كتاب عربي 21

الصناعات الدفاعية.. المدخل الى علاقات تركية-عُمانية أفضل؟

1300x600

وفقاً لبيانات جمعيّة المصدّرين الأتراك، حقق قطاع الصناعات الدفاعية والجويّة التركية في العام 2018 أعلى مستوى من الصادرات على الإطلاق وبلغ حجمها حوالي 1.8 مليار دولار مقارنة بحولي 884 مليون دولار فقط عام 2011. 

احتلت الولايات المتّحدة المرتبة الأولى كأكبر مستورد لصادرات تركيا من هذا القطاع بواقع حوالي 644 مليون دولار، فيما حلت ألمانيا في المرتبة الثانية بواقع حوالي 212 مليون دولار، وكانت المفاجأة أن جاءت سلطنة عُمان في المرتبة الثالثة بواقع 150.5 مليون دولار متقدمة على هولندا التي استوردت من تركيا ما قيمته 72.4 مليون دولار من منتجات قطاع الصناعات الدفاعية والجوية.

اهتمام عُماني قديم

الاهتمام العماني بالقطاع الدفاعي التركي والتعاون العسكري المشترك ليس جديداً أو طارئاً، وإنما يعود تحديداً إلى العام 2001. في ذلك العام، أبدى وزير الخارجية يوسف بن علوي اهتمام بلاده بالإستفادة من خبرات تركيا العسكرية، ونتيجة لهذا الاهتمام، توصّل الجانبان لاحقاً الى مذكرة تفاهم للتدريب العسكري.

وبالرغم من انّه لم يتم البناء على ما تقدّم سريعاً، الا أنّ الجانبين أبديا رغبة مشتركة في الإنتقال إلى مرحلة أخرى بعد حوالي عقد من الزمان، حيث بدأت العلاقات العسكرية والدفاعية تشهد تطوراً ملحوظاً لاسيما مع توقيع مذكرة تفاهم للتعاون العسكري في العام 2011. وبعدها بعام واحد فقط، بدأت مسقط تبدي اهتماماً متزايداً بشراء معدات عسكرية من صناعة محلّية تركية. وللإطلاع على متطلبات مسقط العسكرية واحتياجات القوات المسحة، توجه وفد تركي من قبل الصناعات الدفاعية إلى هناك لهذا الغرض بالتحديد. 

 

إقرأ أيضا: سلطنة عمان.. دبلوماسية تشق طريقها وسط منطقة ملتهبة

في العام 2015، وقّع الجانبان على عقد يقضي بقيام شركة (اف ان اس اس) التركية المتخصصة في صناعة العربات المدرعة والقتالية وأنظمة التسلّح بتسليم الجيش السلطاني العُماني 172 مدرعة (بارس-3) القتالية من طرازات مختلفة بحلول العام 2020. وبالفعل، بدأ تسليم أولى هذه الطلبات في العام 2017، وهو العام الذي شهد زخماً غير مسبوق في العلاقات الثنائية بين البلدين، وإعادة إحياء الاستشارات السياسية التي ظلّت متوقفة لأكثر من عقد من الزمان. 

تفسّر الطلبات العسكرية العُمانية هذه إرتفاع قيمة واردات السلطنة من منتجات القطاع الدفاعي والجوي التركي هذا العام. ليس من السهل على الجانب التركي أن يسوّق لمنتجاته الدفاعية في بلدان اعتادت في الغالب الاعتماد على الولايات المتّحدة أو على بريطانيا كما هو الحال بالنسبة إلى السلطنة. تُعدّ عُمان على سبيل المثال المستورد الوحيد لدبابات تشالنجر البريطانية، وقد اتفق الطرفان مؤخراً على أن تستضيف عُمان قاعدة عسكرية بريطانية للتدريبات المشتركة بين الجانبين. 

تحولات وعدم استقرار

تأتي هذه الخطوة في سياق حالة عدم الإستقرار التي تشهدها منطقة الخليج العربي ولاسيما مجلس التعاون بعد الأزمات التي عصفت به في العامين الأخيرين. وفي هذا السياق، يتحوّط الجانب العماني على ما يبدو من خلال مبادرات سياسية وعسكرية مع عدد من اللاعبين الإقليميين والدوليين على أمل أن يقيه ذلك من الإنعكاسات السلبية المحتملة للوضع المتزايد الخطورة في المنطقة. 

تقليدياً، تتمتع السلطنة بعلاقات مميزة مع إيران، لكن في ظل وجود إدارة ترامب، تتحوّل هذه العلاقة الى عبء الآن، وبما أن مجلس التعاون الخليجي في وضع خطر للغاية إثر السياسيات الرعناء المتّبعة من قِبَل بعض قادته، تحاول السلطنة التحوّط من خلال انفتاح على لاعبين إقليميين لم يسبق لهم أن حضروا بهذا الشكل في أجندة البلاد الخارجية كتركيا وإسرائيل. العامل الإقليمي ليس العنصر الوحيد بالتأكيد، فهناك معطيات داخلية تحتّم أيضاً البحث عن توازنات خارجية لحماية السلطنة من أي تقلّبات محتملة قد تهدد أمنها أو استقرارها.

 

إقرأ أيضا: في مبررات الانفتاح العُماني على إسرائيل

يبقى السؤال المطروح، إلى أي مدى يمكن للجانب التركي استغلال هذه المرحلة لتطوير علاقاته مع سلطنة عُمان في ظل العلاقات التاريخية للسلطنة مع بريطانيا والإنفتاح الكبير على إسرائيل، وهل ترغب مسقط في ذلك أيضاً أم أنّ هناك حسابات وحساسيات إقليمية تقتضي أن تترك الأخيرة مسافة بينها وبين أنقرة في مسار تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين؟ وحده الوقت كفيل بالإجابة على هذا السؤال وإن كان من الممكن القول أنّه لا شيء مستحيل في السياسة وأنّ الإرادة المشتركة تسهّل تحقيق مثل هذا الأمر حال توفّرها.