مقالات مختارة

في «ورشة المنامة» لا أحد يضع الكوفية الفلسطينية

1300x600

«كيف يمكن لأحد أن يصدق أن من يفرض علينا حصارا اقتصاديا ويمنع عنا أموالنا، بات يرغب في دعوة دول العالم إلى ورشة اقتصادية هدفها جمع الأموال لمساعدتنا؟» (..) إسرائيل والولايات المتحدة هما أساس المشكلة التي تدعيان بأنهما ترغبان في حلها».

هكذا تساءل محمد اشتية رئيس الوزراء الفلسطيني عن الجدوى الحقيقية من وراء الاجتماع الذي بدأ أمس في البحرين بغرض البحث في مساعدات اقتصادية للفلسطينيين والدول المحيطة باعتبار ذلك الجزء الاقتصادي من تصور واشنطن للتسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. واختتم اشتية مقابلته مع شبكة «سي.أن.أن» الأمريكية بالقول إن «الفلسطينيين لا يبحثون عن رغيف خبز إضافي، بل عن الاستقلال وإقامة دولة مستقلة وإنهاء الاحتلال».

سواء كانت ورشة المنامة «ناجحة» كما تنبأ لها جاريد كوشنير مستشار الرئيس الأمريكي، أو هي بالعكس تماما «ولدت ميتة» كما قال نبيل أبو ردينة المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية، فإن أخطر ما أعلنه كوشنير لقناة «الجزيرة» هو قوله إنه «إذا تم التوصل إلى تسوية فلن يكون ذلك على أساس المبادرة العربية. بل سيكون في موقع ما بين المبادرة العربية والموقف الإسرائيلي».

هنا نحن أمام وضعية جديدة بالكامل لم يسبق للإدارة الأمريكية أن تجرأت عليها خاصة وأن مبادرة السلام العربية التي أقرتها القمم العربية والإسلامية أصبحت جزءا من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1515، وتعتبر «خطا أحمر لا يمكن لكوشنير أو غيره إعادة صوغها نيابة عن القمم العربية والإسلامية» وفق ما جاء كلام أبو ردينة الذي اعتبر أن «فلسطين لم تكلف أحدا التكلم باسمها».

أخطر ما يمكن أن يحصل في «ورشة المنامة» التي هي عبارة عن حفل زفاف لا يحضره المعني بالحفل أصلا، سواء كان العروس أو العريس، كما قال ساخرا أحد المعلقين الإسرائيليين، ليس أن تعلن واشنطن، بالتنسيق الكامل مع إسرائيل طبعا، خطتها للتسوية المعروفة إعلاميا بـــ «صفقة القرن»، ولكن أن تتبرع الدول العربية بمسايرة هذا التصور سواء بالموافقة العلنية أو السرية، الضمنية أو المباشرة، لأنها بذلك تكون في وضع بالغ السوء فهي لا تكتفي وقتها بمخالفة ما سبق أن تبنته ووافقت عليه، هي نفسها، في إطار الجامعة العربية منذ سنوات وإنما تتقدم خطوة إضافية، نوعية في سوئها، بالموافقة على شيء نيابة عن الفلسطينيين وقيادتهم بدون رضى منهم ولا تفويض.
هذا بالضبط ما كان حذّر منه الدكتور صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية عندما صرح بأنه إذا كان لبعض العرب أن يقدموا تنازلات فليقدموها من حسابهم وليس من حساب الفلسطينيين. إذا ما فعلوها، وقد يفعلها بعضهم فعلا ضمن سياق سياساته الأخيرة الطائشة، فإنهم بذلك إنما ينتقلون من مربع خذلان الفلسطينيين في السنوات الماضية إلى مربع الوقوف ضدهم بالكامل.

عندما قدم الملك الراحل فهد بن عبد العزيز في قمتي فاس الأولى والثانية مبادرته للسلام لم يحصل ذلك إلا بتنسيق مسبق مع الفلسطينيين حتى أنه لما طلع أحد القادة منتقدا إياها اتصل الملك فهد بالراحل ياسر عرفات معاتبا، على ما روى بالتفصيل نبيل عمرو في كتابه الجميل «ياسر عرفات وجنون الجغرافيا». كذلك عندما وافقت القمة العربية في بيروت عام 2002 على مبادرة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز لتصبح رسميا «مبادرة السلام العربية» فإن ذلك تم بالتنسيق مع الفلسطينيين وبموافقتهم. كانت مبادرة الملك فهد تنص ضمنيا، لا نصا، على الاعتراف بإسرائيل مقابل قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس لكن مبادرة السلام العربية مضت إلى ما هو أبعد من ذلك بالحديث عن تطبيع عربي كامل مع إسرائيل مقابل السلام الشامل وقيام الدولة الفلسطينية، وكلاهما تبناه الفلسطينيون ودافعوا عنه.

الدولتان العربيتان الأكثر حماسة للتصور الأمريكي الحالي للتسوية هما السعودية والإمارات وهما أول من أعلنا المشاركة في «ورشة المنامة» فيما اختارت البقية الصمت أو الغموض أو البحث عن أعذار وتبريرات من هنا وهناك، ولكن في كل الأحوال ليس من حق هذين الدولتين أو مصر أو الأردن أو أي دولة أخرى أن تتعهد بأي شكل من الأشكال بأي شيء يتعلق بالفلسطينيين دونما تفويض منهم أو تنسيق أو موافقة.

من حق أي دولة أن تشارك أو تقاطع وأن تنخرط كما يحلو لها في المشاريع الأمريكية بالشكل الذي ترتضيه أو يخدم مصالحها القُطرية الضيقة ولكن ليس من حق أي منها أن تضع الكوفية الفلسطينية على رأسها وتقرر نيابة عن الفلسطينيين لا جزئيا ولا كليا.

في أحد الاجتماعات الأمريكية – الفلسطينية، طرحت فكرة ما على الرئيس عرفات فلم يستسغها فرد بالقول: سأستشير الجنرال فارس عودة. حار الأمريكيون من يكون هذا الجنرال الذي لم يسمعوا باسمه قط والذي يعود إليه عرفات قبل الرفض والقبول… ليتضح لهم لاحقا أنه اسم ذلك الطفل الذي وقف أمام دبابة الاحتلال الإسرائيلي «الميركافا» يرشقها بالحجر في الانتفاضة الأولى عام 1987!!

عن صحيفة القدس العربي اللندنية