كتاب عربي 21

خطوات نحو تدويل قضية خاشقجي

1300x600
التقى وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو، الاثنين، الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في نيويورك؛ ليناقش معه في اجتماع مغلق قضية اغتيال الكاتب الشهير جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول. وقال المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إن المنظمة الدولية لم تتلق طلبا رسميا من أنقرة بإطلاق تحقيق دولي في الجريمة، مشيرا إلى أن غوتيريش ناقش الموضوع مع مستشاريه القانونيين، ولكنه بحاجة إلى تفويض من مجلس الأمن أو مجلس حقوق الإنسان.

تركيا لم تكن ترغب في تدويل قضية اغتيال خاشقجي، وكانت تفضل أن تتعاون السعودية معها في كشف ملابسات الجريمة ومعاقبة المتورطين فيها. إلا أن الأخيرة لجأت إلى أسلوب المراوغة والمماطلة من خلال إطلاق روايات متناقضة لكسب الوقت ودفن الحقائق، الأمر الذي دفع تركيا إلى التفكير في تدويل القضية. وكان تشاوش أوغلو قد لفت الانتباه قبل زيارته لنيويورك، إلى أن التحقيق الدولي في قضية اغتيال خاشقجي بات ضروريا.
تركيا لم تكن ترغب في تدويل قضية اغتيال خاشقجي، وكانت تفضل أن تتعاون السعودية معها في كشف ملابسات الجريمة ومعاقبة المتورطين فيها

الاجتماع الذي عقده وزير الخارجية التركي مع الأمين العام للأمم المتحدة يمكن اعتباره خطوة نحو تدويل قضية خاشقجي، حتى وإن لم تقدم أنقرة في هذه المرحلة طلبا رسميا لفتح تحقيق دولي؛ لأن مراوغة السعودية تؤكد أنها لا ترغب على الإطلاق في التعاون مع تركيا، وأن الحقائق التي اعترفت بها حتى الآن جاءت تحت ضغوط الأدلة والتسريبات. إلا أن كشف مزيد من تلك الأدلة التي تملكها السلطات التركية قد لا يدفع الرياض إلى الاعتراف بالحقيقة كاملة، بل الاعتراف بأجزاء من الصورة لإخفاء أخرى أكثر أهمية هو المتوقع، في ظل إصرار السعودية على إغلاق الملف دون أن يصل إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان؛ الذي تشير الأدلة إلى أنه هو من أمر بقتل الكاتب الشهير. 

هناك خوف لدى أصدقاء خاشقجي والمتعاطفين مع قضيته من أن يؤدي التدويل إلى إطالة مدة التحقيق لسنوات، وضياع الحقيقة في متاهات المؤسسات الدولية وتحولها إلى ورقة في صفقات الحكومات، وإفلات الجناة من العقاب، وعدم تحقيق العدالة. ولذلك يرون أن الأفضل عدم إحالة تركيا ملف اغتيال الكاتب السعودي إلى التدويل. وفي المقابل، يرى آخرون أنه لا يمكن التقدم في القضية بسبب الرفض السعودي ما بقي الملف بيد أنقرة. وهذا المأزق يفرض على تركيا أن تبحث عن خيار ثالث يضمن كشف ملابسات الجريمة ومعاقبة الجناة.
كشف مزيد من تلك الأدلة التي تملكها السلطات التركية قد لا يدفع الرياض إلى الاعتراف بالحقيقة كاملة، بل الاعتراف بأجزاء من الصورة لإخفاء أخرى أكثر أهمية هو المتوقع،

تركيا نجحت حتى الآن في إدارة الأزمة بذكاء قل نظيره، وحصلت على كم كبير من الأدلة والمعلومات، ودفعت السعودية إلى الاعتراف - على الأقل - ببعض الحقيقة. ومن المؤكد أنها ستذهب إلى أبعد نقطة يمكن أن تصلها في حل هذه القضية قبل تدويلها. وهذا ما يشير إليه عدم تقدمه بأي طلب رسمي لفتح تحقيق دولي، بالإضافة إلى تصريحات تشاوش أوغلو التي أعلن فيها مساء الثلاثاء، في مؤتمر صحفي عقده بواشنطن، أن تركيا قد تسعى إلى تحقيق دولي للبحث في اغتيال خاشقجي إذا ما وصل التعاون مع السعودية إلى طريق مسدود.

هناك محاولات حثيثة لتخفيف غضب الأتراك وإرضائهم ببعض الحقيقة، كاقتراح تسليم زعيم تنظيم الكيان الموازي فتح الله غولن إلى تركيا، في مقابل تخلي أنقرة عن الإصرار في ملاحقة قتلة خاشقجي. ولكن تركيا لن تغلق ملف هذه القضية حتى تكشف الحقيقة بكل جوانبها، ولن تقبل أي صفقة للتستر على الجناة أو أي واحد منهم، بل ستلاحق المتورطين في الجريمة بكل الطرق والوسائل الممكنة، سواء في المحاكم التركية أو الدولية. ولكن يبدو أن أنقرة لن تسلم ملف جريمة اغتيال خاشقجي إلى لجنة تحقيق دولية حتى يتم كشف كافة ملابساتها. وحتى لا يبقى أي جزء من الحقيقة، يمكن لتلك اللجنة أو أي جهة أخرى أن تخفيه، بل سيتم التدويل في مرحلة المحاسبة والمحاكمة بعد ظهور الحقيقة كاملة والحكم على الجناة في وجدان العالم. وهذا النوع من التدويل انطلقت خطواته منذ إعلان اختفاء الكاتب السعودي في قنصلية بلاده بإسطنبول، حيث قامت السلطات التركية بتسريب بعض الأدلة والمعلومات إلى وسائل الإعلام الأمريكية ووكالات الأنباء العالمية، لتتحول جريمة اغتيال الكاتب الصحافي الشهير من أزمة بين البلدين إلى قضية عالمية.