قضايا وآراء

الحل الأفريقي في السودان

1300x600
يمر السودان بواحدة من أشد مراحل تاريخه الحديث حساسية، في وقت يمر العالم العربي فيه بأكثر لحظاته انحدارا وقسوة. فالدول العربية التي تقود مخطط الفشل في ملفات اليمن وليبيا وسوريا ومصر والعراق تريد أن تضم السودان إلى قائمة فشلها، والتدخلات الرسمية الإماراتية والسعودية والمصرية في هذا الملف واضحة للعيان، ودورها السلبي أوضح من ذي قبل.

لو خلصت نوايا أي من هذه الأنظمة، لأرسلت مسؤوليها في وضح النهار؛ يحاولون التوفيق بين الفرقاء السودانيين، كما فعل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في الخرطوم؛ لقاءات معلنة مع الثوار والمجلس العسكري، وأفكار عن حلول سياسية لتجاوز الأزمة الحالية.. لم ترسل إثيوبيا وفودا أمنية تحت جنح الظلام، ولم تستدعِ قيادات المجلس العسكري إلى عاصمتها لتتبع سياسة العصا والجزرة معهم. التدخل الدولي الإيجابي في الأزمات طريقه واضح ووسيلته واضحة، وكذلك التدخل السلبي.

أثناء كتابة هذه السطور، كان هناك تقدم في جهود الوساطة التي يقودها رئيس الوزراء الإثيوبي بين الطرفين، واقتراحه بأن يتم تقاسم السلطة في المجلس الرئاسي. وإذ نتمنى أن تسفر هذه الجهود عن حل حقيقي، إلا أن الخبرات السابقة في مثل هذه المواقف لا تقول ذلك. فجهود الوساطة بطبيعتها جهود ناعمة تسعى لتقريب وجهات النظر في الظروف الطبيعية بين فرقاء متساوي الرؤوس غالبا، أما في زمن الثورات والدماء، فالكلمة العليا تكون دائما للقوى الخشنة ممثلة في المال والسلاح، أو وسائل الضغط الدبلوماسي الكبيرة. هذا درس مهم من الجهود الدبلوماسية في ليبيا وسوريا واليمن، وفي مصر قبيل فض رابعة.

ليس لدي شك في أن الحل الأفريقي، ومن إثيوبيا تحديدا، هو أوفر الحلول حظا لحلحلة الوضع المتأزم في السودان لعدة عوامل؛ أولها تجربة آبي أحمد في إنهاء الحرب في إثيوبيا وقيادة مصالحة تاريخية، وثانيا مصلحة إثيوبيا كجارة للسودان ستتأثر ولا شك إذا انزلق الوضع إلى حرب أهلية شاملة، وثالثا وضع إثيوبيا كدولة ذات هوية أفريقية وإسلامية مركبة؛ تلقى قبولا لدى الشارع السوداني.

كل هذه العوامل تحتاج إلى قوى خشنة لتضمن لها النجاح، وهذا لا يأتي إلا إذا استخدمت إثيوبيا ورقة المياه مع السودان، أو تدخل الاتحاد الأفريقي بتشكيل فريق دولي لدعم الحل السياسي في البلاد برعاية دولية؛ تضم دولا مثل تركيا والاتحاد الأوروبي لتحقيق توازن في تشكيل الفريق، مع وعود بدعم مالي وسياسي إذا نجحت تجربة الانتقال الديمقراطي.

إن قوى الثورة السودانية، وعلى رأسها قوى الحرية والتغيير، ليس لديها من القوة سوى الضغط الشعبيكي ترغم المجلس العسكري على تلبية مطالب الثورة، ولذا كان المجلس حريصا على كسره في عملية فض الاعتصام. ولا شك في أن دعوة العصيان المدني، كوسيلة تصعيد، وجدت آذانا صاغية عند كثيرين من أبناء الشعب السوداني. لكن ستظل هذه الضغوط مؤقتة ويصعب أن تستمر رغم أهميتها.

كما استطاعت قوى الثورة توحيد الشعارات حول فكرة المدنية مقابل العسكرية، في تطور ملحوظ وهام للنضال العربي من أجل الحرية، فإنها قادرة على صياغة خطاب دبلوماسي يقترب من الدائرة الأفريقية بكل مكوناتها ويستدعيها للمشهد السوداني، وذلك كي تدير عملية تفاوض ناجحة برعاية هذا المكون الأفريقي، مثلا في إثيوبيا والاتحاد الأفريقي وغيرها من الدول الأفريقية ذات التجارب المشابهة، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن قشرة الشرعية التي حاول المجلس العسكري أن يتدثر بها في الفترة الماضية قد زالت مع تورطه في دماء المعتصمين في شهر رمضان. وليس القتل وحده هو المشكلة، ولكن عملية الفض التي تمت بطريقة بدائية عبّر عنها دبلوماسي مصري لم يكشف عن هويته، في تصريح لموقع مدى مصر: نتمنى أن لا تكون الخرطوم 2019 هي القاهرة 2013. فالدروس كثيرة، والفرص لا تزال متاحة.