ملفات وتقارير

هل قطع السيسي خطوط تلاقي المعارضة المدنية والإخوان؟

نظام الانقلاب نفذ الثلاثاء حملة اعتقالات ضد رموز اليسار بمصر- جيتي

في الوقت الذي بدت ترتفع فيه أصوات الدعوات للتقارب بين جبهات المعارضة عقب وفاة الرئيس محمد؛ وجه النظام العسكري الحاكم بمصر ضربته الأمنية باعتقال بعض رموز اليسار متهما إياهم بالتعاون مع الإخوان.


مراقبون أكدوا أن هدف النظام هو يقطع طرف أي خيط قد يجمع الطرفين مستقبلا ويصبح التعامل والتواصل والتلاقي لأي معارض مع الإخوان مصيره الاعتقال والسجن.


واعتقلت قوات أمن الانقلاب 8 نشطاء من اليسار، والمحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين فجر الثلاثاء، فيما اتهمتهم وزارة الداخلية بالتخطيط لضرب الاقتصاد الوطني، والقيام بأعمال عنف وشغب ضد مؤسسات الدولة في 30 حزيران/ يونيو المقبل، بالتعاون مع قيادات الإخوان ومعارضين وإعلاميين بالخارج.


بهذا تفشل خططه

 
القيادي في جماعة الإخوان المسلمين الدكتور جمال حشمت، يعتقد بحديثه لـ"عربي21"، أن "ما يفعله السيسي الآن هي سياسة الانقلاب نفسها منذ بدأ استعمال المعارضة لتحقيق مصلحة ثم إهمال لها وتضييق عليها، ثم اتهام لها واعتقال بحقها".


حشمت، أكد أن "السسي، ليس لديه مانع من قتل كل من يعارضه"، مضيفا أنه "على الرافضين للانقلاب أن ينتبهوا أن معارضة النظام أمر فاشل، وأن عدم الاعتراف به هو الأصل، وأن هذه قاعدة تسهل ما بعد ذلك، وتُفشل خطط الوقيعة بينها".


وحول استخدام النظام فزاعة الإخوان لإرهاب المعارضة أضاف القيادي بالجماعة، "لقد جعل السيسي، من الإخوان فزاعة للمجتمع كله أفرادا ومؤسسات وأحزابا وجماعات، وأن هذا هو الخطر الحقيقي الذي يتهدده".


خطيئة صراعات الماضي


على الجانب الآخر، قال الكاتب والمعارض المصري جمال الجمل: "يبدو واضحا أن الأنظمة العربية كلها (وليس النظام المصري وحده) باتت تعتمد لتكريس وجودها بالحكم على العلاقات خارج حدود الأقطار، وليس بالاشتغال في توازنات الداخل".

 

اقرأ أيضا: منبر حقوقي يطلق نداء لمواجهة أزمة حقوق الإنسان بمصر

الجمل أوضح لـ"عربي21"، أنه "من المفهوم أن هذا المظهر يرجع بالأساس لضعف مكونات اللاعبين السياسيين بالداخل، وهشاشة تجارب الأحزاب المعارضة، وتجريف الوعي السياسي بالجامعات، وانهيار تكوين الطبقات التقليدية من عمال وفلاحين وحرفيين وغيرهم".


وتابع: "ويرجع أيضا لوصول حالة التبعية للخارج إلى مستوى وظيفي، لم يعد التابعون يرون فيه أي حرج بالتعامل المريب مع الخارج، وفي الاستجابة لأوامره، مهما تعارضت مع القضايا المركزية لكل قطر، ومع قضايا الأمتين العربية والإسلامية".


الجمل، أضاف: "ومن هذا التحليل؛ تراجع اهتمام الأنظمة بلعبة تشجيع اليمين لضرب اليسار، والعكس؛ وباتت القسمة الواضحة، إما مع النظام بكل ما فيه وعليه، وإما ضد النظام؛ وبالتالي وجب التنكيل والتفكيك بدعم (مسكوت عنه) من الدول الحليفة بالمجتمع الدولي".


وأكد الجمل، أنه "كان من الواجب أن تفهم تشكيلات المعارضة مكونات المعادلة الجديدة، وتتعامل على أساس الموقف من النظام ومن التبعية ومن قضايا الأمة، وليس على أساس الاختلافات الأيديولوجية والسياسية فيما بينها، فكما أن النظام لا يفرق في بطشه بكل من يخالفه يمينا ويسارا، كان لا بد وأن تكون الاستجابة هي التكتل ضد النظام متجاوزين عن تصنيفات اليمين واليسار".


وختم بقوله: "لكن للأسف ارتكبت الأحزاب والتيارات السياسية خطيئة الركون لصراعات الماضي، وتجمدت عند الثأرات التاريخية ومواقف التفكيك والإضعاف للمعارضة، لكي تعطي النظام فرصة المكسب من دون توفير بيئة لظهور قوة تعادل تستطيع إقامة التوازن المفقود".


هنا المعضلة

 
وفي رؤية سياسية، يرى مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والاستراتيجية باسطنبول الدكتور ممدوح المنير، أن "نظام عبدالفتاح السيسي يعيش ويتنفس على تفرقة المصريين جميعا وليس المعارضة فقط".


المنير، أضاف لـ"عربي21"، أن "خطته لتفريق المصريين والمعارضة معا بدأت بمعركة التعديلات الدستورية عام 2011، ثم أغنية (أنتم شعب وإحنا شعب) وقت الإنقلاب في 2013، وانتهت بما وصلنا إليه".


وأكد الباحث السياسي، أن "سر بقاء النظم السلطوية هو ضعف المجتمع والشعب، ولكي يبقى النظام طويلا يستثمر بإضعاف المجتمع سياسيا وأخلاقيا وإنسانيا"، مشيرا إلى أن "تفكيك المجتمع وتحزيبه وزيادة العداوات بين فئاته، وصفة الديكتاتورية التي لا تتغير لضمان بقائها وسيطرتها على الشعوب".

 

اقرأ أيضا: "خطة الأمل" واعتقال يساريين يثيران انتقادات حادة للسلطة بمصر

ويعتقد المنير، أن "المعضلة لم تكن في الرئيس الشهيد فحسب، ولكن بأزمة الثقة بين القوى التي تسمي نفسها مدنية وبين الإخوان وباقي الإسلاميين؛ فالثقة تكاد تكون منعدمة إلا بحالات فردية".
وتابع: "فضلا عن أن نظام السيسي يستخدم عصا التخويف مع من يفكر بتوحيد الصف الثوري سواء بالاعتقال والتهديد؛ ما يمنع الكثيرين من مجرد التفكير بهذا الإجراء ".


وأضاف الباحث المصري، "لكني لا أُحَمّل المسئولية للنظام وحده فهو يقوم بدوره المعتاد الذي يتماشى مع طبيعته كنظام فاشي مستبد؛ ولكني أحملها كذلك للمعارضة التي اختارت العيش بهذا التشرذم وغياب الرؤية والقيادة وإفلاس الأفكار والمشاريع".


وأكد أن "محنة الثورة المصرية ليست بالسيسي ونظامه فحسب؛ ولكن بالنخب المتصدرة للمعارضة"، مطالبا إياها بـ"الإستقالة بعد فشلها بتحقيق أي إنجاز بالسنوات الست الماضية".


ويرى الناشط خالد فؤاد، أن الاعتقالات التي قام بها النظام الثلاثاء، لمجموعة من رموز المعارضة اليسارية والليبرالية مع توجيه اتهامات لهم بالتعاون مع الإخوان يقصدها النظام تحديدا وتحمل رسالة مباشرة منه لكل القوى المدنية.


فؤاد، أوضح عبر "فيسبوك"، أن النظام يدرك أنه بعد وفاة مرسي ستزداد احتمالات اقتراب القوى السياسية باختلاف أطيافها، ومن هنا تأتي الاعتقالات والاتهامات الموجهة برسالة مباشرة من النظام لجميع القوى المدنية بأن أي تحركات أو تفاهمات أو تحالفات مع الإخوان على ضوء مرحلة ما بعد مرسي ستقابل برد فعل عنيف وقاس من النظام.