قضايا وآراء

نتنياهو في الخليل.. جرأة مستمدة من جرائم متعاظمة

1300x600
بنيامين نتنياهو في الخليل، يتجول بحراسة مشددة، معيداً للأذهان سيناريو سلفه أرئيل شارون قبل عقدين، مع فارق أن الأولى أشعلت الانتفاضة الثانية في 28 أيلول/ سبتمبر 2000، وجوبهت حينها بأحذية المقدسيين، والزيارة الثانية يمكن أن تشعل غضباً شعبيا وسياسياً، لكنها لن ترتقي لاندلاع انتفاضة ثالثة، مثل كل الانتهاكات التي تتعرض لها مدن الضفة الغربية والقدس ومدينة خليل الرحمن.

جرائم الاحتلال الإسرائيلي للمدن الفلسطينية، من تدنيس شارون لباحات الأقصى قبل عقدين، ومن ثم توالي عمليات الاستيطان وتدنيس المقدسات مع الاقتحامات المتكررة للمستوطنين، أسقطت كل الخطوط الحمراء التي ما زال البعض ممسكاً بوهمها حتى هذه اللحظة، مثل التمسك بالعملية السياسية أو التنافخ بالإمساك بعصا المقاومة والممانعة.

أحداث كثيرة ودروس ضخمة، من اقتحام شارون لباحات القدس، إلى جرأة نتنياهو في الخليل، تخللتها في العقد الأخير ظروف عربية ومحلية وإقليمية ودولية، ساهمت إلى حد كبير في ترسيخ أمر واقع مؤلم ومخزٍ، يُعبر عنه في مواقف عربية تجهر بمساندتها للرواية الصهيونية، بل تجرأت على المس بالحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، وانبرت منابر إعلامية ورسمية للتطاول على الحق الفلسطيني.

وهرولة التصهين التي تجري في المنطقة، جزء مهم من الجرأة التي يستند إليها العقل الصهيوني في التمادي والعدوان على الفلسطينيين والعرب والمسلمين. والجزء الآخر من الجدار الذي استند إليه نتنياهو في جرأته لاقتحام الخليل هو حالة النظام الرسمي العربي المنهمك بحروب أدت لتدمير مجتمعات عربية، فلم يكن بمقدور المحتل أن يفعل ما فعلته أنظمة القمع والاستبداد العربي بمجتمعاتها، على الصعيد الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي، وحتى الفكري والنخبوي الذي أصابه عطب عند حدود الطغاة.

والأهم تغييب اقتحام نتنياهو للخليل، سواء دون قصد أو بقصد له مدلولاته من بعض المشهد الإعلامي، والاكتفاء بوقائع مشابهة لما حدث قبل عقدين (اقتحام شارون)..

هذه الوقائع انبرى لها كثير من إعلام محور إيران في المنطقة للاستفادة منها للتغطية على أحداث كانت سبباً في تطور الجرأة الإسرائيلية في العدوان على كافة الصعد، لتعود القضية مجددا كمادة استهلاكية تغطي على عيوب وأضرار وكوارث المجتمعات العربية؛ وأنظمة تتسابق تارة لكسب ود المحتل، وتارة أخرى لقتل شعوبها تحت ذرائع وحجج كانت السبب في إنضاج الجرأة الصهيونية.

اقترف الاحتلال الصهيوني في العقدين الماضيين من الجرائم ما لا يحصى، ونتنياهو من خليل الرحمن يكمل تزوير الحقائق والتاريخ بجريمة تؤشر وتؤطر ملامح العقل الصهيوني المستهدف سكان البلاد الأصليين وما بقي من أرضهم.

وأخطر ما اقترفه النظام الرسمي العربي هو زرع الجفاء والشرخ بين أبناء الأمة الواحدة، وبين قضاياهم المصيرية. فإذا كان بعض النظام الرسمي العربي المنخرط بمقتلة شعبه وتدمير مدنه وحواضره، والمس بمعتقداته والاستهزاء بمطالبه بالحرية والديمقراطية والمواطنة، غير معني بتاتاً بكل ما يفعله الاحتلال سوى للاستخدام الدعائي للتغطية على جريمته، فكيف له الادعاء بقدرته أو بنيته للتصدي لجرائم أخذ عن المحتل وزرها الأكبر؟

من المؤكد، أنَ من قصف مساجد ودور العبادة للمواطنيين، وحوّل المدارس والمشافي لمعتقلات، وقتل وشرد الملايين، غير معني لا من قريب ولا من بعيد بانتهاكات المحتل ولا بما تخفيه العقلية الصهيونية؛ سوى أن تكون راضية عن سلوكه، وما كان لجرأة المحتل التي اختبرت عقودا طويلة سلوك الأنظمة القمعية إلا أن تغرف من جرأة موازية لها على طول الحدود لفلسطين.

الخليل والقدس وبيت لحم ونابلس وكل قرية ومدينة في الداخل الفلسطيني؛ هي هدف بالنسبة للعقل الصهيوني، وكل عقل يفكر وكل روح عربية ترنو للمواطنة والحرية والكرامة هي هدف للبساطير والبراميل العسكرية، وكل مواطن هو دريئة للردح الإعلامي والشتم من أبواق الطغاة، فأبشروا بمزيد من الانتهاكات والاعتداءات، لكن دون وهم صواريخ الممانعة، وستبقى أحذية المقدسيين وعزيمة الخلايلة أقوى الأسلحة التي لم ولن يتعرف عليها مستخدمو جرأة الفاشية المتبادلة من تل أبيب لبقية العواصم المنتظرة نصراً على الفلسطيني وعلى العربي المقهور.