صحافة دولية

نيويورك تايمز: هل يقود هوس نتنياهو بصورته إلى سقوطه؟

نيويورك تايمز: هوس نتنياهو بصورته قد يؤدي إلى سقوطه- جيتي

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للكاتب ديفيد هالبفنغر، يقول فيه إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتهم خلال خطاب ناري له، بمناسة عيد الأنوار (هانوكا) اليهودي، أمام مؤيديه في حزب الليكود قبل عام، اليسار الإسرائيلي بوقوفهم خلف التحقيق في قضايا الفساد المثارة ضده، بقوله إن ذلك بسبب فشل معارضيه في هزيمته من خلال صندوق الاقتراع، فإنهم "يحاولون هزيمتنا من خلال التشهير".

 

ويشير هالبفنغر في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "نتنياهو تحدث يوم الأحد مع الجمهور ذاته في المناسبة ذاتها، وفي المكان ذاته، حول الموضوع ذاته، لكن لم يكن اليسار هذه المرة هو من صب عليه غضبه، لكن القائد العام لشرطة إسرائيل، الذي عينه بنفسه، والذي أشرف على التحقيقات التي نتجت عنها ثلاث توصيات بتوجيه تهم بالارتشاء والاحتيال". 

 

ويلفت الكاتب إلى أنه "لا يزال يؤدي دور الضحية، لكن إن أدت هذه المشكلات إلى إنهاء عمله -وإن كان لا أحد يقول بذلك بعد- فإن الأدلة التي كشفتها الشرطة تشير إلى أنه لا يمكن لنتنياهو أن يلوم سوى نفسه، لقد قاد نتنياهو إسرائيل لمدة عقد من الزمان بطريقة لم يفعلها أحد منذ رئيس وزرائها الأول ديفيد بنغوريون، حيث شخصن البلد، ودافع عنها في المحافل الدولية، وهيمن على رؤية الإسرائيليين لأنفسهم، وغطى على المعارضين والمنافسين اليمينيين وهمشهم، محاولا صياغة سياسة البلد كما يرى هو". 

 

ويستدرك هالبفنغر بأنه "طيلة حياته السياسية، استشف منتقدوه هوسا مبالغا لديه بصورته الشعبية، حتى لسياسي، ومشكلاته الحالية ناتجة عن محاولاته الجريئة في التحكم بتلك الصورة: هجوم طويل الأمد على الاعلام الإخباري ذاته".

 

ويبين الكاتب أنه "بالنسبة لرئيس وزراء يرى نفسه شخصية تاريخية -يحمي إسرائيل ضد أطماع إيران الإقليمية، ويوفر لليهود في أنحاء العالم كله ملاذا من معاداة السامية- فإن احتمال أنه يمكن له أن يسقط بسبب التقدير الذاتي في الواقع يشبه مسرحيات شكسبير، بحسب دان شادور، مخرج الوثائقي (الملك بيبي: حياة وإنجازات بنيامين نتنياهو)، وقال شادور: (إنه مهووس بسمعته (إلى درجة) تهدد في الواقع حكمه)".

 

وينوه هالبفنغر إلى أن "هذه الدراما بدأت عام 2007 مع إطلاق صحيفة (إسرائيل هايوم)، وهي صحيفة يومية مجانية يمولها ملياردير الكازينوهات الأمريكي شيلدون أديلسون، وهو مؤيد ملتزم لنتنياهو، وتمت السخرية من تلك الصحيفة بإطلاق اسم (بيبي تون)، وتعني صحيفة بيبي، وهو اللقب الذي يطلق على نتنياهو، لكن عدد قرائها والأسعار المتدنية للإعلان فيها جعلاها تضعف منافساتها".

ويفيد الكاتب بأن "الصحيفة كانت تقوم بخدمة مصالح نتنياهو، لدرجة أن معظم أعضاء الكنيست -بمن فيهم بعض أعضاء الائتلاف الحاكم- دعموا عام 2014 قانونا كان سيفرض على صحيفة (إسرائيل هايوم) بأن تباع بنصف سعر أرخص منافساتها على الأقل". 

 

ويذكر هالبفنغر أن "نتنياهو قام بحل حكومته خوفا من أن يصبح مشروع القانون ذلك قانونا، بحسب ما أكد لاحقا، لكنه قام بتشكيل ائتلاف جديد، أكثر يمينية، بعد إعادة انتخابه عام 2015، حيث أصر على أن يعطى سلطة مباشرة على وزارة الاتصالات، وقام مباشرة بإقالة المدير العام للوزارة، وعين مستشاره الأمين شلومو فيلبر، ليقوم بما يريد نتنياهو، وسعى لتوسيع عدد شبكات التلفزيون في إسرائيل؛ بحجة تشجيع المنافسة، وقام بتسويق الأفكار، لكن في بلد عدد سكانه 9 ملايين لاحظ المنتقدون بأن ذلك أيضا سيؤدي إلى تقسيم كعكة الإعلانات الصغيرة أصلا، ويضعف أقسام أخبار التلفزيون التي تزعجه دائما".

 

ويقول الكاتب إن "نتنياهو اضطر أن يتخلى عن وزارة الاتصالات، لكن جهوده التي لا تكل لنزع أنياب التغطية الإعلامية السلبية عنه أدت به مباشرة إلى قضيتي فساد ضده، في إحداهما تم تسجيله يتفاوض مع ناشر صحيفة (يديعوت أحرونوت)، الذي كانت تغطيته له قاسية وناقدة، لكنها كانت تعاني ماديا بسبب منافسة صحيفة (إسرائيل هايوم)، حيث قال له نتنياهو إن قامت (يديعوت أحرنوت) بتغطيته بشكل إيجابي فإنه مستعد أن يستخدم تأثيره على أديلسون لجعل (إسرائيل هايوم) تحد من نشرها".

 

ويشير هالبفنغر إلى أنه "لم يتم التوصل إلى تلك الصفقة، ولكن صفقة أخرى تمت حيث قالت الشرطة: بعد أن تسلم نتنياهو مقاليد وزارة الاتصالات بقليل قام هو وفيلبر بتجاوز معارضة المسؤولين الأقل مستوى، وصادقوا على اندماج أكبر شركة اتصالات مع شبكة تلفزيون فضائية تدعى (ياس)، وكان ذلك الاندماج مربحا جدا لمالك الأسهم المتحكم في الشركتين، شاؤول إلوفيتش".

 

ويلفت الكاتب إلى أنه في "المقابل، بحسب الشرطة وصحافيين يعملون في الموقع الذي يملكه إلوفيتش (Walla)، فإن الموقع يقوم بتغطية متملقة لنتنياهو، ومنذ ذلك الحين لم ينشر الموقع الأخبار المحرجة، وبدلا من ذلك قام بنشر صور مطرية لزوجة نتنياهو على مقالات ليست ذات قيمة إخبارية".

 

ويذكر هالبفنغر أن "فيلبر أصبح الآن شاهدا للادعاء، وكذلك مستشار العلاقات العامة نير هيفتز، الذي قام بنقل مطالب نتنياهو لمحرري موقع (Walla)، أما رئيس العاملين السابق في مكتب رئيس الوزراء آري هارو، فقام بتسجيل مكالمات نتنياهو مع ناشر صحيفة (يديعوت أحرنوت)، الذي انتهى الأمر به في أيدي المحققين".

 

ويستدرك الكاتب بأن "نتنياهو، الماهر في النجاة سياسيا، ليس بذاهب إلى أي مكان إلى الآن، ويعود الأمر للمدعي العام، الذي عينه هو، أن يقرر فيما إذا كان يريد أن يوجه له تهمة في أي من الثلاث قضايا التي قدمتها الشرطة، وهذا القرار بحد ذاته قد يأخذ أشهرا، وبالرغم من الفضائح كلها، فإن نتنياهو يبقى في موقف قوي سياسيا".

 

ويوضح هالبفنغر أنه "من ناحية يبدو خلفاؤه المحتملون كلهم صغارا بالمقارنة، ويحاول كل من أحزاب اليسار والوسط جذب الجنرالات السابقين -آخرهم كان رئيس الأركان السابق بني غانتز- لجعلهم يظهرون بمظهر الصرامة في شأن الأمن القومي، ومنافسة سمعة نتنياهو في هذه القضية التي جعلها بمثابة علامة تجارية له".

 

ويفيد الكاتب بأنه "من ناحية أخرى فإن نتنياهو يحظى بشعبية كبيرة لدى قاعدته السياسية، وهذا يشكل حجر عثرة إن لم يكن ردعا للادعاء العام في بلد لم توجه التهمة فيه أبدا لرئيس وزراء وهو في منصبه، بحسب الكاتب المخضرم في صحيفة (يديعوت أحرونوت) ناهوم بارنيا". 

 

ويورد هالبفنغر عن بارنيا، قوله إنه عندما كان رئيس الوزراء إيهود أولمرت هدفا لتحقيق جنائي، فإنه "كان فاقدا تماما للشعبية، لدرجة أن الناس اعتبروا وجود أدلة ضده حلا.. لكن هنا لديك رئيس وزراء قوي.. فهو إما مدعوم، أو مقبول كحقيقة واقعة من عدد كبير من الناس، وهم ليسوا متحمسين لرؤيته يسقط".

 

ويرى الكاتب أن "نتنياهو يمتلك رشاقة سياسية متميزة، ويظهر هذا تعامله مع سياسيين شابين على يمينه، وزير التعليم نفتالي بنيت، ووزيرة العدل أيليت شاكيد، عندما هددا بإسقاط حكومته بسبب تعامله مع الاشتباكات المتكررة على الحدود مع قطاع غزة الشهر الماضي، حيث قام بإلقاء خطاب متلفز قوي، يحذر فيه من أن وضع إسرائيل الأمني حساس جدا، ولا يحتمل صراعات سياسية داخلية تافهة، فتراجع الوزيران، ما عزز من طرح نتنياهو لنفسه على أنها حارس لإسرائيل لا يمكن الاستغناء عنه". 

 

ويورد هالبفنغر عن بارنيا، قوله: "يبدو الآن كأنه الشخص الوحيد الذي يناسبه التاج"، مشيرا إلى أنه "لذلك ما لم يتم توجيه تهمة له، أو ينفرط عقد ائتلافه، أو أن يختار أن يستقيل، فإنه سيبقى في منصبه على الأقل حتى موعد الانتخابات العام القادم، وحتى حينها سيكون من الصعب هزيمته".

 

ويجد الكاتب أن "أحد أهم المواهب التي يمتلكها نتنياهو هو نجاحه في تصوير نفسه على أنه ضحية، فقد استخدم ذلك عام 1993 لكسب زعامة حزب الليكود، عندما ادعى أمرا غريبا لم يثبت آبدا، وهو أن هناك من يحاول ابتزازه بتسجيل لعلاقة جنسية خارج إطار الزواج، واستخدمه للدفاع عن نفسه عندما اتهمه اليسار بأنه حرض على اغتيال إسحاق رابين عام 1995، حيث قال مخرج الفيلم شادور، بأن نتنياهو صور الأمر وكأن اليمين كله كان واقعا تحت الهجوم".

 

ويعلق هالبفنغر قائلا: "يحب الإسرائيليون الضحية الجيدة، وقاعدته بالذات يعانون من استياءات إثنية وطبقية قام نتنياهو بذكاء وباستمرار بإثارتها على مدى الأعوام، قبل زمن طويل من اتباع البيض من الطبقة العاملة للرئيس ترامب، وكان المصوتون المعارضون للنخبة خارج المدن الكبيرة يحيون مواقف نتنياهو المتشددة ضد عملية السلام في أوسلو، وشعارات حملته الأساسية مثل (بيبي جيد لليهود)".

 

ويشير الكاتب إلى أن "هذه الاستراتيجية نجحت مرة أخرى عام 2015، عندما تقدم نتنياهو وأعيد انتخابه؛ لأنه حذر اليهود المحافظين بأن الناخبين العرب سيشاركون في الانتخابات بأعداد كبيرة".

 

ويختم هالبفنغر مقاله بالقول إن "السؤال الآن هو إن كان ستنجح مرة أخرى ان تم توجيه التهمة له بالارتشاء، ومتهموه هم مساعدوه الموثوقون، والمدعي العام هو الذي عينه، والأدلة ضده هي من تجميع قائد سابق يميني للشرطة، هو من رشحه للوظيفة".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)