركة "حمس"، تماما مثل حزب أمل الجزائر "تاج" بقيادة الوزير المسجون عمار غول، وجبهة العدالة والتنمية بقيادة الشيخ جاب الله، المنشقة عن حركة النهضة الجزائرية، وكذا حركة الإصلاح. 

هذا التنوع في المسميات والتشكيلات، ساهم في بلورة هذا الارتباك الحاصل في كيفية التعامل مع المتغيرات، وعلى رأسها قضية الحراك وموضوع انتخابات الرئاسة، إلى جانب عدم وضوح الرؤية ضمن مسار جزائري تتحكم فيه محددات عديدة، وتمتلك من الخصوصية والتعقيد ما لا يمكن مقارنته مع أي وضع آخر في العالم.

غير أن ذلك لا يسقط مسؤولية هذه الحركات "الإخوانية" في العمل على الأقل على توحيد المواقف التي تبدو أحيانا متناقضة، وهو ما يفسر في حدود معينة، وجود صراع زعامات تاريخي، مثله مثل ما يحصل داخل التيار الإسلامي الأوسع نفسه، علاوة على تأثيرات المنظومة الأمنية السابقة في صناعة الخارطة السياسية الجزائرية وتشكيلها، وفق رؤية تفتيتية خبيثة، شكلت صورتها السوداء مثلا، الانقلابات الكثيرة التي عرفتها حركة النهضة الجزائرية، منذ نشأتها على يد مؤسسها الأول الشيخ عبد الله جاب الله، وما انجر عن ذلك من عمليات تشظٍّ مفتعلة، أدت إلى تفريخ حركات موازية، لا تميزها البرامج السياسية بقدر ما يمثلها الزعامة والجهة الأمنية الداعمة لها.

لكن الغريب، أنه مع هذا التشتت غير المسبوق، يحتل تيار الإخوان المسلمين بأطيافه المختلفة، مكانته بين القوى السياسية الأخرى، بل إنه التيار الوحيد الذي يمتلك ممثلا بين المرشحين "الخمسة"، وهو عبد القادر بن قرينة، رئيس حركة البناء، من خارج المنظومة القديمة التي ينتمي إليها أربعة من المرشحين للرئاسة (من مدرسة التيار الوطني).

جناح في قلب المعركة الانتخابية

في محاولة رصد المشهد الإخواني الجزائري، في كيفية التعاطي مع الموعد "الرئاسي" المقبل، نجد أن هنالك صورا بكل أشكال الطيف، من المشاركة إلى التدعيم، إلى عدم الترشح، إلى الصمت واللاموقف.

اما الجناح الذي قرر أن يدخل المعركة مبكرا، فتمثله حركة البناء الوطني، التي قدمت قائدها، عبد القادر ين قرينة، للترشح لمنصب الرئاسة، وقد تمكنت بفضل قاعدتها المنتشرة في مختلف الولايات، أن تنجح في الامتحان الأول، المتعلق بجمع التوقيعات المطلوبة لقبول ملف الترشح، حيث يشترط قانون الانتخابات الحصول على 50 ألف توقيع من مواطنين من 22 ولاية على الأقل، الأمر الذي أهل زعيم هذه الحركة لأن يكون واحدا من بين "الخمسة الكبار" الذين نجحوا أمام امتحان غربال السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، التي أنشئت خصيصا لهذا الغرض.

ويدعم هذا الجناح الذي حسم أمره مبكرا، دخول حركة الإصلاح التي يقودها فيلالي غويني، عبر إعلان الدعم الكامل للمرشح الحر، عبد المجيد تبون، وهو أمر أثار تساؤلات واسعة، كيف لحركة إخوانية أن تساند مرشحا وطنيا على حساب مرشح من التيار نفسه؟

 



ولم تكتف حركة الإصلاح بدعم المرشح عبد المجيد تبون، بل راحت تساهم بما تملك في الحملة الانتخابية لهذا الأخير، وقد تولى رئيس حركة الإصلاح فيلالي غويني، مهمة تنشيط بعض التجمعات الشعبية، نيابة عن المرشح تبون.

ويستند هذا الجناح في دخول الانتخابات، سواء عبر مرشحه أو عبر دعم مرشح آخر، على مبررات يصطف حولها حاليا كل داعمي خيار الانتخابات كحل للأزمة، من منطلق أن الفراغ الذي تعيشه البلاد منذ "استقالة" الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، قبل تسعة أشهر، لا يمكن أن يستمر دون تداعيات خطيرة على أمن البلاد واستقرارها.

كما يستند هذا الجناح على رفض فكرة المرحلة الانتقالية، التي ينادي بها جزء من الحراك، كونها مرحلة مليئة بالمخاطر بما فيها الخطر الوجودي للدولة ذاتها، في ظل التناقضات الموجودة داخل المجتمع الجزائري، علاوة على أنها ستكون بطرق غير ديمقراطية، وهي التعيين، التي لا يمكن أن يتفق حولها الجزائريون، ولا على الشخصيات التي تقودها، بدليل أن الحراك عجز إلى اليوم عن إخراج ممثليه، وبقي حراكا بلا تمثيل.

مسك العصا من الوسط

في المقابل، يقف تيار متربص، ماسكا العصا من الوسط، فاتحا المجال للمشاركة في الانتخابات، لكنه يرفض ترشيح أحد كوادره للمنافسة الرئاسية، كما يرفض تدعيم أي مرشح (حتى الآن) من بين المرشحين الحاليين.

ويبرز موقف حركة "حمس"، بوصفها كبرى التيارات الإخوانية، برفض تقديم مرشحها لانتخابات 12 كانون أول (ديسمبر)، أو دعم أي من المرشحين بكونها تريد حلا بالتوافق الوطني، لكنها لا تقاطع وتترك مناضليها أحرارا في المشاركة والاختيار، لأن المسار الحالي بحسب الدكتور مقري، خاطئ ولا يؤدي إلى التحول الديمقراطي، كما أن الحركة "ليست لجنة مساندة"، على الرغم من أن الحركة كانت على استعداد للمشاركة في انتخابات 18 نيسان (أبريل) الماضي، قبل استقالة بوتفليقة، وهو الأمر الذي استغربه الكثيرون، لكن رئيس الحركة برر هذا الموقف الذي اتخذه المجلس الشوري للحركة، بوجود متغيرين رئيسين، الأول هو أنه في انتخابات 18 نيسان (أبريل) الماضي كان لديهم يقين عن وجود صراع أجنحة داخل السلطة، وأنها دخلت بمرشحين اثنين، وكانت فرصة لتشارك الحركة لتفسد المشروعين، والسبب الثاني هو متغير الحراك، ففي ذلك الوقت لم يكن هناك حراك في الشارع، بينما اليوم هناك حراك وهو الذي يمتلك الكلمة العليا.

وهو الموقف نفسه تقريبا، الذي اتجهت نحوه جبهة العدالة والتنمية بقيادة الشيخ جاب الله، بعدم الترشح وعدم المقاطعة، بدعوى استمرار الانسداد السياسي، وغياب الحلول التوافقية، تماما كما فعلت حركة النهضة الجزائرية، وكذا حزب تجمع أمل الجزائر، الذي يقوده حاليا بالنيابة عبد الحليم عبد الوهاب، منذ أن تم إدخال رئيسه عمار غول السجن، ضمن حملة اعتقالات واسعة طالت رموز النظام والفساد.

واللافت في هذا الجناح، أن فيه المتحمس بشدة للانتخابات، ويدعو إليها باعتبارها الحل الوحيد، وهو موقف حزب تجمع أمل الجزائر، وفيه من يظهر الحماسة نفسها ، غير أن ترك هذا الجناح الحرية للمناضلين للاختيار بين المرشحين، من المرجح أن يزيد في تشتيت "الوعاء الانتخابي الإخواني"، لأنه حتى وإن اتجهت نسبة كبيرة من هذا الوعاء، ناحية تدعيم المرشح "الإخواني" عبد القدر بن قرينة، إلا أن هناك توجهات أخرى، قد تدفع باتجاه اختيار مرشحين آخرين، نكاية في ابن قرينة الذي شق الصف، ولعل أبرز المستفيدين من هذه الوضعية، هو المرشح علي بن فليس رئيس حزب طلائع الحريات، الذي قد يحظى بدعم جبهة العدالة والتنمية وغيرها، لكونه أحد الموقعين على أرضية عين البنيان للمعارضة.

الإخوان صمام الأمان والاستقرار

ويرى رجل الأعمال المعروف والقيادي في حركة "حمس" الأستاذ جعفر شلي، أنه مهما قيل عن الانتخابات المقبلة، ودور الإخوان فيها، إلا أن "التيار الوسطي الإخواني سيظل هو صمام أمان الوطن واستقرار مؤسساته ووحدة شعبه". وهذا على الرغم من التباين الواضح في مواقف التيار الوسطي ما بين مشارك ومعارض ومتحفظ.

ويشدد عضو مجلس الشورى الوطني في حركة "حمس"، الأستاذ جعفر شلي في حديثه لـ "عربي21"، على ضرورة التذكير بمسار الإخوان المسلمين والتيار الوسطي في الجزائر بمواقفه الداعمة نحو استقرار الأوطان، وترقية التعايش مع جميع أطياف المجتمع والحفاظ على تماسك مؤسسات الدولة في ظل الديمقراطية والحريات الفردية والجماعية، بعيدا عن النعرات الجهوية والتدخلات الأجنبية. ذلك أن هذا التيار الإخواني الوسطي هو جزء أصيل من هذا الشعب الذي رفض الدوس على كرامته ورهن مستقبله فثار وقدم أروع حراك سلمي مليوني، توحدت فيه الرؤية نحو مستقبل رافض للاستبداد والفساد والفشل. 

 



وأوضح أنه في هذا الحراك التحمت نضالات الإخوان المسلمين والتيار الوسطي مع الشعب، لترسيخ سيادة الشعب في الاختيار الحر والنزيه لمن يحكمه دون وصاية من أي جهة كانت، ومع رفض مطلق لأي محاولة لتدويل الحراك خارجيا.

ومع ذلك، يستدرك عضو مجلس الشورى الوطني الأستاذ جعفر شلي، انسجاما مع موقف حركته، أن الظروف المحيطة بإجراء الإاتخابات الرئاسية لا تستجيب بشكل مطمئن لمعايير الشفافية، مما يدفع جزءا كبيرا من المواطنين لرفض إجراء الانتخابات مطالبين بذهاب العصابة، وهذا ما يدفع الجزء الأكبر من التيار الوسطي للعمل بكل الوسائل السياسية من أجل إحداث التوافق بين السلطة الفعلية والطبقة السياسية ومكونات الحراك،  للخروج من الأزمة وتفويت الفرصة على المتربصين في الداخل والخارج.

ويبرر نائب حركة البناء أحمد الدان، مشاركة الحركة في انتخابات الرئاسة بمرشحها عبد القادر بن قرينة، بكون حركة البناء الوطني هي حزب تأسس لخوض الانتخابات والتنافس على أساس برامج تحقق خدمة الشعب الجزائري، كما أن لها تنظيما وتمثيلا وطنيا، مكنها من توفير شروط الدخول مع خمسة مرشحين فقط من بين عشرات الراغبين في المنافسة لم يتمكنوا من جمع التوقيعات، منوها إلى أن للحركة رؤية تشاركية تستند عليها في المشاركة في الانتخابات.

 



وأضاف نائب حركة البناء أحمد الدان لـ "عربي21"، "إن تجربة التيار الإسلامي في الجزائر منبثقة من المدرسة الباديسية، وتطورت مع تجارب المشاركة السياسية، ولهذا فهي الآن موجودة في كل مواقع المشهد السياسي سواء المعارض أو المشارك، حسب تقدير مؤسساتها وحسب تنوع الرأي السياسي، وسط الشعب الجزائري الذي هو مرجعها الأول والأخير".

احتمال الخروج من دائرة الحياد وارد

أما أستاذ العلوم السياسية توفيق بوقعدة، ورغم اعتقاده أنه لا يمكن الحديث عن دور فعال لإخوان الجزائر في المرحلة الحالية، إلا تطورات الأيام المقبلة، خاصة مع حالة الاستقطاب الأيديولوجي، قد تدفع برجال التيار الإخواني ونسائه، للخروج من دائرة الحياد لدعم مترشحهم في المرحلة الأولى حتى يعززوا من قدراتهم التفاوضية في الجولة الثانية.

ويرجع الأستاذ توفيق بوقعدة حالة الشتات والتشظي الإخواني في حديثه لـ "عربي 21"، لسببين: الأول حالة التشظي الذي عرفته حركة الراحل محفوظ نحناح "حمس"، التي أصبحت أربع حركات ثم ثلاثا بعد مؤتمر توحيد حركة التغيير مع "حمس"، وإذا اعتبرنا أيضا حزب "تاج" الذي يعتبر النواة الصلبة فيه من الإخوان، وقد أصبحت هذه الحركات في حالة شقاق سياسي ومواجهات سياسية، برزت في عدة محطات انتخابية أو تعبير عن مواقف سياسية في فترة حكم بوتفليقة وبعدها.

 


أما السبب الثاني بحسب توفيق بوقعدة فمرتبط بحالة الضبابية التي تتسم به الحياة السياسية في ما بعد حراك 22 شباط/فبراير، وعدم قدرة كل تيارات الإخوان صياغة موقف واضح في بداية الحراك الذي فاجأ الجميع، ورغم تبلور الدور الداعم للحراك من طرف الحركة الأم "حمس"، إلا أن بقية الحركات ركنت للترقب من بعيد والتزام خيار الصمت مما يجري، إلى غاية تبني الجيش خيار تفعيل المادة 102، حينها سارعت كل التيارات إلى فك الارتباط بعهد بوتفليقة، وبدأت رحلة التموقع.

أما في المرحلة الانتخابية الراهنة، التي يدور حولها الجدل الواسع، فيرى أستاذ العلوم السياسية توفيق بوقعدة أن تيارا واحدا من الإخوان هو الذي دخل المعترك الانتخابي، في حين اتخذت بقية الأطراف موقف الحياد، وقد أبان المترشح "الإخواني" ديناميكية متميزة في استقطاب الناخبين واستعطاف التيار الإسلامي، باعتباره الممثل الوحيد لهم في هذه الانتخابات.

لكن في تقدير الأستاذ توفيق بوقعدة أن هناك عراقيل تواجه المترشح أولها حالة الرفض الواسع للمسار الانتخابي الذي تم فرضه من طرف السلطة، دون أن يحظى بتوافق سياسي مع الأطراف المشاركة في الحراك أو الطبقة الحزبية، ولذلك لا يمكن القول بأن تيار الإخوان له دور سواء سلبا أو إيجابا، وإنما يمكن الحديث عن منتسبي هذا التيار كأفراد وليسوا كمجموعة سياسية، سواء في تيار المقاطعة أو تيار المؤيدين لهذا المسار.

الحل في إعادة توحيد الصف

ويتأسف محمد حديبي، قيادي وطني حاليا في الفضاء الجزائري للحريات، من تحول دور الإخوان في الجزائر إلى نفس رواق دور باقي تشكيلات التيار الإسلامي الأخرى، معتبرا أن الإخوان في الجزائر لم يعد تمثلهم مدرسة بعينها، ولا يمكن رسم منهج الإخوان في طيف دون آخر.

ويوضح القيادي السابق في حركة "النهضة"، محمد حديبي لـ "عربي21"، أن مشكلة إخوان الجزائر هي في القيادة التي فقدت تأثيرها، لكن كقاعدة شعبية ونضالية فالإخوان موجودون بقوة، مبرزا أن سبب أزمة الإخوان اليوم هو انغماس رموزهم في الصراعات "الزعاماتية"، وفي الأنانية والذاتية والعسكرة التنظيمية والقدسية الشخصانية بعيدا عن القيم السياسية في فهم الواقع وإدراكه، متسائلا كيف لتيار كهذا  لم يستطع أن يجمع نفسه على شخص كرجل إجماع للمدرسة الإخوانية أن يجمع باقي التيار الإسلامي بمكوناته؟ إنه طالما لا يوجد إجماع في داخل التنظيم، فإنه لا يمكنه أن يقنع باقي مكونات الشعب خارج المدرسة أو التيار.

 



ويعتقد محمد حديبي أن حل هذه المعضلة هو في تذويب هده الكيانات الكرتونية في وعاء واحد صادق بقيادة شبابية جديدة تعيد بريق التيار ومجده، كطرف فاعل في قيادة المبادرات والفعل السياسي، بحيث يصبح الإخوان رقما صعبا لا يمكن تجاوزهم في صناعة الأحداث أو القرارات المصيرية للبلاد، وإلا فإن مكنسة التاريخ ستكون بالمرصاد.

ويخلص محمد حديبي إلى فتح باب للأمل في غد أفضل، متوقعا أن العملية السياسة الحقيقية لهذا التيار ستبدأ بعد انتهاء الرئاسيات بعد إعادة جمع أوراقه ووضع آليات حقيقية للعودة بقوة إلى المشهد الجزائري، بعيدا عن الارتباطات الخارجية أو الحزبية الضيقة أو الأنانية الفردية.

إخوة يوسف

بالنهاية، قد لا يأخذ تيار الإخوان المسلمين في الجزائر، من مفهوم "الأخوة" أكثر مما أخذه "إخوة يوسف"، حين أرادوا أن يخلو لهم وجه أبيهم، والحال أن المرشح "الإخواني" الوحيد الموجود حاليا في السباق على رئاسة الجزائر، قد لا يحلم كثيرا بدعم جميع تيارات الإخوان له، لإدراكه المسبق، حجم الهوة بين الإخوة غير المتحابين على أقل توصيف سياسي، في موضوع الدعم والمساندة هذا، لذلك رأيناه في عدة مناسبات يسارع إلى نفي تهمة كونه "مرشحا إسلاميا".

هذه مشكلة الزعامات التي تتخبط فيها القوى السياسية العربية عموما، والإسلامية على وجه الخصوص، لكن يبقى الرهان على القاعدة الشعبية الإخوانية، ليس فقط في أن تكون منسجمة مع نفسها، وتنتخب على المرشح الذي ينتمي لمدرستها الفكرية نفسها، وإنما في أن تتجاوز هذه الزعامات المترنحة، التي فتت الصف الواحد، قبل أن تعجز عن اتخاذ موقف واحد مشترك، في قضية مصيرية مثل موضوع اختيار رئيس للجمهورية.

طبعا، موضوع الخوف من النموذج المصري، حيث أطاح العسكر بالرئيس الإخواني مرسي، قبل قتله بتلك الطريقة البشعة داخل السجن، تفعل فعلتها في العقل الباطن لشريحة واسعة من داخل هذا التيار، تدعمها تجربة الانقلاب على الجبهة الإسلامية للانقاذ في 1992 بعد فوزها بالتشريعيات، وهذا يعني أن تكون الحسابات "الانتخابية" أكثر من معقدة، لتقترب من المعادلات اللوغاريتيمية، التي لا يمكن حلها فقط بالحماس الزائد، أو الحياد "الزائد"، وإنما بإدراك أكبر بضروريات المرحلة، بما في ذلك الموقع من الحراك الشعبي، وتحديات ما بعد انتخابات الرئاسة، التي لا تقل أهمية وتأثيرا على مستقبل هذا التيار.