كتاب عربي 21

لماذا لا ترد تركيا على السعودية بالمثل؟

1300x600

تدهورت العلاقات التركية السعودية في أواخر عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز بسبب وقوف أنقرة إلى جانب الشعب المصري في ثورته، في مقابل انحياز الرياض إلى الانقلابيين برئاسة عبد الفتاح السيسي. وبعد تولي الملك سلمان بن عبد العزيز عرش المملكة، بدأت تلوح في الأفق بوادر تحسن العلاقات بين أنقرة والرياض، إلا أنها سرعان ما غابت كسحابة الصيف، بعد أن تأكد فشل الجهود التي بذلها العاهل السعودي لاستمالة رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان وإقناعه بضرورة التراجع عن انتقاد الانقلاب العسكري الذي أسقط الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي، والتصالح مع السيسي.

جريمة اغتيال الكاتب السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول زادت الطين بلة، وفتحت في العلاقات التركية السعودية جرحا عميقا يصعب علاجه. واشتد هجوم وسائل إعلام السعودية وذبابها الإلكتروني على تركيا وأردوغان، في ظل إصرار أنقرة على ملاحقة كافة المتورطين في الجريمة.

 

من المؤكد أن أنقرة ليست غافلة عما تقوم به السعودية والإمارات ضد تركيا، بل تراقب كافة التحركات على جميع الأصعدة

موقع "ميدل إيست آي" البريطاني نشر قبل أيام تقريرا يكشف فيه عن تفاصيل خطة استراتيجية تهدف إلى مواجهة الحكومة التركية وإضعافها من خلال استخدام جميع الأدوات الممكنة، بما فيها تقليص الاستثمارات السعودية في تركيا، وعدم استيراد البضائع التركية، وخفض عدد السياح السعوديين الذين يزورون تركيا. ويشير التقرير إلى مؤشرات تؤكد تنفيذ الخطة المذكورة، كعرقلة دخول الشاحنات التركية في الموانئ السعودية، وانخفاض عدد السياح السعوديين الذين زاروا تركيا خلال النصف الأول من عام 2019.

المتابع لوسائل الإعلام السعودية وحسابات الذباب الإلكتروني في مواقع التواصل الاجتماعي؛ يلاحظ التصعيد ضد تركيا واشتداد الهجوم على أردوغان. وحتى اليوم الذي اتصل فيه أردوغان بالملك سلمان ليعزيه في وفاة أخيه، واصل الجانب السعودي هجومه على رئيس الجمهورية التركي تحت وسم "أردوغان عدو". ومن المؤكد أن أنقرة ليست غافلة عما تقوم به السعودية والإمارات ضد تركيا، بل تراقب كافة التحركات على جميع الأصعدة، كما ورد في تقرير موقع "ميدل إيست آي". وإن اقتضى الأمر الرد عليها، فلن تتردد حينها في ذلك. ولكنها ما زالت تتجاهل كل تلك الهجمات والتحركات، ولا ترد عليها بالمثل؛ لأسباب..

 

تركيا ترى أن أي أزمة بين دول المنطقة لا يستفيد منها غير قوى أخرى، فيما تدفع شعوب المنطقة ثمن تلك الأزمة

فتركيا ترى أن أي أزمة بين دول المنطقة لا يستفيد منها غير قوى أخرى، فيما تدفع شعوب المنطقة ثمن تلك الأزمة. ومن هذا المنطلق، يمكن القول بأنها تتبع سياسة تشبه ما جاء في قول ابن آدم لأخيه: "لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك، إني أخاف الله رب العالمين".. هذا هو السبب الأول..

السبب الثاني، أن الهجوم على تركيا وأردوغان قد يكون على رأس أولويات الحكومة السعودية، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة أن تكون أولى أولويات الحكومة التركية هي الرد على هجمات وسائل إعلام السعودية وذبابها الإلكتروني، بل أجندة أنقرة مليئة بقضايا وملفات في غاية الأهمية، مثل الاستعداد لإقامة منطقة آمنة في شرقي الفرات بشمالي سوريا، ولا وقت لديها للانشغال بأمور تافهة.

 

الإمارات دفعت السعودية في حفرة يصعب على الأخيرة الخروج منها، ومن المؤكد أن السعودية هي نفسها كانت راغبة إلى حد كبير في دخول تلك الحفرة، وبالغت كثيرا في الخصومة ومعاداة تركيا لدرجة يصعب التراجع عنها

دور الإمارات في تدهور العلاقات السعودية التركية لا يخفى على أحد. وعلى الرغم من التحالف بين البلدين في كافة الملفات، بدأت أبو ظبي تتجه نحو آفاق جديدة بعيدة عن أهداف ذاك التحالف، فأعلنت انسحابها من اليمن، وأرسلت إلى طهران وفودا رسمية، لتعزيز علاقاتها مع إيران، وتخفيف التوتر في مياه الخليج. كما بدأت الشخصيات الإماراتية البارزة المقربة من صناع القرار تتحدث عن تقسيم اليمن وانتهاء الحرب فيها. وفي ظل هذه التطورات، قد ترى أنقرة أن هناك فرصة لترميم العلاقات بين تركيا والسعودية؛ في حال أقدمت الأخيرة على إعادة حساباتها ومراجعة تحالفها مع الإمارات.

الإمارات دفعت السعودية في حفرة يصعب على الأخيرة الخروج منها، ومن المؤكد أن السعودية هي نفسها كانت راغبة إلى حد كبير في دخول تلك الحفرة، وبالغت كثيرا في الخصومة ومعاداة تركيا لدرجة يصعب التراجع عنها. كما أن النفوذ الإماراتي في السعودية، سواء على الصعيد الحكومي أو الإعلامي، قوي للغاية، ويستطيع أن يسكت الأصوات المنادية بمراجعة التحالف مع الإمارات، مدَّعيا بأنها أصوات "إخوانية" أو "قطرية" تسعى للإيقاع بين الرياض وأبو ظبي. ولذلك يبقى الأمل في تحرر السعودية من نفوذ الإمارات لتصحح بوصلتها وتقوم بترميم علاقاتها مع دول عربية وإسلامية، مثل قطر وتركيا، مجرد أحلام وردية بعيدة عن الواقعية.