قضايا وآراء

جدل "حراك رمضان" وحكومة الرزاز في الأردن

1300x600

بات متوقعا أن يبلغ الحراك الرسمي الحكومي والملكي الداخلي ذروته في شهر رمضان في ظل المخاوف الاقتصادية والاجتماعية المحلية التي تهدد بانفجار الاحتجاجات الشعبية من جديد؛ أو التداعيات السياسية الإقليمية الخطيرة المترتبة على صفقة القرن التي تهدد بتفاقم الضغوط الإقليمية والأمريكية على البلاد؛ ثنائية من الممكن أن تتفاعل مهددة بتفاقم أزمة البلاد بشكل يضعف مناعتها أمام الضغوط والتدخلات الخارجية.

 

إجراءات حكومية استباقية

مخاوف انعكست على شكل إجراءات اتخذتها حكومة الرزاز لمواجهة التحديات المتسارعة؛ إذ اتخذت الحكومة عددا من الإجراءات الاقتصادية قبيل شهر رمضان كان على رأسها الاتفاق مع بنوك على تأجيل تسديد أقساط السلف والقروض البنكية خلال شهر رمضان لتخفيف الأعباء عن المواطنين وتنشيط الأسواق المحلية.

إجراءات تزامنت مع موعد صرف الدعم المالي الحكومي المقرر "للخبز" على غير العادة قبيل شهر رمضان معززا بذلك حركة الأسواق؛ كما اتخذت الحكومة عددا من الإجراءات والقرارات من قبيل رفع أجور عمال الوطن في البلديات والإعلان عن تعيين أكثر من 300 سائق في أمانة عمان.

 

 

الانفتاح السياسي والإصلاح سيبقى الأساس الصلب والمستدام في مواجهة التحديات الاقتصادية والفوضى الإقليمية


الحكومة لم تكتفِ بذلك بل أصدرت قرارات بعدم قطع المياه عن المواطنين المتأخرين في سداد الفواتير خلال شهر رمضان، في حين أعلن نائب رئيس الوزراء رجائي المعشر عن النية لتخفيض أسعار عدد من السلع في الأسواق الأردنية؛ ومن المتوقع أن تستمر الحكومة في مفاجأة الشارع الأردني بعدد من الإجراءات المرتبطة بالأعباء الاقتصادية بشهر رمضان؛ فهواجس حكومة الرزاز حقيقية من تداعيات الأزمة الاقتصادية المتراكمة التي تهدد باحتمال تكرار الاحتجاجات الواسعة في حزيران رمضان 2018 التي أطاحت بسلفة هاني الملقي قائمة وإن كانت ضعيفة جدا هذا العام.

تحركات وإجراءات حكومة الرزاز اعتبرها أغلب المراقبين بأنها جهود تهدف للتخفيف من الأعباء الاقتصادية على المواطن الأردني في محاولة لاحتواء واستباق أي تحرك احتجاجي في الشارع، واعتبرها آخرون محاولة لتصليب الجبهة الداخلية والاستعداد لمرحلة ما بعد الإعلان عن صفقة القرن؛ فرغم الإجراءات الحكومية المعلنة إلا أن الهجوم على حكومة الرزاز تواصل من قبل عدد كبير من النخب والكتاب والقيادات السياسية.

 

شكوك نخبوية

استحقاق بدأت بعض الدوائر السياسية والنخب بمناقشته من جديد سواء عبر طرح مبادرات سياسية واقتصادية؛ أو عبر ممارسة نقد ممنهج لأداء حكومة الرزاز يركز على غياب خطة العمل المستدامة بهروبها نحو حلول إسعافية عرضة للتلاشي بفعل تآكل موارد الدولة وإمكانية تراجع حماسة الدول الداعمة.

ورغم شكوك النخب السياسية بفاعلية إجراءات حكومة الرزاز وسطحيتها؛ إلا أن وقع الإجراءات الحكومية على الشارع كان إيجابيا ومرحبا به؛ فما يعني العامة من الناس هو تخطي عتبة رمضان وما يعني التجار إنعاش الأسواق وتعويض جزء من خسائرهم خلال عام طويل من الركود؛ بشكل يسهم بتخطي عتبه الشهر الفضيل الاقتصادية والاجتماعية.

 

أثر صفقة القرن


تخطي عتبة الشهر الفضيل بات مدخلا إجباريا لتخطي عتبة جديدة متخلقة من إعلانات صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر المتكررة عن موعد الإعلان عن صفقة القرن والذي سيتبع شهر رمضان؛ فاتحا الباب لتصاعد الضغوط الأمريكية والإقليمية على المملكة الأردنية؛ عتبة تتطلب تخطي عتبة رمضان وهواجسها المحلية استعدادا لمرحلة تشتد فيها الضغوط والأزمات وتحول فيها المفاجآت إلى كوارث.

 

صفقة القرن ستقود حتما إلى إثارة الكثير من الفوضى الإقليمية في التحالفات والاصطفافات


خطوات الحكومة لم تَسِر بمعزل عن النشاطات الملكية في الساحة الداخلية الأردنية كان آخرها لقاء الملك عبد الله الثاني وولي عهده الحسين بفعاليات اجتماعية في محافظة المفرق شمال الأردن. وتركيز نشاط الملك عبد الله على الفعاليات الاجتماعية في مختلف المحافظات لدعم السياسات الحكومية من المتوقع ان يتواصل ويزداد كثافة وتفاعلا مع شهر رمضان؛ فالباب مفتوح للعديد من النشاطات على رأسها الإفطارات الرمضانية التي تستضيف الكثير من الفعاليات الاجتماعية والسياسية والتي استبقها الملك عبد الله الثاني بتغييرات هيكلية شملت العديد من المسؤولين في الديوان الملكي مؤخرا.
  
فصفقة القرن ستقود حتما إلى إثارة الكثير من الفوضى الإقليمية في التحالفات والاصطفافات؛ ومن الممكن أن تفتح الباب لمزيد من الفاعلية في المناورة لدى الحكومة الأردنية ما يدفعها للتركيز على تصليب سياستها الداخلية؛ إذ لن تقتصر الرهانات الأردنية على ردات الفعل والتفاعلات الإقليمية لصفقة القرن وسيتبعها انطلاق الحملات الانتخابية الأمريكية استعدادا للانتخابات الرئاسية ما سيزيد من قدرة عمّان للمناورة داخليا وإقليما وأمريكا وسيمنحها مزيدا من الوقت للمناورة.

رغم رهان عمّان على عنصر الزمن والقدرة على المناورة السياسية للتعامل مع الجدلية المعقدة بين المحلي والإقليمي؛ إلا أن الانفتاح السياسي والإصلاح سيبقى الأساس الصلب والمستدام في مواجهة التحديات الاقتصادية والفوضى الإقليمية والضغوط المرتبطة بالأزمة الاقتصادية والاجتماعية وصفقة القرن أيضا؛ فالمجتمع الأردني لازال يعيش حراكا داخليا لم يغب بالكامل عن المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي ولا يرحج أن يغيب أبدا.

ختاما: المفارقة الكبيرة في الإجراءات الحكومية أنها أثارت جدلا نخبويا كبيرا، فرهانات حكومة الرزاز على تخطي العتبة الاقتصادية الاجتماعية لشهر رمضان والدخول في عتبة صفقة القرن وتداعياتها الإقليمية والمحلية من الممكن أن تساعدها على التحرر من الضغوط السياسية والإرباكات الداخلية؛ إلا أنها لا تمثل حلا مستداما لأزمة اقتصادية عميقة وتحديات إقليمية متصاعدة؛ فمرحلة ما بعد الإعلان عن صفقة القرن ستكون أشد تعقيدا وأكثر خطورة على المشهد المحلي الأردني والإقليمي وتحتاج إلى تطوير حقيقي للمؤسسات السياسية خصوصا المدنية لتحسن من آداء وفاعلية الدولة الأردنية؛ القضية التي باتت محل الجدل في الساحة الأردنية وخصوصا في أوساط النخبة وقادة الرأي ومؤسسات المجتمع المدني بمختلف أطيافها؛ معادلة لازالت تطرح تساؤلات حول أهمية الإصلاح السياسي وضرورته في الساحة الأردنية، فهي العتبة العالية التي لازالت مستعصية في الأردن حتى اللحظة.