مقالات مختارة

الحَراك وخطرُ الحلقة المفرغة

1300x600

دخل الحَراك الشعبي، منذ أسبوع شهره الخامس، دون أن تلوح في الأفق أيّ بوادر حقيقية لتحقيق مطالبه الرئيسية المتبقية، وفي مقدّمتها رحيل بن صالح وبدوي وبقية أعضاء الفريق القديم، وتحقيق الانتقال الديمقراطي عبر الذهاب إلى مرحلة انتقالية قصيرة تنتهي بانتخاب رئيس للجمهورية في أجواء من الشفافية والنزاهة، ومن دون المرور بمجلس تأسيسيّ يُدخِل البلاد في صراعات إيديولوجية حادّة بلا طائل.

مقابل وضوح مطالب الشعب منذ 19 أسبوعا كاملا، تبدو أجندة السلطة بدورها واضحة؛ فهي ترفض المرحلة الانتقالية بشدَّة، وتتمسَّك بالإطار الدستوري وبقاء بن صالح رئيسا للدولة، ولا تزال تراهن على عامل الوقت لإقناع الشعب بالذهاب إلى الانتخابات الرئاسية التي ستحدّد موعدها الجديد بالاتفاق مع الأحزاب والمنظمات والفعاليات الاجتماعية خلال الحوار المنتظر عقده قريبا، لاسيّما أنّ تأويل المادّة 103 من الدستور يتيح لها التشبّث ببن صالح وإبقاءه رئيسا للدولة إلى أن يسلّم رئاسة الجمهورية للرئيس المنتخَب، من دون تحديد أيّ أجل لذلك، ما يجعل فشل أي موعد جديد للانتخابات كما حدث لموعد 4 جويلية، مسألة غير مُقلقة للسلطة المتشبّثة بهذا الخيار وحده.


عمليا، لم تقدّم السلطة أيّ تنازل لملايين المتظاهرين في 48 ولاية، عدا دفع الرئيس بوتفليقة إلى الاستقالة والشروع في مكافحة الفساد، ومع تسليمنا بأنهما مكسبان بارزان للحَراك الشعبي، إلا أنّ السلطة وقفت عندهما، ولم تعُد تُبدِ بعدها أيّ مرونة أو استعداد لتلبية باقي المطالب فيما يبدو، حتى مطلب ترحيل بدوي وحكومته المنبوذة شعبيا ترفض تحقيقَه، مع أنّ المسألة هنا لا تتعلق بالدستور كما هي الحال مع بن صالح.


بدوي متهمٌ شعبيا بتزوير عدَّة مواعيد انتخابية حينما كان وزيرا للداخلية، وآخر حلقاته في التزوير كانت جمع نحو 5.7 ملايين استمارة ترشُّح لفائدة الرئيس المستقيل في إطار مشروع العهدة الخامسة المجهَض، ما جعل الشعب يصرّ في جمُعات كثيرة على رحيله، ولا ريب أنّ تمسك السلطة به بلا مبرّر مقنِع، مع أن البلاد مليئة بالكفاءات النزيهة القادرة على خلافته، يغذّي مخاوف الشعب بأنها لا تريد حلا آخر سوى وضع الترتيبات الضرورية لتجديد نفسها في الانتخابات القادمة برئيس منها “يكون سيفا على الفساد”، مثل عبد المجيد تبُّون أو غيره.


عقب أحداث 5 تشرين الأول/أكتوبر 1988، فتحت السلطة الباب على مصراعيه للديمقراطية والحريات، وشعر الجزائريون أنّ هناك بوادرَ تغيير حقيقي، وكان الشاذلي بن جديد رحمه الله صادقا في مسعاه، لولا تدخّل ضباط فرنسا وإجهاض المسار الانتخابي والديمقراطي في 11 كانون الثاني/جانفي 1992، اليوم لا يشعر الجزائريون بأنّ هناك أجواء تبشِّر بالانفتاح والسير نحو الديمقراطية الحقيقية. الأمور تراوح مكانها وتدور في حلقة مفرغة بعد مرور 4 أشهر كاملة على بداية الحَراك، وليس هناك أيّ مؤشّر للحل، حتى طريقة انتخاب أمين عام جديد للمركزية النقابية وبعض أحزاب التحالف، تؤكّد أن السلطة ترتّب فعلا لتجديد نفسها والبقاء في الحكم ردحا آخر من الزمن.


هذا يعني أنّ الحَراك سيطول أمدُه أشهرا أخرى، وأنّ الشعب مُطالَبٌ بمواجهة التصلّب ومحاولات التيئيس بالمزيد من التضحية والصبر والصمود وتحدي الحرارة والرطوبة العاليتين. إقامةُ جمهورية جديدة قوامها الديمقراطية والحريات ليست مسألة هيّنة، والنظامُ الذي حكم البلاد 57 سنة كاملة لن يترك الحكم بسهولة، وما على الشعب سوى المزيد من الإصرار والثبات حتى تحقيق مطالبه.

 

عن صحيفة الشروق الجزائرية