قضايا وآراء

تعقيب على مقال: الصراع العلماني الإسلامي وحالة اللاحرية

1300x600
كتب الأخ والصديق محمد العودات في العنوان السابق، ومع تقديرنا لجهده، فإننا نرى أنه مِن المُستغرب أن نجد مَن يستغرب هذا الصراع، الذي نشهده بين العلمانيين، يساريين أو يمينيين أو ليبراليين، وبكل تفريعاتهم من أدعياء الحداثة في عالمنا العربي، وبين الإسلام، لا الإسلاميين (إذن لهان الأمر، ولأمكن التلاقي على المشتركات). فمشكلة هؤلاء مع الدين ذاته.. مع الوحي والنصوص والسنن والتعاليم، ولا أظن أن هذا يحتاج برهنة، أو استدلالا، لأنه ظاهر في كل أدبياتهم وخطابهم وإطلالاتهم!!

نعم صحيح أن النظم التي جاءت بعد الاستعمار لم تحكمنا بالعلمانية، بل حكمتننا بالاستبداد، لكن القول بأن العلمانية منهم براء، ينطوي على مغالطة كبرى، ذلك أن العلمانية الأصيلة التي يتم تزكيتها وتجميلها، هي وراء كل تلك الشرور في العالم العربي والإسلامي، بل والعالم أجمع.

والأعجب من ذلك، القول بأن العلمانية الأصيلة، لا تختلف عن الإسلام السياسي في شيء، من حيث الأهداف الكبرى، وشكل الدولة التي يريدون الوصول إليها، وهذا قول لم يقل به أحد، رغم أنه من البداهة بمكان أن يتقاطع النقيضان في عدة نقاط جوهرية وهامة، لكن هذا التقاطع لا يمكن أن ينفي الافتراقات الجوهرية بينها، مما يجعل من المستحيل اعتبارهما شيئا واحد!!

لكننا قد نتفق (إلى حد ما) مع القول بأن الصراع بين مكونات الشعوب في البلاد الإسلامية، يخدم المستبد وبرنامج الاستبداد، إلا أن المشهد ليس واحدا لدى الجميع، فإنه وإن كان يصدق هذا في الثورة المصرية إلى حد بعيد، فإنه ليس كذلك بالنسبة للثورة السورية، التي لم يكن فيها أي أثر لقوى أيديولوجية مؤثرة وحقيقية، إسلامية أو غير إسلامية، في ظل حكم آل الأسد، وإنما هي استراتيجية استعمارية ضاربة الجذور، وبتنسيق لا متناهي بين قوى الاستكبار العالمي، على رأسها أمريكا وإسرائيل، واللتان دشّنتا مع المستبد العربي خطة الانقلاب على الربيع، بما يتهيأ لها من ظروف موضوعية على الأرض في كل بلد على حدة، فكانت في سوريا غيرها تماما في مصر، أو ليبيا أو اليمن، وإن ظل عراب الحالة ومموّلها وراعيها واحدا، في جميع هذه الأقطار، وقد اختارت كل تلك القوى العلمانية - للأسف - أن تكون في صف قوى الاستبداد، والاستكبار فتؤيّدها وتفوضها؛ لتحجيم المد الإسلامي الذي اكتسح مساحة دول ثورات الربيع عبر الصناديق، وأخرج من ميدان المنافسة السياسية كل قوى والعلمانية، ولم يكن هذا لبراعة الإسلاميين، بل لأن الأمة انحازت لفطرتها وتاريخها، وعمقها الحضاري الذي يقوم برنامج العلمانيين على محوه وطمسه وتشويهه، وقد تحقق ذلك لهم سلميا في تونس، بينما كان ذلك في سواها بالدم وإلى حين!!

لقد كان الإسلاميون في كل الأقطار العربية، وخاصة هنا في الأردن، هم الأشد حرصا على تنسيق الجهود، وتشكيل الائتلافات، وتنسيق التحركات، ووضع الضوابط والآليات لها، والتداول في رئاستها، وكانوا دوما يتفاجأون بانقلاب تلك القوى لأتفه الأسباب، لوقف التنسيق، وفض سامر التعاون والتشاركية في كل المحطات، والتي كان الملف السوري آخرها، وقاصمة ظهرها، ولم يسجل على الإسلامين مأخذ من هذا القبيل منذ عام 1989م حتى الآن!!

من هنا، بما أن المستعمر (عندما خرج من بلادنا) كما قرر المقال، لم يحكمنا مندوبوه في بلادنا بالعلمانية، كما هي في الغرب، ولم يحكمنا مندوبوه كذلك بالإسلام بالصيغة الشمولية التي جاء بها محمد، بل حكمنا نواطير الاستعمار بالاستبداد بدعم منه، وتغطية ومباركة، وكان الصراع بين الإسلاميين واللبراليين والعلمانيين العرب، كرس الأمر لصالح المستبد، مما أدام غيبوبة الحرية، فلماذا إذن، تكون خياراتنا في إصلاح الواقع:

1- بالذهاب إلى خيار العلمانية، كمقترح للخلاص من الاستبداد، ووسيلة لاستجلاب الحرية؟!

2- لماذا لا نذهب مباشرة للخيار الأصوب والأقدم، والأحق.. الخيار الأصيل، وليس الطارئ المستورد، ممثلا بالإسلام، والذي هو أساس الحرية والعدالة والتشاركية والإنسانية والرحمة، بأكمل صورها، في التطبيق الإنساني عبر التاريخ؟!

3- أم أن أكذوبة العلمانية وماكنتها الإعلامية والمادية خدعتنا وزلزلت أفكارنا، وأنستنا حقائق الواقع، وأحدثت خللا كبيرا في بنائنا الفكري والعقدي؟!!

4- ثم هل يمكننا الثقة بالنهج العلماني كخيار للحل في بلادنا، ونحن نرى ازدواجية المعايير عندهم في التعامل مع القضايا العالمية عامة، وقضايانا خاصة؟

5- وهل يمكننا أن نثق به، وهو الذي أنشأ الاستبداد في بلادنا، وهو الذي يغطيه، ويرعاه وينسق معه، لتحجيم قوة الأمة، وتبديد طاقاتها، وتعطيل مشروعها النهضوي!!

6- أليست العلمانية الغربية الأصيلة، بنظمها الحداثية العريقة، وقيمها وأخلاقياتها التنويرية، هي التي تفعل بنا الأفاعيل، بعقد منفعة بينها بين المستبد الفاسد الطاغي!!

7- ماذا بقي من العلمانية الأصيلة بعد كل هذا؟!

8- أليس من الشجاعة أن نعلنها جريئة:

إن صلاح الأمة إنما يكون بمنتجها الفكري، وهويتها التاريخية، وعمقها الحضاري، وموروثها العقدي، ومنظورها القيمي الإنساني، وأن الشعار الأنسب لصلاحها، قول الإمام مالك رحمه الله: "وَلَا يُصْلِحُ آخرَ هذه الأمة إلا ما أصْلَحَ أَوَّلَهَا"، ومن قبله قول الفاروق رحمه الله: "نحن قوم أعزَّنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزَّة في غيره أذلَّنا الله" ويمكن تلخيص هذا بشعار: "الإسلام هو الحل" بأي صيغة حداثية دستورية يمكن أن تأتلف عليها الأمة!!