قضايا وآراء

السياسة الخارجية العُمانية: التوازن الصعب (5-5)

1300x600
حصار قطر

تتمتع سلطنة عُمان بعلاقات متميزة مع دول الجوار في منطقة الخليج العربي، وتُقيم علاقات اقتصادية مع الصين والهند وباكستان، وصداقة متبادلة مع أوروبا وروسيا، وتتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.

وقد حافظت السلطنة على علاقات ودية مع جميع دول العالم، بما في ذلك الدول العربية والإسلامية، وآسيا والغرب على حد سواء، مما مكنها أن تصبح محل ثقة واحترام على المستويين العربي والدولي. وتتمتع عُمان بتجربة سياسية طويلة كونها دولة عريقة قبل ظهور دول الخليج الحديثة، مما يعطيها نوعا من النضج السياسي والخبرة في كيفية التعامل مع الأزمات.

وقد عُرفت سلطنة عُمان بدورها في الجمع بين وجهات النظر بين دول الخليج وجيرانها في العديد من القضايا الحساسة، واتخذت مواقف محايدة بشأن عدد من القضايا الإقليمية، بخلاف دول مجلس التعاون، دون التخلي عن رغبتها في الحفاظ على الحوار مفتوحا مع جميع الأطراف.

وفي خضم الأزمة الخليجية، حيث الحصار على دولة قطر منذ حزيران/ يونيو 2017م بقيادة السعودية، تجنبت سلطنة عُمان بشكل منفرد النزاع، والتزمت سياستها ودورها التقليدي المتمثل في الحياد الإيجابي. فبعد يومين من بداية الحصار وقطع دول الحصار علاقاتها مع قطر، قام وزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي بزيارة سريعة إلى الكويت، والتقى مع أمير الكويت الذي أعلن عن جهوده في تقريب وجهات النظر للوصول إلى حل سريع. كما زار وزير الخارجية السعودي عادل الجُبير مسقط وقابل يوسف بن علوي، في حين لم يكن هناك تعليق على تدخل عُمان لحل الأزمة، خاصة أن دولة الكويت أخذت مكان الريادة في الوساطة نظرا لعلاقاتها المتميزة مع كل من السعودية وقطر. ومع ذلك، يُفسر البعض أن قرار عُمان بعدم الانضمام إلى دول الحصار هو في حد ذاته إظهار الدعم لدولة قطر. فمن وراء الكواليس، ساعدت عُمان دولة قطر في الالتفاف على الحصار، بينما استفادت ماليا من تعزيز العلاقات التجارية بين البلدين. وبعد فترة وجيزة من اندلاع أزمة قطر، عرضت عُمان على الدوحة استعمال الممرات المائية في السلطنة لتصدير الغاز القطري، والإمدادات الغذائية، لموازنة تأثير إغلاق السعودية للحدود البرية والجوية مع قطر. كما أبقت عُمان مجالها الجوي مفتوحا أمام الخطوط الجوية القطرية، مما ساعد شركات الطيران في رحلاتها من الدوحة إلى أفريقيا.

وفي حين تهدد أزمة قطر بتغيير مجلس التعاون الخليجي بشكل جذري، تُبقي عُمان على موقفها الحيادي، إلا أن هذه الأزمة تؤثر بشكل مباشر على موقف السلطنة في هذه المنطقة المضطربة. فقد صعدت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مؤخرا من ضغطهما السياسي والاقتصادي على السلطنة لإجبارها على الانكماش، حيث إن قرار الملك سلمان في كانون الأول/ ديسمبر 2016م بعدم حضور قمة مجلس التعاون الخليجي في عُمان؛ قد أوضح بالفعل تقليص العلاقات بين البلدين. وهناك اعتقاد بأن الإمارات بذلت قصارى جهدها لإبطاء بناء خط السكك الحديدية بين عمان ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، الأمر الذي كان له تأثير سلبي على الشركات العُمانية. في المقابل، فإن العُمانيين قلقون تماما من الطموحات الإقليمية للإمارات في المنطقة. لذلك، تحاول عُمان الالتزام بدور الوسيط وتساعد في الحفاظ على الوضع الراهن؛ لأنها تأمل في الحفاظ على الجغرافيا السياسية للمنطقة كما هي، دون أي اضطراب.

لقد أصبحت الدبلوماسية العُمانية منصة واضحة تعمل على بناء الجسور ودمج التناقضات بين الأطراف المتنازعة، وتسعى إلى البحث عن حلول في ظل الاصطفاف السياسي القائم في الشرق الأوسط، حيث تتميز السياسة الخارجية العُمانية بالحياد. وتأتي هذه السياسة نتيجة لعملية طويلة من التوافق الداخلي وعلاقات إقليمية متميزة، لا سيما مع دول مجلس التعاون الخليجي. لذلك، فإن العلاقات العمانية الخليجية هي الأكثر أهمية في عملية التوازن في السياسة الخارجية العُمانية التي يقودها السلطان قابوس.