أفكَار

فردانية القذافي وسطوته لم تمنع تنوع المشهد الإسلامي الليبي

سجن أبو سليم في ليبيا كان أبرز المعالم في صراع الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي مع الإسلاميين (الأناضول)

لم يأخذ موضوع تحالفات الإسلاميين السياسية حظّه من البحث والدراسة، وذلك لأسباب عديدة منها طول أمد العزلة السياسية التي عاشها الإسلاميون بسبب تحالفات النظم الحاكمة مع بعض القوى السياسية، واستثناء الإسلاميين من هذه التحالفات، بناء على قواسم أيدولوجية مشتركة بين الأنظمة ونلك التيارات.

لكن، مع ربيع الشعوب العربية، ومع تصدر الحركات الإسلامية للعمليات الإنتخابية في أكثر من قطر عربي، نسج الإسلاميون تحالفات مختلفة مع عدد من القوى السياسية داخل مربع الحكم، وترتب عن هذه التحالفات صياغة واقع سياسي موضوعي مختلف، ما جعل هذا الموضوع  يستدعي تأطيرا نظريا على قاعدة رصد تحليلي لواقع هذه التحالفات: دواعيها وأسسها وصيغها وتوافقاتها وتوتراتها وصيغ تدبير الخلاف داخلها، وأدوارها ووظائفها، وتجاربها وحصيلتها بما في ذلك نجاحاتها وإخفاقاتها.

يشارك في هذا الملف الأول من نوعه في وسائل الإعلام العربية نخبة من السياسيين والمفكرين والإعلاميين العرب، بتقارير وآراء تقييمية لنهج الحركات الإسلامية على المستوى السياسي، ولأدائها في الحكم كما في المعارضة.

اليوم يواصل الكاتب والباحث الليبي جمال أبو زيد في الجزء الثاني من عرضه لمسار الحركة الإسلامية في ليبيا، تقديم مشهد الإسلام السياسي كما تشكل عبر التاريخ، مع نبذة عن أهم رموزه. 

فردانية القذافي وسطوته لم تنوع مشهد الإسلام السياسي في ليبيا 

لم يمنع الاستبداد السياسي الذي فرضه الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي على الليبيين، ولا سطوة الزوايا الصوفية وانتشار الفكر الإخواني، من تنوع المشهد الإسلامي في ليبيا، فقد عرفت ليبيا نشأة العديد من التيارات الإسلامية، من السلفية بأنواعها إلى حزب التحرير وباقي تنويعات الصف الإسلامي، كغيرها من دول شمال إفريقيا، وباقي دول المنطقة العربية بشكل عام.

في بداية الثمانينيات ظهرت الحركة السلفية في المنطقة الغربية من ليبيا على يد محمد البشتي، الذي عرف بمواقفه الشجاعة والجريئة ضدّ النظام القمعي في ليبيا، اعتقل الشيخ البشتي، في نهاية عام 1980، ولم يخرج من غياهب السجون إلى يومنا هذا. لقد تواترت الأنباء عن تصفيته داخل السجن في ظروف غامضة. لم تعلن الحركة السلفية عن نفسها كحزب سياسي إذ تلقت ضربة مبكرة بغياب زعيمها وبعض الناشطين من أعضائها. 

حزب التحرير الإسلامي

تأسس حزب التحرير الإسلامي على يد تقي الدين النبهاني في فلسطين عام 1953. يدعو الحزب إلى إعادة العمل بالخلافة الإسلامية وتحقيق الوحدة بين أقطار المسلمين كافة. طفقت أفكار الحزب تنتشر في الوطن العربي على وجه الخصوص حتى وصلت إلى ليبيا فاعتنقها عدد من الليبين، غير أن تأثير هذا التيار ظل ضعيفا في ليبيا، ولم ينتشر على نطاق واسع أسوة بباقي الحركات الإسلامية، ولم يكن له تأثير واضح في الساحة السياسية الليبية. ومع ذلك تعرض كثير من المنتميين لهذا الحزب للاعتقال والسجن، ونالهم من التنكيل ما نال أقرانهم في العمل الإسلامي. 

الحركات الجهادية

في الخضم برزت حركات جديدة تدعو لقلب نظام الحكم في ليبيا وتغييره بالعنف بعدما أوصدت جميع الأبواب أمام الاحتجاجات والمظاهرات أو التعبير عن الرأي في البلاد، ومن أهم هذه الحركات حركة سرايا الجهاد التي ظهرت في بداية الثمانينيات بقيادة: على العشيبي في المنطقة الشرقية، ومحمد الزواوي في المنطقة الغربية، تبنت الحركة منذ نشأتها منهج إزاحة القذافي عن طريق الإغتيالات لرموز النظام. 

دخلت الحركة في مواجهة ضد النظام وكان اغتيال أحمد مصباح الورفلي في صيف 1986، إشارة البدء. كان الورفلي أحد أعضاء اللجان الثورية الشرسين في بنغازي. لم تتوان قوات الأمن في شنّ حملة اعتقالات واسعة طالت عددا كبيرا من أفراد التنظيم في بنغازي والمدن الأخرى من المنطقة الشرقية. وفي عام 1989 وقعت بعض المناوشات بين قوات الأمن والحركة الجهادية في العاصمة والمدن الغربية الأخرى. قوبلت باعتقالات واسعة لأفراد الحركة ووقع زعيم الحركة، محمد الزواوي، في الاعتقال. 

 

إقرأ أيضا: شيخ "المداخلة" يفتي بحرمة المشاركة في القتال بليبيا

زُجَّ بالآلاف من شباب الحركة في سجن بوسليم، حيث تعرضوا إلى صنوف العذاب النفسي والجسدي. وفي الوقت ذاته نجح بعض أعضاء سرايا الجهاد في الفرار من ليبيا، فالتحق كثير منهم بالجهاد الأفغاني. في نهاية الثمانينيات امتلأت السجون بمعتقلي الرأي والفكر خاصة من المنتميين إلى الحركات الإسلامية. تعرّض أولئك السجناء لكافة أنواع التعذيب والتنكيل في غياهب السجون، وتوفي كثير منهم تحت التعذيب وفي ظروف غامضة.

وفي عام 1995 تشكّلت، الجماعة الإسلامية المقاتلة، في أفغانستان. وما لبثت أن دخلت الجماعة في معارك مسلحة ضد نظام القذافي في الجبل الأخضر ودرنة وغيرها من المناطق. كما أن الجماعة نجحت في إختراق المنظومة الأمنية للقذافي عدة مرات، وقامت بعدة محاولات لاغتياله، كادت تودي بحياته. كان أشهر تلك المحاولات؛ محاولة منطقة الشاطئ، بمدينة سبها، حيث وصل محمد القريو، أحد أفراد الجماعة المقاتلة، إلى المنصة التي كان يقف فيها القذافي وكان في مقدوره مهاجمته بقنبلة يدوية رماها تحت قدميه، ولكنّها لم تنفجر.

مجزرة سجن بوسليم 

ارتكب نظام القذافي مجزرة بوسليم، ردّا على مطالب البؤساء من السجناء بتحسين أوضاعهم المعيشية داخل السجن، والمطالبة بالسماح لهم بزيارة ذويهم. كان ردّ الأجهزة الأمنية تحت إشراف عبد الله السنوسي قاسيا، إذ نفذ أوامر القذافي بالقضاء عليهم. قتل في تلك المجزرة أكثر من 1200 سجين خلال ساعات. وقف العالم بأسره مصدوما أمام وحشية النظام ضد سجناء عزل لا حول لهم ولا قوة.

 

إقرأ أيضا: مجزرة أبو سليم.. الألم الذي ولّد الثورة الليبية

رفعت بعض هيئات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية صوتها وطالبت النظام الليبي بفتح تحقيق مستقل في الحادث لمعرفة جميع ملابسات المجزرة. لم يسمح القذافي لتلك الهيئات والمنظات بالتحقيق في القضية. ومع مرور الأيام تحولت تلك المجزرة إلى لعنة على النظام وشبح يقض مضجع القذافي، مما حدا بنظامه للتحرك من أجل تطويق الأزمة والتخفيف من وطأة الغضب الداخلي والخارجي. فقام النظام بتعويض أهالي الضحايا الذين قضوا في تلك المجزرة، غير أنّ بعض ذوي الضحايا قابل تلك المبادرة بالاستهجان ورفض أخذ التعويض قبل الكشف عن ملابسات الجريمة، والظروف التي مات فيها أبناؤهم، كما طالبوا بمعرفة مصير أبنائهم، وأين دفنوا؟ 

ومع دخول الألفية الثانية أطلق سيف الإسلام القذافي، نجل القذافي، مبادرة ما يسمى بـ "ليبيا الغد" من أجل إحتواء الحركات الإسلامية والتخفيف من وطأة التشنج بينها وبين السلطة.تكللت مساعيه بالنجاح في استقطاب كثير من أعضاء حركة الأخوان المسلمين في الداخل والخارج، كما نجح في الضغط على قادة الجماعة الإسلامية المقاتلة الذين كانوا يقبعون في السجن، حيث استطاع القذافي بالقبض على قادة الحركة في الخارج بالتواطؤ مع مخابرات عالمية وإعادتهم إلى ليبيا. نجح سيف الإسلام في إقناع أولئك القادة بالقيام بمراجعات داخل السجن على غرار مراجعات الجماعة الإسلامية المصرية، والإعلان فيها بنبذ العنف، مقابل إطلاق سراحهم. لعب على الصلابي دورا بارزا إقناع قادة الجماعة المقاتلة، أثمرت تلك المفاوضات في نهاية المطاف. وكنتيجة لذلك انكب أولئك القادة، وكان على رأسهم عبد الحكيم بلحاج، وسامي الساعدي لتدوين مراجعاتهم قبل خروجهم من السجن. 

 

إقرأ أيضا: إسلاميو ليبيا.. مزيج من الفكر الوطني وإرث التصوف والإخوان