صحافة دولية

نيويورك تايمز: هذه قصة 7 سنوات في متابعة سجون الأسد

نيويورك تايمز: الأمر الجديد هو عنف الدولة العشوائي الذي تصاعد على مرأى من الجميع- جيتي

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للكاتبة آن برنارد، التي كانت مديرة لمكتب الصحيفة عندما اندلعت الثورة السورية، تتساءل فيه عن السبب الذي جعلها تقضي سبعة أعوام في توثيق السجون السرية للنظام السوري. 

 

وتقول برنارد في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إنها غطت في حينه الاعتقالات والمحتجين وقصص الاعتقال التي لم تكن جديدة، فهي ما كان يعرفها الجميع عن الحكومة وتصرفاتها. 

 

وتشير الكاتبة إلى أن "الجديد هو عنف الدولة الذي لم يميز، والذي كان يتصاعد أمام العين: أول قصف مدفعي، أول غارة جوية، أول مرة استخدم فيها السلاح الكيماوي، وركزنا اهتمامنا على جرائم الحرب الواضحة، التي شاهدناها بأنفسنا أو تم التثبت بها عبر الشهود والفيديو، ورأينا بشرة طفل معلقة على دراجة صغيرة، وبرك الدم في كافيتريا جامعة دمشق، ويد طفل ممسكة بحقيبة كتب منفصلة على الجسد". 

 

وتبين برنارد أنه "بالمقارنة، فإن عمليات الاعتقال والتعذيب كانت تتكشف سرا في أقبية السجون، وسجلت في عقول الناجين، وصدم الكثيرون ويخافون الحديث". 

 

وتجد الكاتبة أنه "مع تراكم عدد المعتقلين، ومرور السنين، يبدو أن الأدلة قد نضجت، مثل طبقات من ورق الأشجار الميت تحول إلى تراب قابل للاستخدام".

 

وتفيد برنارد بأنه بدا واضحا أن النظام قد توسع، مشيرة إلى أنها تحدثت إلى مئات من السوريين والناشطين في المعارضة، لدى معظمهم أقارب "اختفوا" في السجون الأمنية. 

 

وتلفت الكاتبة إلى أنها بدأت مع الشهود بالاستماع إلى روايات التعذيب والإهمال، وكانت قصصا غير قابلة للتصديق، وبعد فترة وجدت الكاتبة أن الناس بدأوا في الثقة فيها لحكاية قصصهم، واستمعت للتفاصيل الدقيقة كلها عن الاعتقال وأساليب التعذيب والاعتراف، التي فرضت عليهم، وكانت "هناك ساحات كبيرة مليئة بالمعتقلين، وكأن سوريا معتقلة بالكامل"، كما قال ناج. 

 

وتقول برنارد: "بدأت بعض الصور تلاحقني، سجين أغلق عليه وحيدا مع جثة متعفنة لمدة طويلة، وأصبح يهلوس وكأن الجثة تتحدث إليه، معتقلون علقوا لساعات من يد واحدة في شاحنة لنقل اللحوم، حيث سارت على طريق غير معبد، ومحقق يتوقف عن التعذيب للحديث بعذوبة على هاتفه النقال مع طفل صغير، وشاب يموت ببطء بعد معاناته من الألم عندما رش الحراس الكاز على بطنه وحرقوه، وتم إجبار محام على أكل برازه". 

 

وتنوه الكاتبة إلى أن "التعرف على نظام السجن كان مستحيلا، ولم تمنح الحكومة تصاريح إلا لزيارات مقيدة جدا، وفي عام 2013 حصلت على تصريح دخول مركز أمني عندما أخذني رجل أعمال مقرب من النظام وفريقي لمقابلة السجناء، الذين قال إنهم مقاتلون أجانب، ما يثبت أن المعارضة للنظام السوري ليست محلية، بل يدفعها التطرف الإسلامي الخارجي". 

 

وتقول برنارد إنها "كانت أكثر اللحظات إثارة للتهديد من الناحية الأخلاقية بصفتي صحافية، وكان هناك صف من السجناء مشوا أمامي منحنين ومقيدين، وجلسوا أمامي، وكانت خلفي صورة لحافظ الأسد".

 

وتذكر الكاتبة أنها وزميلتها هويدا سعد، أخبرتا السجناء أنهما صحافيتان مستقلتان، ويمكنهم قول ما يريدون، و"في الحقيقة لم يكن هناك مجال ليتحدثوا بحرية"، واكتشفت برنارد أن السجناء هم سوريون، وحكوا القصة ذاتها، ولم تكن لديهم آراء سياسيةـ وتعرفوا على رجال دين دون معرفة سابقة، ومنحوهم المال للقيام بأعمال عنف.

 

وتشير برنارد إلى أن واحدا لم يلتزم بما طلب منه، فهو بائع جوز من حي للطبقة العاملة، ورد على سؤال حول ما يعنيه "من أجل الحرية"، قائلا إنه "يريد التصويت في انتخابات حرة".

 

وتقول الكاتبة: "شعرت بالقلق لما حدث له بعد ذلك"، وتركت السجن تشعر وزميلتها بالصدمة، فيما سخر المرافق الأمني منهما، قائلا: "هل تشعران بالأسف لهم؟". 

 

وتقول برنارد إنها ضاعفت التغطية بعد زيادة حالات الاختفاء والمحاكمات الهزلية، فيما وثقت منظمات حقوق إنسان أدلة جديدة عن التعذيب، مشيرة إلى أن منشقا باسم قيصر هرب حاملا معه صورا لسجناء تم تجويعهم وماتوا، وصور جثثهم. 

 

وتبين الكاتبة أنه "بصعود تنظيم الدولة عام 2014، ارتكب جرائم واختطف وقتل الأجانب، واسترق النساء بهدف الترويع، وفي المقابل فقد اتخذ الأسد نهجا مختلفا مبقيا على نظام التعذيب سرا، مؤكدا أنه يحكم بالعدل والقانون، وأنه حاجز ضد تنظيم الدولة البربري". 

 

وتورد برنارد نقلا عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، قولها إن عدد الذين قتلوا واختفوا عند تنظيم الدولة، وبناء على معلومات جمعت من بياناته، لا يتجاوز 5 آلاف، مقارنة مع عدد الذين اعتقلتهم الحكومة وانتهكوا جنسيا، الذي وصل إلى 127 ألف شخص، و"يظل التقديران غير دقيقين". 

 

وتقول الكاتبة إن الفرصة سنحت لها عام 2016 لتوجيه السؤال مباشرة إلى الأسد، خاصة بالنسبة للسجناء الذين لم يرتكبوا جرما، وكرر الأسد بأن الموجودين في السجن كلهم ارتكبوا جرائم، وأن هناك نظاما للعدل فعالا.

 

وتفيد برنارد بأنها سألته عن سجناء بأسمائهم اختفوا بعدما اعتقلتهم القوات الأمنية، مثل عادل البرازي، وهو قريب لصديق من أصدقائها، وظلت عائلته تسأل السلطات عن مصيره لأكثر من 4 أعوام، وعندها بدا الأسد حساسا، مشيرا إلى أن العائلة ربما كانت تكذب، أو أن عليها مواصلة السؤال عنه، مع أن عائلات المعتقلين سجنت لأنها تجرأت على عمل هذا الأمر، وقررت البحث أبعد من مجرد السؤال. 

 

وتبين الكاتبة أنه "مع مرور الوقت صار من الممكن التأكد من قصص الناجين، رغم تزايد عدد المعتقلين والمختفين، ودفعت الشهادات عن الاغتصاب والسادية آخرين للتقدم والحديث عن تجاربهم"، مشيرة إلى أنها قضت هي وزملاؤها أسابيع في ألمانيا ولبنان وتركيا وهي تستمع لشهادات الناجين الرهيبة والتأكد منها. 

 

وتلفت برنارد إلى أنه في دوسلدوف تذكر معتقل سابق فقد عينه ما جرى لمساعدة الآخرين، وظل يتحدث حتى مع وصولها وزملائها إلى محطة القطار، وتعلمت طرقا جديدة للتحقيق مع الناجين من الصدمة، من زمالة قضتها في مركز دارت للصحافة والصدمة النفسية. 

 

وتنوه الكاتبة إلى أنه مع مرور الوقت ظهر سياق آخر، فالذين شاركوا في التظاهرات الأولى، وخاطروا في حياتهم لتحقيق الحرية والعدالة، بدأوا يركزون على التوثيق، مشيرة إلى أن المنظمات الدولية بدأت في دمج جهودها معها، ومنها المفوضية الدولية، التي غربلت أكثر من 800 ألف وثيقة من الوثائق الحكومية، ومنها وثائق تظهر مناقشات مسؤولي الأمن في عمليات التعذيب والإهمال داخل السجن. 

 

وتكشف برنارد عن أن من بين الوثائق تأكيد ما روته مريم خليف، التي قالت إنها تعرضت للاغتصاب على يد مدير التحقيق، ويذكر اسمها تقرير حكومي، فيما ذكر تقرير آخر اسم المحقق، مشيرة إلى أنها كانت واحدة من الصحافيين الذين تحدثوا مع قيصر عبر "سكايب"، وعلمت عن الوثائق والمذكرات التي هربها. 

 

وتختم الكاتبة مقالها بالقول إنها اختارت التركيز على الناجين، الذين تم التثبت من أقوالهم من ناجين مثلهم كانوا في مراكز الاعتقال ذاتها، ومن خلال الوثائق التي هربوها، أو تلك التي هربت من مكاتب الحكومة، و"قصصهم هي غيض من فيض".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)