كتاب عربي 21

قرار ترامب بالانسحاب من سورية: ما خلفيته ومن الرابحون؟

1300x600
كان قرار ترامب بسحب القوات الأمريكية في سوريا، والتي يناهز عددها 2000، مفاجئا بكل المقاييس. بالإضافة إلى طريقة الإعلان، والتي تكررت فيها خاصية صناعة السياسة عبر حساب تويتر، وتجاهل العديد من المعنيين في الإدارة بهكذا قرار (ليس أقلهم مبعوث ترامب في سوريا، أيضا رئيس أركان الجيش)، فإن قرار ترامب يستوجب تحديد قائمة الرابحين منه وخلفية اتخاذه، خاصة أن الاتجاه العام يشير إلى أن الخسارة في صف الأطراف الحليفة مع واشنطن، والربح في صف الأطراف المعادية والمتمايزة عنها، ومن ثم استكشاف خلفية اتخاذ القرار.

أدق تحليل في قائمة الرابحين قامت به هذا الأسبوع، غايل ليمون الباحثة، في "مجلس العلاقات الخارجية"، والتي عادت من رحلة إلى سوريا مؤخرا، حيث تحدد أربعة رابحين رئيسيين: تنظيم الدولة، والأسد، وروسيا، وإيران. وسأضيف قوة خامسة: تركيا.

تبدأ غايل بالحديث عن الرقة التي زارتها في الفترة الأخيرة: "استقرار الثقة الموجود في الرقة هو بسبب الشراكة الأمريكية الكردية، لكنه لا يزال هشا للغاية. تحاول خلايا داعش النائمة العثور على موطئ قدم، والاستفادة من نقص الخدمات في الرقة، وتجعل من الصعب على الائتلاف المدعوم من الولايات المتحدة وقف عودة ظهورهم. حتى الآن، تمكنت القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة من مواصلة الضغط ما يكفي للسماح للأمهات والآباء الذين قابلتهم للتقدم في حياتهم. إذا لم تصبح الرقة كبغداد في أسوأ لحظاتها، يجب أن يستمر الضغط".

بمعنى آخر، سيجد تنظيم الدولة الوقت والإطار الكافي للعودة في منطقة اكتسبت مناعتها أساسا من تحالف واشنطن مع الأكراد. والمفارقة الكبيرة؛ أصرار ترامب على هزيمة داعش في المنطقة، في حين أن كبار مساعديه في الدفاع والخارحية يؤكدون علنا أن داعش لا يزال يشكل خطرا، حتى أنه دخل في صراع حول قرار الانسحاب مع أكثر مساعديه وفاء: مستشاره للأمن القومي جون بولتون ووزير خارجيته جو بومبيو.

الرابح الآخر تركيا التي تجد نفسها في مواجهة قوات كردية تراها "خطرا وجوديا" عليها، حتى أنها ترى فيها أكثر خطورة من داعش ذاته، فهي القوات التي تمثل امتدادا داخل سوريا لحزب العمال الكردستاني، الخصم اللدود للسلطات التركية بمختلف تلويناتها. وقد تميز الأسبوع الماضي بتهديدات تركية متزايدة بغزو المناطق الكردية، وجاء ذلك خلال مكالمة هاتفية بين أردوغان وترامب. ويعتقد البعض، مثل مسؤول المخابرات المركزية الأسبق رويل غراشات، أنه "يجب نسب الفضل في قرار ترامب للرئيس أردوغان، الذي يبدو أنه كان محوريا في إقناع ترامب بالتخلي عن السياسة التي وضعها بوضوح بولتون".

الرابحون الآخرون أيضا هم مكونات التحالف الأسدي- الروسي- الإيراني. ومن الواضح أن تصريحات بوتين اللاحقة للانسحاب لا تفعل إلا تأكيد ذلك. إذ تداولت وكالات الأنباء الدولية ما يلي على لسانه: "أشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالقرار الذي اتخذه الرئيس ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا، واصفاً الوجود الأمريكي هناك بأنه غير شرعي، كما هزمت الدولة الإسلامية إلى حد كبير على الأرض. وقال بوتين للصحفيين في مؤتمره الصحفي السنوي الذي يعقد في نهاية العام إن تنظيم الدولة الإسلامية عانى من "ضربات خطيرة" في سوريا. "على هذا، دونالد على حق. أنا أتفق معه".. كما قال بوتين في ما يشبه انكشاف سعادته الكبيرة بقرار ترامب الذي يخلي الساحة مفتوحة أمامه.

إيران ستكون أيضا في موقع قوة. ومثلما ذكرت افتتاحية صحيفة وول ستريت جورنال، يجب توقع ارتياح نظام الملالي: "سحب القوات الأمريكية يقلل بشكل كبير من تأثير الولايات المتحدة على الحل الدبلوماسي للحرب الأهلية السورية. يمكن للولايات المتحدة أن تشتكي في الأمم المتحدة، ويمكنها أن تمنع المال من أجل إعادة بناء البلاد، لكن الحقائق على الأرض تعد أكثر بكثير. وهذا ينطبق بشكل خاص على إيران، التي تحول جنوب سوريا إلى قاعدة عمليات أمام إسرائيل".

من الخاسرين على الأرجح؛ إسرائيل، في سياق التوازنات الكبرى التي تخوضها مع إيران. وكانت هذه النقطة الرئيسية التي حاجج على أساسها كل من بولتون وبومبيو، ولكنهما لم يفلحا في اقناع ترامب. وفي هذا السياق كانت من بين أولى ردود الفعل؛ تصريحات نتنياهو التي أعلنت خطة لتصعيد الصراع مع إيران في سوريا.

وقد نقلت رويترز أن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتانياهو؛ صرح الخميس بأن إسرائيل سوف تصعد من معركتها ضد القوات الموالية لإيران فى سوريا، بعد انسحاب القوات الأمريكية من البلاد. وقال بعض المسؤولين الإسرائيليين إن تحرك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أعلن عنه الأربعاء، يمكن أن يساعد إيران عن طريق إزالة الحامية الأمريكية التي تمنع انتقال القوات الإيرانية والأسلحة إلى سوريا من العراق. كما تشعر إسرائيل بالقلق من أن خروج حليفها الرئيسي قد يقلل من نفوذها الدبلوماسي مع روسيا، الدولة الداعمة للحكومة السورية.

من البديهي أن الأكراد ينتصبون كخاسر آخر بارز، وقد أصبحوا يهددون بإطلاق سراح آلاف السجناء من داعش، وتضاف إليهم دول الخليج التي راهنت على الوجود الأمريكي.

يبقى: ما هي خلفية قرار ترامب؟ لا شك في أن الرجل أعلن منذ حملته الانتخابية أنه غير معني بإبقاء قوات أمريكية تصرف على نفسها لمواجهة أطراف لا تشاركها بالضرورة (شعوب المنطقة) نفس التوجه. لكن ترامب هو كل شيء إلا شخصا يتحرك على أساس الوفاء لوعوده. يبقى أنه منسجم ومتناسق مع سياسة مستمرة، ويبدو أنه يعمقها تدريجيا، وتلك هي "الواقعية الفضة" التي تصل حتى منطق الانعزال تحت عنوان المصلحة الأمريكية العليا. ترامب انتقد في إحدى تغريداته ما أسماه "دور الشرطي" الأمريكي، وهذه مساءلة لاستراتيجية أمريكية طويلة، وعودة لمنابع التوجه الانعزالي القديم.