مقالات مختارة

شراء أمن البلد بمخرج ليس فيه غالب أو مغلوب

1300x600

لأن العمود حـُرر قبل موعد صلاة الجمعة، وانطلاق فعاليات ما بات يوصف بـ “الحراك الشعبي” فلن أتوقف عند توصيف التظاهرة كما وكيفا، لكني معني باستشراف مآلات هذه المواجهة، والمشاركة في اقتراح مخارج آمنة لصدام قادم بين قطارين يسيران على سكة واحدة بسرعة جنونية، وبلا ربان قادر على الفرملة قبل موعد الصدام.

فالطرفان ليس أمامهما كثير من الوقت يهدر في خطاب يرحل المسؤولية سلفا إلى الطرف الآخر، لأن آخر موعد للتجاوب مع المطلب الذي رفعه المتظاهرون سينتهي غدا الأحد 3 مارس، وليس بوسع اصحاب القرار في الدولة العميقة وقف قطار العهدة الخامسة، إلا بتدبير بديل لترشيح الرئيس.


الطرفان يمتلكان أكثر من حل ومخرج، يحفظ لهما ماء الوجه، في نهاية سعيدة تكون بلا غالب ولا مغلوب، تكون الغلبة فيه لمصلحة البلاد وأمنها واستقرارها، مخرج يحتاج بالضرورة إلى تنازلات غير مكلفة لأي طرف.


فبوسع النظام ان يبادر اليوم وغدا إلى صرف النظر عن  العهدة الخامسة، ثم توظيف أدوات الدولة العميقة لجمع توقيعات سريعة من المنتخبين لصالح مرشح بديل، يحمل نفس البرنامج الذي حملته رسالة الرئيس، وعلى رأسه ضمان تنظيم مؤتمر وطني جامع، ليس فقط بين الموالاة والمعارضة، بل يفتح لإشراك ممثلين عن جمهور المتظاهرين الناقمين على السلطة كما على المعارضة.


وفي المقابل ليس من مصلحة الطرف الثاني نقل الاحتجاج من رفض العهدة الخامسة إلى المقامرة بمنع النظام وأدواته في المشهد السياسي من المشاركة في هذا الاستحقاق المصيري، وإلا فإن الفائز في استحقاق يقصى منه النظام سوف يكون حاله ألعن من رئيس على كرسي متحرك، يدخل في اليوم الموالي للقسم، في مواجهة مفتوحة مع مؤسسات ومكونات الدولة العميقة، القادرة على حصاره بألعن مما حوصر به الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، لتدخل معه البلد في مسار عبثي يسخر فيه الشارع لتصنيع “تمرد” يسلم رئاسة البلد لنسخة من السيسي.


وحيث ان التظاهرات التي رفعت شعار إسقاط العهدة الخامسة ليس لها حتى الآن رأس مدبر قائد، يصلح أن يخاطب، فإن الدعوة توجه حتما لأركان النظام القائم، بالمبادرة إلى تنشيط خيار بديل اليوم أو غدا، يسقط في الحد الأدنى كل راية كاذبة تتستر خلف راية إسقاط العهدة الخامسة، وليس عيب ان يشتري النظام سلم البلد بتلبية طلب له أنصار كثر حتى بين من لم يشارك في التظاهر.


الخيار الثاني المتوفر في حال اصرار النظام ـ لأسباب نجهلها ـ المضي في دعم العهدة الخامسة، أن تسارع المعارضة إلى التوافق على مرشح اجماع من خارج الوجوه المتآكلة في صفوف قادتها المعمرين، ببرنامج انتقالي جامع يعد بمؤتمر وطني لجميع الفاعلين السياسيين والجمعويين، ثم يطلب من هذا الجمهور المتظاهر التجند لحماية صوته في الاستحقاق القادم، وتحقيق مطلب إسقاط العهدة الخامسة عبر الصندوق كما فعلت جبهة الإنقاذ في تسعينيات القرن الماضي.


ويبقى خيار آخر أحمق أخرق يواصل فيه أنصار العهدة الخامسة الادعاء ـ كذبا وتدليسا ـ وجود دعم شعبي واسع للعهدة الخامسة، وإصرار من تظاهر، ومن يدعم التظاهر، ان من خرج في الجمعتين وما بينهما يمثل إرادة غالبية “الشعب” إلا أن يخرجوا للشارع 12 مليون مواطن فيما يشبه الاستفتاء الذي لا يواجه بأحكام دستور هو في الواقع في حكم الساقط.

 

عن صحيفة الشروق الجزائرية