بورتريه

براغماتي لا يحمل "عصا موسى" ومحاط بقوى لن تتركه (بورتريه)

بدأ حمدوك مسيرته المهنية عام 1981 حينما انضم للعمل في وزارة المالية السودانية حتى 1987- عربي21

يقول إنه لا يحمل "عصا موسى" لكنه سوف يسلك نهجا "براغماتيا" في إصلاح الاقتصاد السوداني، ومفتاحه لتحقيق ذلك "وقف الحرب أولا، والبدء بالإصلاحات لتدشين عهد جديد"، بحسب قوله.


يعتقد أن مهمة الحكومة الجديدة هي "بناء مشروع وطني لا يقصي أحدا"، ويحاول الخبير الاقتصادي  في أفريقيا والأمم المتحدة طمأنة الجميع بأن حكومته "لن تقبل أن تملى عليها شروط، والسياسة الخارجية تخضع للمصالح المشتركة".


لكنه يبدو محاطا بقوى إقليمية وعربية لن تتركه في شأنه، وتحشر أنفها وأصابعها في تفاصيل السياسية السودانية، فكما يقال "الشيطان يكمن في التفاصيل".


عبد الله حمدوك المولود عام 1956 في ولاية كردفان، والحاصل على بكالوريوس في الاقتصاد الزراعي من جامعة الخرطوم (1981) والماجستير في علم الاقتصاد من جامعة مانشستر في بريطانيا (1989)، والدكتوراه في علم الاقتصاد من جامعة مانشستر (1993)، انتمى سياسيا لـ"الجبهة الديمقراطية"، الذراع الطلابية لـ"لحزب الشيوعي السوداني"، وبعد تخرجه قرر أن يصبح موظفا وأكاديميا، لكنه بقي يمارس العمل السياسي المنظم بين الفينة والأخرى ضمن "الحزب الشيوعي".

 

اقرأ أيضا: 4 سيدات في حكومة حمدوك.. تعرف على سيرتهن الذاتية


وفي مطلع تسعينيات القرن الماضي، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي والمعسكر الشرقي، احتدم الجدل بين الشيوعيين السودانيين حول مستقبل حزبهم، فغادره كثيرون، كان حمدوك من بينهم، ولم تعد له صلة تنظيمية بـ"الحزب الشيوعي السوداني"، منذ 1991، رغم تشكيك البعض في ذلك.


بدأ مسيرته المهنية عام 1981 حينما انضم للعمل في وزارة المالية السودانية حتى 1987، لكنه ما لبث أن اصطدم بالحكومة السودانية وطرد من الخدمة المدنية تعسفيا تحت طائلة "سياسة التمكين"، التي لاحقت آلاف السودانيين آنذاك في حقبة السودان تحت حكم عمر البشير.


ولم تكتف الحكومة السودانية بفصله عن الخدمة المدنية، وإنما حرمته من بدلات الدولة الخاصة بابتعاثه لدراسة الماجستير والدكتوراه في إنجلترا.


واضطر بعد مضايقات النظام السوداني إلى العمل خارج البلاد، بدأها بجمهورية زيمبابوي بالعمل في شركة مستشارين خاصة حتى عام 1995، ومن ثم مستشارا في "منظمة العمل الدولية" في زيمبابوي حتى عام 1997.


بعدها مباشرة عين في"بنك التنمية الأفريقي" في ساحل العاج، والذي بقي فيه لما يقارب الـ4 سنوات قبل أن ينضم إلى "الجنة الاقتصادية لأفريقيا" التابعة للأمم المتحدة في أديس أبابا، بعدة مواقع حتى أصبح نائبا للأمين التنفيذي.


في الفترة ما بين عامي 2003 و2008، عمل في "المعهد الدولي للديمقراطية" ثم شغل في وقت لاحق منصب كبير الاقتصاديين ونائب الأمين التنفيذي لـ"اللجنة الاقتصادية لأفريقيا" منذ عام 2011، وبحلول عام 2016 عينه الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون قائما بأعمال الأمين التنفيذي لـ"لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا".

 

اقرأ أيضا: حمدوك يعلن تشكيلة حكومته الانتقالية ويوضح سبب التأخير


حتى عام 2018 لم يكن حمدوك معروفا لدى السودانيين، لكنه طفا على سطح الأحداث في ذلك العام، حين رشح لتولي منصب وزير المالية بطلب من البشير نفسه، ولكنه اعتذر عن قبول المنصب.


وعاد اسمه ليتصدر نشرات الأخبار واهتمام السودانيين في عام 2019، خلال الاحتجاجات السودانية التي أطاحت بالرئيس عمر البشير، حيث اعتبر أحد أبرز المرشحين لتولي رئاسة الوزراء في الفترة التي تلي تنازل المجلس العسكري بقيادة عبد الفتاح البرهان عن السلطة.


ووقع المجلس العسكري الانتقالي وقادة الاحتجاجات "إعلانا سياسيا" لتشكيل مجلس عسكري مدني مشترك، يؤسس لإدارة انتقالية تقود البلاد لمرحلة تستمر 39 شهرا، قبل أن يتوصلوا لاتفاق دستوري مكمل.


وبموجب الاتفاق فإن بإمكان قادة الاحتجاجات اختيار رئيس وزراء يتولى قيادة المرحلة الانتقالية، وبناء على تنسيب "إعلان الحرية والتغيير" عين "مجلس السيادة السوداني" عبد الله حمدوك رئيسا للوزراء في  آب/ أغسطس الماضي، وفقا لما يقتضيه "مشروع الإعلان الدستوري".


حمدوك قال في أول تصريح له لوكالة الأنباء السودانية "سونا" إن "المرحلة المقبلة تتطلب تضافر جهود أبناء الوطن وتوحيد الصف لبناء دولة قوية"، مشيرا إلى "امتلاك السودان لموارد كافية لجعل البلاد دولة قوية في القارة الأفريقية".


وبدا تصريحه بأن بلاده تحتاج إلى 8 مليارات دولار لدعم الاقتصاد خلال العامين المقبلين وإلى ملياري دولار، لدعم احتياطي النقد الأجنبي لوقف تراجع العملة المحلية، مثيرا لمخاوف نخب سودانية رأت في ذلك قبولا ضمنيا بارتهان السودان لشروط التمويل الخارجي.

 

اقرأ أيضا: "عربي21" تنشر أسماء الوزراء في الحكومة المرتقبة بالسودان


وأعلن حمدوك بدء محادثات مع الولايات المتحدة الأمريكية لرفع اسم السودان، من قائمة الدول "الراعية للإرهاب".


وفي ما يتعلق بملف السياسة الخارجية لحكومته، أكد حمدوك، أن "الفترة الانتقالية ستشهد سياسة خارجية متزنة تراعي في المقام الأول مصلحة السودان حتى يخرج من مرحلة العزلة ويكون صالحا لنفسه ولمحيطه الإقليمي والدولي" .


وأشار حمدوك إلى أنه من أولويات الحكومة "تشكيل مفوضية السلام، بجانب معالجة الأزمة الاقتصادية الطاحنة، التي تمر بها البلاد" من خلال "بناء اقتصاد وطني يقوم على الإنتاج وليس على الهبات".


وقال حمدوك  إنه "لن يلجأ لخصخصة المؤسسات العامة الحيوية بغض النظر عن موقف صندوق النقد الدولي من ذلك"، مضيفا أنه "على صندوق النقد والبنك الدولي مساعدة السودانيين عبر تفهم أولوياتهم".


تصريحات حمدوك تشير بوضوح إلى أن السودان، بعد عقود من الفساد والأزمات الاقتصادية والمالية، يحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى إلى حكومة تنتشل البلاد من الوضع الاقتصادي المتأزم وتدير دفة الإصلاح الاقتصادي، وربما يكون خبير اقتصادي على رأس الحكومة أفضل وسيلة لتحقيق ذلك.


لكن في موازاة ذلك يتزايد التوجس لدى الكثير من السودانيين، بدخول الأموال الخليجية وكذلك صندوق النقد الدولي لفرض أجندتها على البلد الذي يتمتع بثروات كبيرة غير مستغلة، وموقع استراتيجي، بينما ارتفعت آمال الشعب في وضع استراتيجية جديدة للنهوض، عقب تولي حكومة انتقالية مقاليد البلاد بعد نهاية "حقبة البشير".


الخبير الاقتصادي يعي تماما أن جزءا كبيرا  من مشاكل السودان اقتصادي، وأن عليه أن يظل حذرا من العسكر وأن يقلص تدخلهم بالحياة المدنية إلى حدوده الدنيا، فوضع العصي في عجلة التغيير سيبدو مكشوفا للجميع.