كتاب عربي 21

النائبة "سرقيوة" وسقوط ورقة التوت

1300x600

نائبة من المفترض أنها تتمتع بحصانة برلمانية، وعضو في أعلى سلطة في البلاد وفق المنظومة المعمول بها اليوم، تنتهك حقوقها بأبشع الطرق، فهل لا يزال لدعوى أن الجيش حامي الدولة ومؤسساتها والضامن للاستقرار وتحقيق الانتقال الديمقراطي أي معنى أو قيمة؟!


سقوط ورقة التوت


يقع الاعتداء وتحاول مفرزة من الشرطة التقصي فتواجه بوابل من الرصاص من الكتيبة المقتحمة لبيت النائبة، فهل لا يزال لأنصار الجيش حجة في استمرار الدفاع عنه وهو يسلك سلوك المليشيات. فما وقع لسرقيوة شاهد إثبات لا يقبل النقض أن الفعل كان مليشياويا بامتياز، وأنه لا حرمة لمرأة أو بيت أو مكانة سياسية واجتماعية لمن يخالف حفتر ويعارض مشروعه.


النائبة سرقيوة انتقدت آليات إدارة الخلافات في جبهة طبرق في شق الدور المصري في النزاع الليبي وفي الحرب الدائرة على حدود طرابلس، ومارست حدا أدنى من صلاحياتها كنائبة ومسؤولياتها كممثل عن الشعب، لكن هذا لا يروق لحكم الفرد وسلطة العسكري وجبروت الحاكم النافذ، فكانت الواقعة دليلا قاطعا على نهج حفتر المصادم لدولة القانون والمؤسسات والحريات.


لا أعتقد أن أنصار الجيش من النخبة الواسعة الذين أيدوا عملية الكرامة بدعوى أنها عملية عسكرية تهدف إلى استعادة الوطن وتحريره من قبضة الإرهاب والمليشيات يستطيعون تبرير واقعة اختطاف سرقيوة والاعتداء على حرمة بيتها والعدوان على أفراد أسرتها، إلا إذا تحولوا إلى جوقة وبوق ينسج على منوال نخبة: "سير ونحن معاك.. مبدانا مبداك" و "لا ترحم من خان...شنق في الميدان".


عقوبة قاسية لموقف مبرر 


سرقيوة المعروفة بعدائها للتيار الإسلامي كله، ومناصرتها لعملية الكرامة وانتقادها الشديد لجبهة فجر ليبيا والمؤتمر الوطني ومن ناصره، استدركت فقط على بعض، فقط بعض، تجاوزات حفتر ومناصريه، فكان مصيرها على الشكل المخزي الذي رأينا، فماذا يتصور أنصار الجيش من النخبة ممن هم أقل مكانة وشأنا إذا كان لهم رأي مخالف لحفتر في إدارة البلاد بعد أن يستتب له الأمر، وهل شفع لسرقيوة كونها امرأة لها مكانتها وحصانتها البرلمانية لدى حفتر وكتائبه؟!


حلقة في سلسلة القمع


الدلائل على أن اتجاه حفتر كان وسيظل سلطويا يضيق بالنقد وينزع إلى العنف والبطش ضد مخالفيه كثيرة، لكن نخبتنا، خاصة التي لها "تاريخ نضالي ضد العسكر لأربعين عاما"، لا ترى ولا تبصر، مع أنها خبرت طرق العسكر وحيلهم في إدارة النزاع إلى أن يتحكموا في مقاليد الأمور فينكلوا بالجميع باستثناء التبّع والأذناب.


عندما يفتح حفتر سجونا تعج بالسجناء دون تهم أو محاكمة ويبارك أعمال القتل خارج القانون والرمي في مكبات القمامة وعلى قوارع الطرق وفي المقابر، ويأمر بقتل الأسرى في مخالفة صريحة للقوانين والأعراف الدولية والمحلية فإنما يكشف عن نزعة عنفية ستظهر دوما حال ظهور المخالف له، ومعروف أن العسكر المستبدين لا يفرقون بين من يعارضهم بالسلاح ويعارضهم بالكلمة، ويجدون المبررات لسحل المخالفين بالموقف والكلمة كما وجدوا المبررات لسحل من قاومهم بالقوة، وسيهتف لهم كثيرون لسحق المعارضين بالموقف والكلمة كما هتف لهم كثر وهم يسحقون من حمل ضدهم السلاح.


ردود فعل غاية في الغرابة


لم أتفاجأ بردود الفعل التي تقطر شماتة لما وقع للنائبة، ولم أستغرب ارتفاع أصوات من يبررون هذا الفعل المستنكر، فمثل هؤلاء لن ينقطع نسلهم إلى يوم القيامة وجلهم من أنصاف المثقفين أو العوام وأصحاب المصالح الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم، لكن عتبي ولومي على نخبة النضال والمواقف الجادة ضد الاستبداد والقمع الذين آثروا الصمت، وكأن الفعل عابر والحادثة استثنائية ولا تمس جوهر الانتقال الديمقراطي وترتبط بلب فكرة سيادة القانون وتحقيق العدالة ومنع تغول العسكر في الحياة العامة.


ولا يفوتني أن أنوه إلى الموقف المخزي للبرلمان ورئيسه الذي أصدر بيانا يندد بالواقعة ويطالب بالكشف عن مصير سرقيوة، وكأنه ليس السلطة العليا التي قامت بتعيين حفتر ومسؤولة عن أفعاله، وأن أقل ما يمكن أن يفعله هو استدعاؤه للتحقيق واتخاذ إجراء حيال سلوكه المتمرد على الجميع بما فيه من منحه منصب القائد العام ورتبة المشير.