كتاب عربي 21

عسكرنا وعسكر السودان.. وعرق العسكر الدساس!

1300x600
لا جديد تحت الشمس، مع فض اعتصام الثورة السودانية بقوة السلاح!

لا جديد تحت الشمس، فقد قرر العسكر في السودان إغلاق مكتب قناة الجزيرة، وكان معلوماً للكافة أنه بقرار الإغلاق قد أفصح العسكر عما بداخله، وأن قرار الفض قد أتخذ تمهيداً لأن يكون الحكم قبضته!

الجديد، أنه في كل مرة تبدو القوى المدنية ساذجة، حد أنها لا بد أن تمر بالتجربة ذاتها، فيمر الإخوان المسلمون بتجربة مع العسكر، يدفعون ثمنها من "لحم الحي"، ثم يظنون أن الدنيا تغيرت، فيعودون للثقة في العسكر من جديد، فيكون الدرس أكثر قسوة، ويذوق الآخرون من العسكر الحنظل، ثم يخرجون ليطالبوه بإسقاط الحكم المنتخب، ظناً منهم أن "الحداية" تحدف "كتاكيت"، فتكون التجربة وبالاً على الحياة السياسية!

وبعد ذلك يأتي السودانيون، فيظنون أن العسكر عندهم مختلفون، فيضعون فيهم ثقتهم كاملة، مع أنهم تواصلوا مع دوائر الثورة المضادة في الإقليم، من محمد بن زايد، إلى عبد الفتاح السيسي، إلى سلمان ونجله. ومع كل هذا، فقد سيطر على ممثلي الثورة، حسن الظن، بل منهم من ذهبوا إلى سفارات الثورة المضادة، محلقين ومقصرين، وهم يعتقدون أن "الحداية" أيضاً يمكن أن تسقط عليهم كتاكيتا، مع أن الجنين في بطن أمه يعلم أن "الحداية" طائر تخصص في خطفها!

عندما غلبت على القوى المدنية في مصر شقوتها، واستدعت القائد العسكري لإسقاط حكم الدكتور محمد مرسي، لم يكن العسكر اختراعاً، فقد جربناهم في الحكم المباشر على مدى عام ونصف العام، وخرجنا نطالب بسقوط حكم العسكر، مما أجبرهم على تحديد موعد إجراء الانتخابات الرئاسية. وفي السودان طالبت قوى المهنيين بالحكم في حماية الثورة، ولمدة أربع سنوات، وقد قبلوا شراكته في حدود، فمن أين جاءتهم الثقة في هؤلاء العسكر، حد تصور أنهم قد يقبلون بشريك لهم في الحكم، أو أن يتحولوا إلى "قوة حماية" تمكن الاستئصاليين من قطع دابر خصومهم السياسيين. والانقلابات العسكرية يعرفها السودانيون كما يعرفون أبناءهم، ومع كل انقلاب تتغير الأيديولوجيا، ولا تتغير السمات الرئيسة للعسكري، سواء آمن أم كفر، وسواء كان شيوعياً أو كان إسلامياً.. "تشابهت قلوبهم". ولا تحدثني عن تجربة سوار الذهب، فقد كانت استثناء يُحفظ ولا يقاس عليه.

لقد لعب العسكر في السودان، على الخلاف القائم بين القوى المدنية. إنهم (يا إلهي) لم يأتوا بجديد، فقد فعلها العسكر في مصر، حيث مشوا بين القوى السياسية بالنميمة واستفادوا من خلافاتهم، فيتغير العسكر، ولا يغيرون منهجهم. كما أن القوى السياسية أيضاً لا تتغير، وهي ثابتة على المبدأ، المتمثل في السذاجة المفرطة، حد الاعتقاد أن "الحداية يمكن أن تلقي كتاكيت"!

كانت دعوة قوى التغيير للأسف استئصالية، وقد استقووا بالعسكر، وسمحوا لهم بتمرير أنهم جزء من الثورة، تماماً كما فعل عسكر مصر بإطلاق الأساطير حول حمايتهم للثورة، ووقت الحساب، فإن من قال إنه حمى الثورة أراد ركوبها منفرداً، بموجب هذه الحماية. وفي السودان حدث الشيء نفسه، فقال نائب الحاكم العسكري: لولانا لبقي البشير في الحكم!

فالعسكر في مصر، كما العسكر في السودان والجزائر، رأوا أن الثورة قد ارتقت بهم من مجرد فرق حماية للاستبداد، لصدارة المشهد، ومن الهامش إلى المركز، ومن الخدمة في البيوت إلى أن يكونوا هم أصحاب هذه البيوت، فاعتبروها رمية بدون حول منهم ولا طول، للاستيلاء على الثورة، دون السماح للثوار أنفسهم بأن يشاركهم في شيء من عرض الحكم. ألم يقوموا بحماية الثورة؟!.. وكأن الثورات تقوم لتدوير الاستبداد!

كلما أصرت قوى الحرية والتغيير على أن تمنع المجلس العسكري، من الاستيلاء على الثورة والحكم، تم استدعاء قوى إسلامية للتخويف والزجر. وبعد رحلة قام بها قائد العسكر ونائبه، لعواصم الثورة المضادة في الإقليم (القاهرة- أبو ظبي – الرياض)، كان التوجيه العام بفض الاعتصام بالقوة، وهو ما كان متوقعاً ومنتظراً، بحسب المقرر الدراسي الوحيد للعسكر. وقال "حميدتي" إن الحكومة المدنية ستؤدي إلى الفوضى، فحتى ما كان مفروغا منه بأن تكون الحكومة مدنية، تم العدول عنه، فات المرجف فينا أنهم هم الفوضى!

لقد استيقظنا اليوم على القيام بفض الاعتصام بالقوة، وتم قتل حوالي ثلاثة عشر سودانياً، غير المصابين. وفي ظل حكم البشير وعندما قامت قوات الدعم السريع بالاعتداء على الثوار، كان قرارهم بالاعتصام أمام مقر قيادة الجيش، وقد أظهر الجيش رفضه للاعتداء على الشعب، ولم يعلم السودانيون أن هذا الصراع الطبقي بين الجيش وما عداه من قوى أمنية، قد سقط، وتم تذويب "الفوارق بين الطبقات".. لقد تمت ترقية "حميدتي"، إلى رتبة الفريق، وصارت مليشياته جزءا من الجيش، وصار هو والقائد العسكري "البرهان" يوجد بينهما ما يجمعهما، فالدنيا حلوة خضرة، والسلطة تستحق!

إن "البرهان" الذي أدى التحية العسكرية لقائد الثورة المضادة في مصر الجنرال عبد الفتاح السيسي؛ لا يمكن أبداً أن ينحاز للثورة أو للإرادة الشعبية!

لقد وقع ونائبه تحت سيطرة وحماية قوى الشر في المنطقة، فكان طبيعياً أن يكون قرار الفض بالقوة، ليتمكن العسكر من بسط قوته، وباعتباره الخيار المطلوب أيضاً غربيا.، ولم يكن مفاجأة أن أول قرار غربي بإدانة ما جرى كان من الخارجية الألمانية، بعد أكثر من عشر ساعات من وقوع المجزرة. فالغرب ينتظر نجاح العسكر في هزيمة الثورة؛ لأنها الخيار الأفضل للحفاظ على مصالحه في المنطقة!

لكن فات القوم أنه ليس في كل مرة تسلم الجرة. إن التجربة السودانية بعد التجربة المصرية، ومن هنا هي أكثر وعياً، وإن تصور الثوار في السودان أن الحداية يمكن أن تلقي كتاكيت، كما تصور السذج في مصر ومن كل القوى السياسية، فإن أثر هذا لن يمتد سودانياً إلى حد إنهاء الثورة والتسليم للقوة الجبرية!

فالثورة مستمرة، ولن تنجح المليشيات التي ألحقت بالجيش السوداني في أن تسقطها بما يسمح لمحمد بن زايد أن يحكم السودان، وبأن يتحول العسكر إلى وكلاء له، يسهرون على مصالحه، كما عسكري القاهرة.

اليوم يئس العسكر من ثورتكم.

الثوار السودانيون لن يشربوا الكأس حتى الثمالة، والآن وقفوا على أن العرق دساس، فليس هناك استثناء!

وسوف يسقط السودانيون حكم المليشيات، وإن تعلقت في أستار البيت الأبيض!

انتهى الدرس أيها العسكري.