صحافة دولية

فورين بوليسي: زعماء الغرب يشجعون الديكتاتورية بمصر

فورين بوليسي: الزعماء الغربيون يشجعون الديكتاتورية وليس الديمقراطية في مصر- جيتي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للصحافية سارة خورشيد، تقول فيه إن الحدة التي تعاملت بها السلطات المصرية في حملاتها ضد المعارضين في السنوات الأخيرة، جعلت كثيرا من الناشطين غير مستعدين لمعارضة نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي.

 

وتشير خورشيد في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن موجات النشاط السياسي التي سبقت ثورة عام 2011، ووصلت إلى ذروتها خلال تلك الانتفاضة، تراجعت منذ الانقلاب العسكري في تموز/ يوليو 2013، وتراجع شيئا فشيئا عدد الديمقراطيين وناشطي حقوق الإنسان المستعدين لتعريض أنفسهم لغضب النظام، الذي يتضمن محاكمات عسكرية و"تعذيب واعتقالات تعسفية واختفاء قسري".

 

وتجد الكاتبة أنه "بالرغم من هذه البيئة فإنه كان من المفاجئ أن تنتشر أفلام فيديو قصيرة على مواقع التواصل الاجتماعي في 6 شباط/ فبراير تظهر مواطنين من خلفيات مختلفة، يقرأون بيانا موحدا: (أنا مواطن مصري وأقول لا للتعديلات الدستورية)، وإن تم تبني هذه التعديلات الدستورية فإنها ستسمح للسيسي بالبقاء في الحكم حتى عام 2034".

 

وتلفت خورشيد إلى أن الدستور، الذي تم وضعه في كانون الثاني/ يناير 2014 بعد الانقلاب، يقضي بأنه لا يمكن تعديل البند الخاص بتحديد الرئاسة لدورتين رئاسيتين فقط، وهذا ما يحاول أنصار السيسي تغييره، بعد أن تم الترويج للفكرة في الإعلام من خبراء معروفين بارتباطهم بالحكام، وتم طرح التعديلات في البرلمان يوم الخميس، الذي وافق عليها مبدئيا.

 

وتقول الكاتبة: "ستتم مراجعة التعديلات في لجنة برلمانية قبل طرحها لتصويت آخر في البرلمان، وإن تم تمريرها في البرلمان فإنه سيتم إجراء استفتاء شعبي عليها، وللأسف فإن أخر تحرك للسيسي لاحتكار السلطة ووجه بصمت عالمي من القيادات الغربية التي تقول إنها تهتم بحقوق الإنسان والديمقراطية".

 

وتذكر خورشيد أن "العديد من المصريين أعلنوا عن معارضتهم للتعديلات على الإنترنت، وكانت الفيديوهات المنشورة في معظمها من أشخاص عاديين وليس من ناشطين مشهورين، فكثير من الناشطين المشهورين في السجن السياسي، أو في المنفى على أي حال، أو أنهم يحاولون عدم الظهور خشية مواجهة مصير زملائهم في السجون".

 

وتنوه الكاتبة إلى أنه "بدلا من ذلك، فإنه يتم الإعراب عن الغضب في مئات الفيديوهات التي توضع على صفحة (فيسبوك) باسم مجهول، تعرف مهمتها بمساعدة المصريين على البحث عن (التغيير للأفضل) و(التنظيم) لجعل هذا التغيير يحدث، وقام أشخاص عاديون بتصوير أنفسهم يعبرون عن معارضتهم للتعديلات، ويضعون فيديوهاتهم على الإنترنت في أعداد متزايدة بشكل كبير خلال هذه الصفحة، وتظهر الفيديوهات وجوها مختلفة لرجال ونساء وشباب وكبار في السن وبرجوازيين وطبقة عاملة، يلقون ببيانهم المختصر، وفي الخلفية بيوت مصرية بسيطة".

 

وتفيد خورشيد بأن "بعضهم لم يظهر وجهه نهائيا، بل سجل صوته فقط؛ لتجنب تعرف المخابرات عليه وإيذائه، ويشيد المعلقون بشجاعة أصحاب الفيديوهات في التعبير عن رفضهم للتعديلات، كما يعربون عن خوفهم، ويدعون لأصحاب الفيديوهات بـ(حفظكم الله)، وبـ(السلامة)، بالإضافة إلى عبارات (برافو) و(سننتصر)".

 

وتقول الكاتبة إنه "ليست هناك أي تقارير حول اعتقال أي من أصحاب تلك الفيديوهات، لكن الخوف عليهم يتنامى، وله ما يبرره، ولم يقم نظام السيسي باتخاذ إجراءات ضد كل معارض، لكنه يقوم بالإجراءات بشكل عشوائي، وعندما يفعل ذلك، فإنه يفعل ذلك بوحشية ودون رحمة، ويقدر عدد المعتقلين السياسيين منذ الانقلاب بـ60 ألف معتقل".

 

وتشير خورشيد إلى أن "رد النظام بدأ، ليس ضد أصحاب الفيديوهات، ولكن ضد شخصية عامة: خالد يوسف، وهو مخرج أفلام وعضو في البرلمان، دعم السيسي في انقلابه عام 2013، وكان عضوا في اللجنة التي وضعت مسودة الدستور عام 2014، وكان يوسف قد أعلن في 3 شباط/ فبراير أنه ضد تعديل الدستور على صفحته على (فيسبوك) و(تويتر)، وقال إنه يدرك بأن هذا الموقف قد ينتج عنه سجنه بـ(تهم ملفقة)".

 

وتعلق الكاتبة قائلة إنه "حصل ما يتوقع، فتم اعتقال ممثلتين في 7 شباط/ فبراير؛ لارتكابهما فعلا غير أخلاقي، حيث تظهران في فيلم ترقصان بالملابس الداخلية، وأخبرت الممثلتان الشرطة بأن خالد يوسف هو من صور الفيلم في شقته، بحسب الإعلام المصري، أما يوسف فقال لموقع(بي بي سي) العربي إنه يتعرض (لاغتيال أخلاقي)".

 

وتلفت خورشيد إلى أن محاميا مؤيدا للحكومة رفع قضية على عضو برلمان آخر، هو هيثم الحريري، الذي عارض التعديلات أيضا، ويتهم المحامي الحريري "بالتحرش على الهاتف" في مكالمة مسربة بينه وبين مديرة مكتبه.

 

وتقول الكاتبة: "ليست القضية إن كانت نلك التسجيلات المسربة حقيقية أم إن كان يوسف والحريري متورطين في تصرفات تستحق المحاكمة، إن الأمر يتعلق بالتوقيت الذي ظهرت فيه هذه الأخطاء، فليس من المعروف أبدا عن المؤسسات الأمنية الحالية والنظام القضائي دعمهما للنساء ضد التحرش والاعتداء".

 

وتنوه خورشيد إلى أن محكمة مصرية حكمت قبل خمسة أشهر على ضحية تحرش بالسجن لمدة سنتين؛ بسبب نشرها فيديو على "فيسبوك"، شجبت فيه التحرش الجنسي، وأعربت عن استيائها من فشل السلطات في حماية النساء، مشيرة إلى أنه "ولذلك فإنه عندما يقوم محام مؤيد للحكومة ومعروف بأنه عمل لسنوات معها، باتهام الحريري بالتحرش في مكالمة هاتفية، فإن هذا يعني أن النظام يتصرف بانتهازية، فقد قام المحامي نفسه في كانون الأول/ ديسمبر برفع قضية على ممثلة متهما إياها بـ(التحريض على الفساد)، بعد أن لبست فستانا قيل إنه فاضح، فمن الواضح أنه ليس مع حقوق وحرية المرأة".

 

وتجد الكاتبة أن "الجانب الإيجابي هو أن الفيديوهات المعارضة للتعديل استمرت في إغراق الإعلام الاجتماعي، بالرغم من الهجوم على يوسف والحريري، في تحد للخوف الذي قام السيسي والأجهزة الأمنية بزراعته ورعايته منذ عام 2013، وليس هذا مؤشرا على تغيير قريب للنظام، أو تقدم كبير نحو الحكم الديمقراطي في البلد، لكن من المهم أن المصريين يقومون بعمل جماعي، وأصبحوا واعين لمقدرتهم على تحدي النخبة الحاكمة التي أوجدت (سجونا مفتوحة للناقدين)، بحسب ما قالته منظمة العفو الدولية".

 

وتقول خورشيد: "لم يعد السيسي يحظى بالشعبية التي حظي بها عندما استولى على الحكم عام 2013 و2014، ووجد مركز الاستطلاعات بصيرة أن شعبية السيسي تراجعت من 54% في 2014 إلى 27% في 2016، بالإضافة إلى الاستياء من انتهاكات حقوق الإنسان تحت حكمه، والغضب من سياساته بعد أن خفض قيمة الجنية المصري، وألغى الدعم عن المحروقات، التي كانت موجودة لعقود، وكلا الأمرين طبق في 2016، ما أدى إلى ارتفاع شديد في أسعار السلع الأساسية، وهذا بدوره أثر على مستوى حياة المصريين، فأصبح بعضهم يجد صعوبة في تلبية متطلبات الحياة".

 

وتشير الكاتبة إلى أن "العام ذاته شهد مظاهرات كبيرة وفريدة ضد قرار السيسي للتنازل عن سيادة مصر على جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، التي دعمه حكامها، وقدموا له القروض منذ الانقلاب، وتم قمع المظاهرات واعتقال عشرات المتظاهرين، لكن فقط بعد أن بعثوا برسالة مفادها بأن أفعال السيسي لن تمر دائما دون تحد". 

 

وتقول خورشيد: "للأسف فإن انحياز المجتمع الدولي إلى السيسي يتعارض مع إرادة الشعب المصري، وهذا ينطبق على زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في كانون الثاني/ يناير إلى مصر، التي فيها إظهار لدعم السيسي والنخبة الحاكمة، وانتقاد ماكرون لوضع حقوق الإنسان في البلد لا يعدو عن كونه كلاما فارغا عندما تضعه بجانب حقيقة أن فرنسا أصبحت أكبر مصدر للـسلاح لمصر في السنوات الأخيرة، فبالإضافة إلى طائرات رافالي المقاتلة، والسفن الحربية وقمر صناعي عسكري، فإن فرنسا وفرت المصفحات التي استخدمت في قمع المعارضة في القاهرة وفي الإسكندرية، بحسب تقرير منظمة العفو الدولية".

 

وتذهب الكاتبة إلى أن "سياسات ماكرون ليست هي الوحيدة، فالرئيس دونالد ترامب قال للرئيس المصري خلال اجتماعهما في أيلول/ سبتمبر 2018 بأن العلاقات الأمريكية المصرية (لم تكن أقوى من ذلك أبدا، ونحن نعمل مع مصر على عدة صعد مختلفة، بما في ذلك الصعيدين العسكري والتجاري .. إنه يشرفني أن أكون معك ثانية) وترامب مؤيد أيضا للنظام السعودي، الذي يدعم نظام السيسي اقتصاديا وسياسيا منذ الانقلاب، بالإضافة إلى أن الرئيس المصري أصبح في 10 شباط/ فبراير رئيسا للاتحاد الأفريقي، وهو الأول في مصر منذ قيام المنظمة في 2002".

 

وتلفت خورشيد إلى أن "السيسي قال بعد تعيينه رئيسا للاتحاد الأفريقي في خطابه أمام المجلس، إن القارة تواجه خطر الإرهاب، وبذلك لعب السيسي الورقة التي يستفيد منها في المنتديات الدولية، وبالرغم من حديثه القوي حول الإرهاب فإنه فشل في هزيمة فرع تنظيم الدولة في سيناء، بعد خمس سنوات من تسلمه الرئاسة، بالإضافة إلى أنه يخادع العالم بإيحائه بأن معارضيه كلهم إرهابيون إسلاميون، وهذا ما يبرر سجنهم، وهذا غير صحيح، فكثير من معارضي النظام علمانيون وليبراليون".

 

وتقول الكاتبة: "أما المعارضون الإسلاميون فهم غالبا من الإخوان المسلمين، الذين لا يمكن وصفهم بالإرهابيين أيضا، فلطالما أعلنت المجموعة التزامها بالمعارضة السلمية، وإمكانيتها أن تشكل تهديدا للسيسي أضعفت بشكل كبير؛ بسبب سجن الآلاف من أعضائها، وفرار الكثير بعد 2013، ولم يتطرف من أعضائها سوى عدد قليل من الشباب الذين خابت آمالهم في القيادة في السنوات الأخيرة، وإن أصبحت أقلية من هؤلاء الشباب متطرفة فذلك إثبات أن الظلم الصارخ يولد مظالم ويزيد من احتمال التطرف".

 

وتجد الكاتبة أن "الانقسام الذي حدث بين الإسلاميين وغيرهم بعد ثورة 2011 لم يعد هو واقع مصر، فالاستياء والمرارة في حالة تزايد بين المصريين من خلفيات متباينة، وكثير من منتقدي السيسي هم من الشعب العادي، وليس ممن لديهم خبرة سياسية أو اتجاهات أيدولوجية".

 

وتختم خورشيد مقالعا بالقول: "يعود الأمر للزعماء الأوروبيين والأمريكيين لأن ينحازوا إلى الشعب المصري أو إلى النظام الذي داس على حقوق الإنسان لمواطنيه، ويعود الأمر للقوى الغربية بأن تطبق ما تدعي أنها قيمها وتدعم العدل والحقوق والحريات، أو أن يغضوا الطرف في الوقت الذي يقوم فيه حليفهم بانتهاك هذه القيم".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)