ملفات وتقارير

لماذا لم تتدخل تركيا لوقف الاقتتال بين الفصائل بريف حلب؟

القتال بين الفصائل أدى إلى تمدد "تحرير الشام" في ريف حلب الغربي للمرة الأولى- جيتي

أعاد الاقتتال الأخير بين "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقا) وفصائل من المعارضة بريف حلب الغربي المتصل بإدلب، خلط الأوراق من جديد في الشمال السوري.

الاقتتال الذي اندلع على إثر اتهام "تحرير الشام" لـ"حركة نور الدين الزنكي" بقتل خمسة من عناصرها، أدى إلى تمدد "تحرير الشام" في ريف حلب الغربي للمرة الأولى، لتسيطر على مناطق واسعة كانت محسوبة على الفصائل المناوئة لها في أرياف حلب الغربية.

وأحدث ذلك المشهد، الذي انتهى بهزيمة حركة نور الدين الزنكي، وفصيل ثوار الشام، جدلا واسعا، وتساؤلات عن أسباب وقوف تركيا على الحياد في الاقتتال التي استمر على مدار نحو أسبوع، علما بأن من شأن تمدد "تحرير الشام" المرفوضة دوليا أن يعقد المشهد في الشمال السوري أكثر.

وفي هذا الصدد، أرجع الخبير بالشأن التركي ناصر تركماني، موقف تركيا المحايد في إدلب، إلى الأولويات السياسية التركية الحالية، موضحا أن لدى أنقرة أولوية في الملف السوري، وهي التركيز على إنهاء وجود المليشيات الكردية في مناطق شرق الفرات ومنبج.

الأولوية لشرق الفرات

وقال تركماني لـ"عربي21": إن تركيا تركز حاليا على التعامل عسكريا مع وضع المليشيات التابعة لحزب "العمال الكردستاني" (بي كا كا) المصنف إرهابيا، في الضفة الشرقية لنهر الفرات، بينما هناك تأجيل لملف إدلب إلى ما بعد الانتهاء من الملف الكردي.

وأضاف تركماني، أن سياسة تركيا منذ بداية الثورة السورية أن لا تقف ضد طرف سوري شارك في قتال النظام السوري، وهي رغم تصنيفها لـ"تحرير الشام" ذات الجذور القاعدية من الفصائل الإرهابية، لا تريد أن تكون طرفا في هذا الصراع الذي يخدم النظام، في الوقت الذي تواجه أنقرة تحديات كبيرة في المنطقة.

وأوضح أن تركيا تدرك تماما حقيقة الوضع العسكري الهش في الشمال السوري، جراء رغبة كل من النظام السوري وإيران إنهاء الاتفاق التركي- الروسي (سوتشي)، ولذلك لا ينقصها مزيدا من التسخين العسكري في هذه المنطقة.

 

اقرأ أيضا: هيئة تحرير الشام تسيطر على مناطق في شمال سوريا

وبسؤاله عن ما إذا كان تمدد "تحرير الشام" في الشمال السوري من شأنه تعقيد المهمة أكثر على تركيا التي تتولى مهمة التعامل مع "تحرير الشام" بموجب اتفاق "سوتشي"، قال تركماني "بدون شك هو يعقد المهمة أكثر من السابق، وخصوصا بوجود أطراف غير راضية عن الاتفاق، ومنهم "تحرير الشام" التي سعت إلى إفشال الاتفاق، ولكن كما أسلفت سابقا، لدى تركيا الآن أولوية أهم من إدلب".

علاقة معقدة


وفي قراءة أخرى تفسّر الموقف التركي من الاقتتال في الشمال السوري، رأى الباحث في مركز "جسور للدراسات" عبد الوهاب عاصي، أنه "يمكن فهم موقف تركيا من حالات الاقتتال بالنظر لدورها كضامن في محافظة إدلب ومحيطها والذي تفسره طبيعة علاقتها مع الفصائل العاملة على الأرض".

وأضاف لـ"عربي21" أن أنقرة قادرة على ضبط العديد من الفصائل داخل "الجبهة الوطنية للتحرير" لا سيما كتلة فيلق الشام المؤلفة من 11 فصيلا والتي تتبنى سياسة متناغمة تماما مع مقررات أستانا وسوتشي، في حين تبدو قدرتها أقل على ضبط فصائل أخرى داخلها مثل "جبهة تحرير سوريا" الممثلة بحركتي "نور الدين الزنكي" و"أحرار الشام"، حيث تتبنى الأخيرة سياسة متناغمة لكن غير مرنة مع تركيا.

وتابع عاصي، "أما بالنسبة لهيئة تحرير الشام فهي تعتمد سياسة استرضاء إزاء مصالح تركيا بما يحافظ لها على هدفها بالبقاء والسيطرة".

وأردف بأن العلاقة المعقدة بين الفصائل المتعددة وبين تركيا كضامن معني بمنع العمليات الهجومية الواسعة من قبل فصائل المعارضة العاملة في منطقة خفض التصعيد ومعني بحل ملف التنظيمات الجهادية، هذه العلاقة التي تتراوح بين استجابة كاملة لمصالح تركيا وبين تناغم غير مرن معها وبين استرضاء لها، تعني أن تركيا أمام واقع عسكري ميداني لا يرفض مصالحها الأمنية لكنه قد يعطلها في بعض الأحيان.

 

اقرأ أيضا: عشرات القتلى بمعارك فصائل سورية مع "النصرة" شمال البلاد

وأنهى بالقول، "باعتقادي ليس لدى تركيا مشكلة مع أي تكتل عسكري بما في ذلك هيئة تحرير الشام بقدر ما تكمن مشكلتها بوجود دور التعطيل للاتفاق، ودورها في المنطقة، وهذا الأمر هو ما يفسر حياد تركيا".

يذكر أن "تحرير الشام" أحكمت سيطرتها على ريف حلب الغربي بالكامل، وذلك بعد فرض نفوذها على منطقة "جبل سمعان" التي كانت تعد معقل لـ"حركة نور الدين زنكي"، و" كتائب ثوار الشام".