أفكَار

هل أخضع ابن سلمان العلماء والدعاة إخضاعا تاما لسلطته؟

بعض الدعاة شاركوا في البرامج التي أطلقتها السلطات- جيتي

بعد عامين من تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، وبعد سياسات وفعاليات هيئة الترفيه المتلاحقة والتي توصف في أوساط المعارضين السعوديين في الخارج بأنها "انسلاخ" من نسق التدين الملتزم الذي خيم على المملكة طوال العقود السابقة، تثور أسئلة كثيرة حول صمت العلماء المطبق إزاء تلك السياسات والفعاليات والقرارات. 

ووفقا لمراقبين فإن من اللافت جدا غياب صوت العلماء والدعاة عن استنكار تلك المنكرات الكبيرة، وهم الذين لم يكونوا يحتملون السكوت على منكرات صغيرة، فما الذي حدث لهم؟ وما الذي تغير فيهم؟ وهل أخضعهم ابن سلمان إخضاعا تاما لسلطته بالقوة والإكراه، فاستسلم الجميع لرغباته وسياساته؟.

يُرجع الأكاديمي الشرعي السعودي، الدكتور سعيد بن ناصر الغامدي أسباب صمت العلماء والدعاة على "منكرات هيئة الترفيه في المقام الأول إلى الممارسات القمعية الشديدة، التي جعلت الناس يعيشون في رعب، يضاف إلى ذلك أن تجربة السعوديين في المعارضة صفر، وشراء الذمم موجود، وأعلام الوعي والتوجيه في السجون، والعلماء عاجزون تماما".

وأضاف الغامدي الذي يقيم حاليا في أوروبا: "ونتيجة ذلك باتت واضحة كما نراها اليوم، مفاسد ممنهجة ومقصودة ومستمرة ما لم يحدث شيء يمنع من استمرارها" منوها بأن "حياة الدعة أوجدت في النفوس أنانيات متفاقمة".

وتوقع الغامدي في حديثه لـ"عربي21" عدم استمرار الأمر هكذا طويلا، مشيرا إلى "وجود أنباء وبوادر تبعث على الأمل.. خاصة بعد انكشاف مستور النظام في استهداف أخلاق الناس وهويتهم وقضية فلسطين" على حد قوله.

ولفت إلى أنه "لا يصح أن يقيم الوضع في الداخل بناء على تدوينات أو مقالات المطبلين؛ لأن المكبلين هم الكثرة الكاثرة، ومع ذلك فنحن نلمس زوال أعراض الوهن تدريجيا، إذ الاحتقان الاجتماعي والسياسي داخل البلاد على أشده، ينطبق عليها تماما ما قاله الشاعر : أرى تحت الرماد وميض نار ** ويوشك أن يكون لها ضراما".

وردا على سؤال حول سر سطوة ابن سلمان وقدرته على إخضاع العلماء والدعاة لسلطته إخضاعا تاما، إضافة لحالة القمع الشرس المتفشية ذكر الغامدي أن "طبيعة الملكية استبدادية قمعية، وقد صبغت المجتمع بتبعية عمياء، وبتأييد للأسف من علماء ودعاة كانوا يظنون أن الدولة حامية حمى الإسلام ، والمدافعة عن الهوية والأخلاق".

 

إقرأ أيضا: الكلباني يطالب بإزالة الساتر بين الجنسين في المساجد (شاهد)

وواصل شرح فكرته: "ربما كانت للدولة في العقود السابقة قدرة على إقناع الناس بذلك عمليا أو شكليا، أما الآن فقد تجردت من أسس مشروعيتها، واستعملت أسلوب الإمبراطوريات البائدة (الذهب والسيف)، وبهذا أخضعت العقول قبل الرقاب".


وأشار الغامدي إلى أن "ابن سلمان ووالده يستمدان قوتهما من أمريكا، وبالذات من إدارة ترامب واللوبي الصهيوني والكنائس الإنجيلية، وبإنفاق الثروة المالية المنهوبة من مال الشعب أو من تجار البلد، ثم من رمزية الحرمين الشريفين الذين يستند إليهما في توطيد مكانته" مؤكدا أن "الأهم من ذلك كله جهل عامة الناس بما يحاك ضدهم، وعجز العلماء والنخب عن فعل داخلي مؤثر". 

من جهته قال الأمين العام المساعد لتيار أهل السنة في لبنان، ربيع حداد "بعد حملات اعتقال العلماء والدعاة في السعودية، غالب من بقي خارج السجون هم من علماء السلطان الذين يبررون له كل شيء، طلبا للمنفعة، وحرصا على الأطماع الشخصية في المناصب والأعطيات، أو خوفا وهلعا مبررين ذلك بالمصلحة أو التقية".

وأردف حداد في إجابته عن سؤال "عربي21": هل أخضع ابن سلمان العلماء والدعاة إخضاعا تاما له بالقوة والإكراه، فاستسلم الجميع له "المشهد يوحي بذلك تماما، فمن إمام حرم يلهو بألعاب الكوتشينة، ويفتي يجواز الرقص والغناء إلى عالم كان يخضل لحيته من كثرة بكائه رفع "ولي أمره ابن سلمان" إلى مصاف الصحابة بل الأنبياء". وفق عبارته.

بدوره لفت الباحث الشرعي اليمني، عادل الشعيبي إلى أن "للسعودية خصوصية قد لا توجد لغيرها من الدول، فالدولة تدر على العلماء والدعاة أموالا طائلة، ما يجعل تفكيرهم في شيء قد يغضب الدولة، ولو على المدى البعيد أمرا غير وارد".

ورأى الشعيبي الذي أقام في السعودية لسنوات طويلة أن ما أقدمت عليه السعودية من اعتقال العلماء والدعاة وتغييبهم في أقبية السجون، وإلباسهم لباس الذل والمهانة بعد العز والجاه وسعة العيش، إنما أرادت به أن يكون عبرة لغيرهم من العلماء في الخارج".

ولاحظ الشعيبي في حديثه لـ"عربي21" أن تلك السياسات والتوجهات ساهمت في تشكيل ذلك النمط من التدين الذي يعترض على كل شيء إلا الشيء الذي يغضب السلطة الرسمية، ولو كان من أنكر المنكرات، وأما ما يخص منكرات هيئة الترفيه فهي مؤسسة رسمية، ومن المعروف أن المؤسسات الرسمية في السعودية فوق النقد والتقييم، بل فوق النصح المجرد، لا سيما المؤسسات الدينية الرسمية".

وتمنى الشعيبي في ختام حديثه "لو أن الأمر وقف عند السكوت لكان هينا، فإن سياط السلاطين تخرس الألسنة، لكنه تعدى ذلك إلى تشجيع أعمال  هيئة الترفيه من قِبل شخصيات دينية لها حضورها وتأثيرها في السعودية، وليس هذا فحسب، بل وصل الأمر إلى مشاركة بعض الشيوخ في منكرات الهيئة مشاركة مباشرة".