قضايا وآراء

هذان خطابان افترقا

1300x600
أباطرة الإعلام والمؤرخون الجدد لإعلام الحرب يتبنون فكرة يوهان اركيولا (Yohn Arguilla) التي تقول: "ليس من يملك القنبلة الكبيرة هو من سينجح، بل الذي سيروي التاريخ جيدا".. وثمانون في المئة من الرواية موثقة، والتي تملك مقدرة تفسيرية حاسمة فيما يخص حادثة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في جيب هذا الرجل.

ميّز ذلكم الرجل العثماني (بخطاب الثلاثاء الشهير والذي ترقبته البشرية) بين ثقافتين، بل بين حضارتين، ومحاولة التوفيق بين منطلقاتهما يمثل نوعا من العبث والخطل.

فقال: "إن قضية خاشقجي تمثل وجدان الشعوب الحرة"، مضيفا البعد الإنساني والقيمي على ما سواه.. قالها في نفس اللحظة التي أعلن ترامب عن عدد المليارات التي ستخسرها أمريكا لو اعترف الملاكم القديم بحقيقة ما حدث.

قدم أردوغان خطابا جذريا توليديا استكشافيا، مراهنا على الزمن، ومعتمدا على الحقيقة، ومعتصما بالقيمة، فلم يعتد بما عرضه النظام السعودي من مزايا ضخمة سياسية واقتصادية، معتبرا ذلك رشوة محرمة.

لم يحاول الطيب التوفيق بين قيم الحداثة الغربية الاستهلاكية التي ترى البشر سلعة، وقيم دينه التي ترى حرمة هدم الكعبة أهون من هدر دم آدمي واحد، ولم يقف في المنتصف، ولم يشغل أردوغان باله بالبحث عن نقاط التقابل بين المنظومة الغربية الحديثة التي عبر عنها عن التاجر ترامب بتقديم المصالح، بل أعلنها للعالم من إسطنبول: إنها جريمة دولة ولا بد من المحاكمة.

هذان خطابان افترقا، وكشف كلاهما عن رؤيته الخاصة لنظرة للإنسان وللعالم معا، لدى رجب العالم ينهار كله إذا ما انهار الإنسان أو قتل؛ لأن الإنسان في اعتقاده مركز الكون وسيده بالنيابة، لذا فقد صارت تركيا في عهده هي الأولى عالميا في المساعدات الإنسانية، في نفس الوقت الذي يرفض فيه كل مزايا مادية ليضحي بأغلى ما يملك وهو الحقيقة مجردة، وينتصر لصالح فرد اغتالته دولته، ولم يرتعب أن يعلن: أن قيادة كبيرة صاحبة قرار متورطة في اغتيال إنسان، ملمحا بمن في القصر، ومنحازا للحق وللإنسانية مصظفا مع العالم الحر في مواجهة الدولة الباغية.

في حين يرى سلمان، ومن خلفه ترامب، أن كل البشر مادة وظيفية ينبغي استهلاكها وإهلاكها إن أراد أو أرادا معا.

كلاهما (سلمان وترامب) يرى البشر مادة بلا روح و لا قداسة لها، وكل شيء، بما في ذلك الإنسان والدين والغيب والوجود يمكن شراؤه، ولا خسارة عندهما إلا خسارة المصالح الاقتصادية، لذا بررا ومررا وراوغا في انتهاك الإنسان، والقتل حتى في تلك الأماكن المحرمة دوليا، على نحو ما حدث لخاشقجي.

كلاهما دمرا وأبادا مدنا بمن فيها وما فيها، ولكليهما قائمة طويلة سوداء في انتهاك حقوق الإنسان. ولكون علاقتهما لا رباط لها إلا النفط والدولار والحماية المدفوعة الأجر، فقد باع ترامب سلمان.

أما الطيب فهو لا يزال يخاطب سلمان وكأنه بشر. فشتان شتان بين الخطابين.