قضايا وآراء

كيف تستمر الموجة الثانية للثورة المصرية؟

1300x600
لم تكن التظاهرات التي خرجت يوم الجمعة الماضي في مصر فاشلة، كما يحاول النظام وإعلامه تصويرها. فعلى الرغم من أن الأعداد لم تكن كبيرة بالشكل الذي كان منتظرا، إلا أن الحالة النوعية التي خلقتها التظاهرات تبشر بالخير. كما أن أداء النظام وتعاطيه بإجراءات استباقية مع الدعوة للتظاهر أيضا مبشرة بشكل كبير، فاعتقال ما يزيد عن الألفي ناشط خلال الأيام التي سبقت التظاهرات دليل على أن النظام وأذرعه الأمنية تعمل بنفس الطرق القديمة ولم يطوروا أنفسهم، وإن كان النظام قد تعلم، بلا شك، من تجربة يناير ودرسها جيدا، وهو ما وضح من تعاطيه مع تظاهرات الجمعة، بإغلاق الشوارع الرئيسية المؤدية لميدان التحرير والميادين الكبرى في المحافظات، كالقائد إبراهيم والشونة والمحطة، وغيرها من الميادين الرئيسية، التي كان لها أثر كبير في إنضاج ثورة يناير بعد تجمع الرافضين للنظام فيها، والتي استطاع النظام من خلالها شل تلك المدن كشكل من أشكال العصيان المدني الجبري، إلا أنهم لا زالوا يفكرون بنفس العقلية التقليدية، وهو ما يفتح مربعات المناورة أمام الثوار إن هم اتخذوا من الإبداع دليلا.

حراك الجمعة كان نوعيا بامتياز لأسباب كثيرة، منها دخول مدن جديدة لم تكن موجودة في خريطة الحراك الثوري على الخط. وفي ذلك أسباب عدة، لا يتسع المجال لشرحها. لكن نتيجة وجود مدن جديدة في الحراك يعني أن شرائح جديدة دخلت مربع السخط المعلن، ومن ثم تعافت من الكبت المميت، فالصعيد الذي كان حاضرا بقوة يؤشر إلى أن مساحات جديدة من العمل الثوري يمكن أن تفتح، بعد أن باتت القاهرة والإسكندرية رهانا غير مأمون للحراك، كما أن تلك المحافظات تمتلك مقومات شل النظام من أطرافه، وهي بعض أمثلة الصورة الإبداعية للعمل الثوري. وإن كان ذلك الحراك عفوي، إلا أن استثمار تلك العفوية واجب يقتضيه الحال، وهو ما ينقلنا للحديث عن واجب الوقت خلال الأيام القادمة.

يفتقد الحراك الآن إلى قيادة حقيقية له، وهذا لا يقلقني في الحقيقية (يمكن مراجعة سلسلة مقالات "صناعة القيادة الثورية" لمن يريد الاستزادة)؛ لأن القيادة الثورية في الموجة الثورية المصرية ستصنع قيادتها، وأن الشارع سيفرز قيادته، وأن التجربة قادرة على صقل هذه القيادة، لكن الأمر يحتاج قراءة ووعيا من هذه القيادة، وتوعية لمن يتم تحريكهم من ناحية أخرى.

يجب أن يستفاد من الطوفان القادم بترشيده حتى لا تتحول الثورة إلى فوضى.. يجب أن تعلم الجماهير لماذا تخرج، ولماذا تضحي. كما يجب أن تعلم أن الثورة تحتاج أمرين: نفسا طويل وكسرا لحاجز الخوف. لذا، فالشعارات يجب أن توضع، والأهداف يجب أن توضح من الآن. ولما كانت الأمور واضحة، فعلينا أن نبتعد في الأهداف والشعارات عن المشكل والمختلف ونبقى في مساحات الاتفاق والمعلوم من الثورة بالضرورة. فالحرية، والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية؛ شعارات لا يمكن الاختلاف عليها، كما أن أهدافا مثل إزالة الفساد والفاسدين، وتطهير المؤسسات العامة، وإنفاذ سيادة القانون، وتطبيق الشفافية والعدالة، والتوزيع العادل للموارد وصولا إلى الرفاه، والتداول السلمي للسلطة.. أظن أيضا أنها أهداف يتوافق عليها الجميع.

وكما أن على الشعب أن يعلم، فعليه أن يتعلم أدوات الثورة وتدرجات استخدامها. فالتظاهر ليس وحده القادر على إسقاط النظام. فهناك أدوات كثيرة، أهمها العصيان المدني وتتنوع أشكال العصيان بداية من عدم الذهاب إلى العمل، وصولا إلى غلق الوزارات والهيئات والمصالح والمرافق، كمرفق النقل العام، لشل يد الحكومة، وبينهما أمر عظيم هو حث الشباب على عدم الالتحاق بالتجنيد، حتى يسقط هذا النظام الفاشي الفاشل الذي يستخدمه من أجل مصلحته، ولا يتورع عن التسبب في قتلهم من أجل التذرع بالإرهاب ليبقى في السلطة.

نحن لا نريد أن نسقط الدولة، ولكن نريد أن يسقط النظام، ولإسقاطه يجب استخدام تلك الأدوات والتكتيكات، ومنها تكتيك الإنهاك. فلا يمكن لسلطة أن تستنفر قواتها إلى الأبد. لذا، فإن النزول يوما في الأسبوع أو في مكان واحد متكرر لا يوصل للهدف المأمول، لذا فالواجب تغيير الأماكن واستمرار الحراك طوال الأسبوع، والتبديل بين الثوار في نوبات التظاهر حتى يرتاح الثوار وينهك النظام. وهنا يجب العمل على إيجاد القيادة، وأكرر هنا لأهميتها، وإيجاد التنسيق اللازم لإنجاح هذا التكتيك (الإنهاك) وتوزيع المهام والأيام بين فئات الشعب، من موظفين وعمال وطلبة وتجار ونساء، فالكل غاضب والكل يحق له أن يعبر عن غضبه.

هذه الأدوات وهذه التكتيكات الثورية على الشعب أن يتعلمها، لا لإسقاط النظام الحالي، وإنما لإسقاط أي نظام مستبد لا يقبل بالصندوق وسيلة لتداول السلطة، وعلى شعبنا أن يعلم أنما جعلت الحكومات لخدمة شعوبها لا العكس، وعلى الشعوب أن تُقصي من قصّر بالسلم أو بالثورة.. الوقوف في مصاف الشعوب المتقدمة ليس حلما، بل هو حق والثورة تحققه.. ثوروا تصحوا.