سياسة عربية

لماذا حمى المصريون دستور 1923 وحارب الجيش دستور 2012؟

كان دستور 1923 أحد أقوى الدساتير المصرية - (موقع الرئاسة المصري)

أكد سياسيون ودستوريون أن ثورة 1919، التي يحتفل المصريون بمئويتها الأولى هذه الأيام، وضعت المبادئ الدستورية التي دعمت الحريات السياسية وتداول السلطة بشكل سلس، عندما خرج من رحمها دستور 1923.

وقد عرفت مصر خلال المائة عام التي تلت ثورة 1919، ما لا يقل عن عشرة دساتير، منها أربعة شهيرة، أبرزها دستور 1923 الذي ظل قائما حتى إلغائه على يد الضباط الأحرار عام 1952، باستثناء الفترة من 1930 وحتى 1936، التي تم فيها تعليق العمل به.

ووفقا للدراسات التي تناولت الدساتير المصرية، فإن دستور 1954، الذي أقره جمال عبد الناصر، نقل مصر من الملكية للجمهورية إلا أنه رسخ لحكم الفرد المطلق ، أما دستور 1976 فقد أراد به الرئيس أنور السادات، استعادة روح دستور الثورة الأول، بإقرار الديمقراطية وتنشيط الحياة النيابية، ولكن على أن يكون ذلك من عباءة حكم الفرد.

 

اقرأ أيضا: كيف تستفيد المعارضة المصرية من مئوية ثورة 1919؟

ويؤكد المختصون لـ"عربي21" أن ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، أعادت آمال المصريين في إقرار نظام دستوري ينظم العلاقة بينهم وبين الحاكم، إلا أن دستور 2012 الذي شهد صراعات سياسية ساخنة أثناء إقراره، لم يستمر أكثر من ستة أشهر، بعد تعليق العمل به، في الدقيقة الأولى للانقلاب العسكري ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي.

دستور الأشقياء

من جانبه يؤكد الخبير الدستوري الدكتور أشرف الأحمدي لـ"عربي21" أن دستور 1923، يعد استكمالا للدستور الأول الذي وضعه محمد شريف باشا بعد الثورة العرابية، ولكنه اختلف عنه في طبيعة تطور المرحلة التي تم صياغته فيها، والتي أعقبت الحرب العالمية الأولى وما نتج عنها من إعادة تشكيل النظام الدولي والإقليمي.

ويضيف الأحمدي قائلا: "ما يؤكد قوة دستور 1923 أن قائد ثورة 1919، كان ضد اللجنة التي تم تشكيلها لإعداده، ما دعا بحزب الوفد لمقاطعة المناقشات الخاصة به، ووصف زغلول اللجنة التي كان تصيغه بلجنة الأشقاء، ولكن بعد الانتهاء منه، كان محل توافق وإشادة من الجميع بمن فيهم حزب الوفد".

ويضيف الأحمدي الذي شارك في اللجان الفنية لإعداد دستور 2012، أن صناع دستور 2012، وضعوا دستوري 23 ودستور 76، أمام أعينهم وهي يضعوا مبادئ دستور ثورة 25 يناير، خاصة وأن الأحداث التي ارتبطت بصياغة دستورَي 1923 و2012، كانت متشابهة، لأنهما جاءا بعد ثورتين شعبيتين كبيريتين.

ويؤكد الأحمدي أن أحد أسباب قوة واستمرار دستور 1923، أن الجيش لم يكن شريكا بالحكم، وبالتالي ظل الخلاف بين الأحزاب في إطاره السياسي، وحتى عندما تم تعليق العمل به عام 1930، خرج الشعب للدفاع عنه واستطاعوا إعادته مرة أخري بعد إلغاء معاهدة 1936 الشهيرة.

ويشير الخبير الدستوري أن الوضع تغير بعد ما يقرب من 90 عاما على إقرار الدستور الأشهر، حيث أصبح للجيش دور في مختلف الأمور، ولذلك لم يكن لقادة الجيش أدنى خيار في انتقاص حقوقهم ومميزاتهم التي حمتها دساتير ما بعد يوليو 1952، وهو ما كان سببا في انقلاب الجيش على دستور 2012، لأنه لم يضع للجيش وضعا مميزا أو حماية خاصة.

المصالح الحزبية

على صعيد آخر يؤكد الباحث السياسي أحمد الشافعي لـ"عربي21" أن المناخ السياسي والثوري الذي شهدته مصر بعد ثورة 1919، كان سببا في أن يظل دستور 23 محافظا على مكانته لأكثر من 30 عاما، على خلاف باقي الدساتير الأخرى التي لم تستمر سوى سنوات وربما اشهر فقط، باستثناء دستور 1976 الذي يعد الأطول عمرا بين كل الدساتير المصرية لارتباطه بنظام مبارك.

ووفقا للشافعي، فإن التجارب السياسية في وضع الدساتير، تؤكد غياب التوافق التام بين أطراف المشهد السياسي، ولكن في الوقت نفسه، فإن خلافات الأطراف السياسية لم تخرج عن مصالح الشعوب، وهو ما كان عاملا في استمرار دستور 23، الذي بدأ بالاعتراض، ثم دافع عنه الذين عارضوه أكثر من الذين أيدوه.

ويضيف الخبير السياسي قائلا: "الوضع مع دستور 2012، كان مغايرا لأن المعارضة لم تهتم بالمصلحة العامة، وتعاملت مع الدستور باعتباره مؤقتا، سوف يرحل برحيل صانعيه، ولم يكن رفضهم للدستور بسبب مبادئه، وإنما بسبب من كان يقف وراءه، وهم الإخوان المسلمون، حتى لو لم يكن الدستور داعما لمصالح الإخوان، وإن كان هذا لا يمنع أنه كان بحاجة لبعض التعديلات التي كانت كفيلة بوضعه بمقدمة الدساتير المصرية.

ويصف الشافعي دستور 2014، بأنه الأسوأ بين الدساتير، لأنه رسخ الانقسام بين الشعب، وأصبح بابا لشرعنة الانقلاب ودعم امتيازات الجيش وإطلاق حكم السيسي، على حساب استقلال القضاء والحريات السياسية للمصريين.