قضايا وآراء

انتخابات مبكرة نسبياً في إسرائيل

1300x600
تتجه إسرائيل الأسبوع القادم إلى انتخابات مبكرة نسبياً، يتنافس فيها، كما العادة في السنوات الأخيرة (وتحديداً منذ أن أسّس أرئيل شارون حزب كديما)، اليمين واليمين المتطرف، مع غياب جدّي للقضية الفلسطينية عن جدول الأعمال، بعدما باتت إدارة الصراع هي الأصل والقاعدة؛ بثمن أو أثمان مقبولة على الشارع الإسرائيلي المنزاح للتطرف بشكل مضطرد. أما المؤسف، فكان تفكك القائمة العربية المشتركة وتشكيل قائمتين قد تحوزا معاً نفس عدد مقاعد القائمة المشتركة تقريباً. هذا طبعاً في حال تجاوزت الموحدة والتجمع نسبة الحسم.

الانتخابات الإسرائيلية كانت مقررة في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، أي أنها ستجري قبل سبعة شهور فقط من موعدها الأصلي، ما يعني أن الحكومة الحالية أنهت تقريباً، أو كادت، فترتها القانونية، وهو ما لم يحدث أقله في العقود الثلاثة الماضية. فبعدما كانت الانتخابات تجري كل عامين خلال العقدين الأخيرين، باتت الآن تجري كل ثلاث سنوات تقريباً.

للتذكير، فقد تعاقب خمسة رؤساء وزراء على السلطة خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي، مقابل ثلاثة فقط خلال العقدين الماضيين. وبالتأكيد، نحن أمام استقرار سلطوي في إسرائيل؛ مرتبط مباشرة بتحوّل الليكود إلى حزب حاكم مع اندثار وانهيار حزبي كديما والعمل، وانعدام أي بديل آخر، وانزياح الشارع لليمين واليمين المتطرف، مع ترسيخ فكرة إزاحة القضية الفلسطينية عن جدول الأعمال، والاكتفاء بالحفاظ على الواقع الراهن الذي تدير إسرائيل عبره الصراع؛ دون تنازلات سياسية أو أمنية، وبثمن مقبول عموماً على الشارع الإسرائيلي وبالإمكان تحمله.

الأمر المهم الآخر هو كون التنافس يجري بين اليمين المتطرف، أي بين الليكود وحلفائه من الأحزاب القومية والدينية المتطرفة، واليمين الذي تمثله قائمة كاحول لافان (أزرق أبيض) وبقايا حزب العمل، بينما تمثل ميرتس وحدها اليسار، بالمعنى الإسرائيلي طبعاً، إضافة إلى الأحزاب العربية التي تتمثل بقائمتين هذه المرة، بعد تفكيك المشتركة.

هذا التغير السياسي الحزبي المهم والنوعي حصل منذ تأسيس أرئيل شارون حزب كديما في العام 2005، ما قذف بالليكود إلى مربع اليمين المتطرف، بينما تمركز حزبا كديما والعمل في مربع اليمين فقط.

بعد شعارات انتخابية فضفاضة وعامة في عامي 2001 و2003، عن تمكين الجيش من الانتصار، وعن شارون القادر وحده على جلب الأمن، فهم هذا الأخير أن من المستحيل هزيمة الفلسطينيين في الميدان، أو فرض حل سياسي عليهم على طاولة التفاوض التي لم يحبذها أصلاً، فقرر ترك الليكود وتشكيل حزب كديما من أجل الانفصال الأحادي عن الفلسطينيين وفك الارتباط معهم، والذي بدأ في غزة، وكان يفترض أن يمتد إلى الضفة الغربية بعد ذلك، غير أن مرضه ثم رحيله عن المسرح السياسي وعودة خلفه في رئاسة الحزب الحكومة، أهود أولمرت، إلى فكرة التفاوض مع السلطة الفلسطينية من أجل التوصل إلى اتفاق سلام نهائي، وحرب غزة الأولى 2008، كل هذا أسقط الفكرة الأحادية وكتب النهاية لها، حتى للحزب نفسه مع استقالة أولمرت فيما بعد، على خلفية اتهامه ثم محاكمته بتهم الفساد الاحتيال وخيانة الأمانة.

وبعد ذلك كانت القصة مسألة وقت فقط إلى أن يزول الحزب نهائياً ويترك الساحة لليمين المتطرف؛ لنتنياهو وحلفائه (ليبرمان وبينيت ثم الكهانيين الجدد في اليمين المتطرف بنسختيه القديمة والجديدة).

أما حزب العمل الذي قاد تاريخياً فكرة التفاوض مع الفلسطينيين، فتلقى ضربة قاصمة مع رفع زعيمه أهود باراك إثر فشل مفاوضات "كامب ديفيد" الثانية صيف العام 2000؛ شعار "لا شريك فلسطينيا"، من ثم جاء اندلاع الانتفاضة الثانية لتخرج الحزب من السلطة بشكل نهائي، بعدما عانى خلال العقدين الماضيين من غياب الفكرة الرؤية والقيادة، وعجز بالتالي عن بلورة بديل سياسي جدّي لليكود، وبات الآن في طريق الاندثار، حيث أن الاستطلاعات تتحدث عن نيله ثمانية مقاعد، إلى 10 في الحد الأقصى، وهو تحول فعلاً إلى ممسحة، كما وصفه ذات مرة أحد الساسة الإسرائيليين منذ سنوات، و إلى حزب يمين أيضاً، مثل كديما المندثر في أحسن الأحوال.

الفراغ الذي تركه حزبا كديما والعمل يحاول الآن أن يملأه التحالف المعارض الجديد (كاحول لافان) الذي يضم ثلاثة رؤساء أركان سابقين، وهو لم يطرح بديلا سياسيا جديا رغم حديثه عن إمكانية تنفيذ خطوات أحادية. ويتمثل هدف الحزب بالتخلص من نتنياهو الذي سئم منه الإسرائيليون، أو شرائح واسعة منهم، خاصة مع إعلان المستشار القضائي عن نيته تقديم لائحة اتهام ضده بتهم الرشوة وخيانة الأمانة.

وتحالف يضم الجنرال موشيه يعلون، صاحب مصطلحات "كي وعي الفلسطينيين" و"لا إمكانية لحل الصراع معهم، بل إدارته فقط"، وبوعاز هندل، كبير مستشاري نتنياهو، وتسفي هاوزر، سكرتير حكومته سابقاً.. هذا التحالف لا يمكن أن يكون يساريا أو حتى وسطيا. وقد خلا برنامجه السياسي من الحديث عن الدولة الفلسطينية، وحتى عن الفلسطينيين أنفسهم، بينما اكتفى زعيمه الجنرال بيني غانتس، الذي تباهى بالجرائم التي ارتكبها ضد غزة (حرب 2014) في خطابه الاثنين الماضي أمام منظمة إيباك في واشنطن، بترديد ما يوصف بثوابت الإجماع الصهيوني، المتضمنة القدس الموحدة كعاصمة لإسرائيل، ورفض الانسحاب من غور الأردن باعتباره حدود إسرائيل الشرقية، والاحتفاظ بالسيطرة الأمنية المطلقة في كامل فلسطين التاريخية، مع حديث عام عن التسوية والمفاضات.

كما قلنا سابقاً، فقد كان مؤسفاً تفكيك القائمة العربية المشتركة لدوافع شخصية فئوية ضيقة، مع ذلك، فإن المسألة أصبحت وراءنا، حيث تم تشكيل قائمتين (الجبهة مع الطيبي والموحدة مع التجمع) يفترض أن تحصلا تقريباً على نفس عدد مقاعد المشتركة في حالة تجاوزت قائمة الموحدة- التجمع نسبة الحسم.

ومع تفهم مشاعر الإحباط من تفكيك المشتركة، وحتى من أدائها نفسه خلال السنوات الماضية، إلا أن ذلك لا يجب أن يكون سببا لمقاطعة الانتخابات، بل للتدفق إلى الصناديق لإنجاح القائمتين، من ثم التفكير في الاندماج للتحول إلى قوة ساسية معارضة تخوض الصراع الماراثوني الطويل على المستويات كافة (السياسية القضائية والثقافية) في مواجهة الأحزاب الصهيونية المتطرفة الحاكمة.

عموماً، فالتنافس يجرى الآن بين اليمين المتطرف واليمين، والاستطلاعات تتحدث بشكل عام عن تفوق الأول واحتمال حصوله على نصف عدد مقاعد الكنيست على الأقل، حتى مع تفوق وتقدم تحالف أزرق أبيض (على الليكود) وحصوله مع حزب العمل على 44 مقعد ككتلة يمينية ، مع أربعة لميرتس، و12 تقريباً للقوائم العربية، هذا في حالة تجاوز الموحد- التجمع لنسبة الحسم طبعاً.

فرص نتنياهو هي الأقوى طبعاً لتشكيل الحكومة القادمة، ونظرياً يملك منافسه الجنرال يني غانتس فرصة فقط في حالة تقديم المستشار القضائي لائحة اتهام رسمية بحق نتنياهو، حيث ستزداد الضغوط عليه للاستقالة والرحيل عن المشهد السياسي، وعندها تتساوى الاحتمالات بين تشكيل حكومة وحدة وطنية بين أزرق -أبيض والليكود ، أو ائتلاف بين غانتس والأحزاب الدينية.

ومع تراجع فكرة الكتلة المانعة العربية كما حصل مع إسحق رابين مطلع التسعينيات، سيظل مطروحاً خيار الذهاب إلى انتخابات مبكرة تجرى أيضاً على أساس شخصي حزبي، بعيداً عن الصراع المركزي مع الفلسطينيين ، الذي لن يختفي ويزول على المدى الطويل، حتى لو نجحت إسرائيل في استغلال الانقسام الفلسطيني وهيمنة الثورة المضادة عربياً لإدارته بثمن متدن مقبول ومحتمل عليها، على كل المستويات، السياسية الاقتصادية والأمنية أيضاً.