ملفات

مقتل خاشقجي له تداعيات على الملف الحقوقي اليمني

حذّر من التداعيات السلبية لضلوع مسؤولين سعوديين في مقتل خاشقجي على الملف الحقوقي اليمني (عربي21)
التأثير السعودي في إدارة الشأن اليمني أساسي وواضح، حيث تعتبر الرياض أن اليمن هي الحديقة الخلفية لها، ولذلك حرصت السعودية على اختيار حكام اليمن بعناية لتنفيذ سياستها، وأغدقت عليهم المال الكثير، وقد كانت السعودية مساهمة بصورة فاعلة في الميزانية  اليمنية، وبرز دورها بوضوح في ثورة الربيع اليمني، التي ضمنت من خلال مبادرتها على انتقال سلس للحكم في اليمن لنائب الرئيس، ما يضمن بقاء الحكم بعيدا عن ثورة فبراير وداخل الشبكة السياسية التي انشأتها السعودية.

هيمنة سعودية قديمة

بعد سقوط العاصمة صنعاء بيد جماعة الحوثي 21 أيلول / سبتمبر 2014، تدخلت السعودية في 18 من آذار / مارس من عام 2015، بناء على طلب الرئيس هادي، الذي انتقل للإقامة في العاصمة السعودية ألرياض مع أغلب وزراء حكومته، وأصبحت السياسية اليمنية أكثر تماهيا مع سياسية ومواقف المملكة، بل في كثير من الأحيان تعبر بصورة أكثر تطرفا وصرامة من المملكة.

وننوه هنا بالدرجة الأساسية على الملف الحقوقي، الذي أصبح جزءا من سياسية المملكة في ملف التحالف في اليمن، إدارة وتمويلا وتأثرا خارجيا بصورة سلبية كبيرة، بسبب موقف الدول الغربية والمنظمات الحقوقية من سجل المملكة الحقوقي السيئ على المستوي الداخلي، إضافة إلى النظرة العامة للمملكة كدولة نفطية، يعتبرها كثير من صناع القرار الأوروبي معتدية على دولة فقيرة، دون النظر إلى أساس المشكلة وخلفياتها السياسية.

تمدّد سعودي ـ إماراتي

لقد تعاملت السعودية والإمارات، قطبي التحالف، مع اليمن على مستويين: المستوي الأول أمني واقتصادي، حيث حرصت الدولتان على النأي بنفسهما عن تبعاتها، مما أدى إلى انهيار الوضع الأمني والاقتصادي اليمني، وهذا سهل تمدد الدولتين لمصالحهما الخاصة على حساب المصلحة العليا لليمن، والمستوي الثاني الحقوقي والسياسي، حيث حرصت السعودية خاصة على أن يكون عنوانا عريضا لإنسانية المملكة في اليمن، وتمكنت من اختيار أعضاء الوفد الحقوقي، والجهات الحقوقية التي تمولها، والمسؤولين الذين يمثلون هذا الملف، مع تأكيد على تغييب كثير من انتهاكات التحالف أو الإشارة إليها بنسبة أقل مما رصدتها المنظمات الأخرى. 

لقد فقدت القضية اليمنية الكثير، في ظل فشل دبلوماسي يمني - سعودي في توضيح جذر وأساس الأزمة اليمنية، ممثلة في الإنقلاب على المؤسسات الدستورية ومخرجات الإجماع اليمني الناجم عن مؤتمر الحوار الوطني وما لقيه من دعم وتعاطف دوليين، إقليميا ودوليا، خصوصا من مؤسسات الأمم المتحدة، ونشطاء حقوق الإنسان، والإعلام المهتم باليمن، وبرزت السعودية كدولة أساسية ورئيسة في الحصار  الذي صنع أكبر أزمة إنسانية في تاريخ البشرية من صنع الإنسان.

انتهاكات التحالف الحقوقية

لقد توالت التقارير الدولية والأممية في كشف حجم الكارثة الإنسانية وبشاعة الإنتهاكات الحقوقية في اليمن، ابتداء من السجون غير القانونية، والضربات الجوية، والفشل في إدارة المناطق المستعادة لسيادة الدولة الشرعية، وكان التحالف بقيادة السعودية في هذه التقارير، منتهكا رئيسيا يُساوى مع جماعة الحوثي أو أشد  فضاعة منها، وكان غياب الحكومة اليمنية واضحا خلال هذه المرحلة إلا من تصريح خجول أو مدافع عن التحالف كما رأينا في ملف السجون غير القانونية أو تقرير لجنة الخبراء البارزين، حيث تصدرت الحكومة اليمنية مشهد المدافع عن التحالف أو المتمرد عن قرارات مجلس حقوق الإنسان.

لقد تأثرت مصالح كثير من اليمنيين بهذه التبعية، وعجزت الحكومة عن اتخاذ موقف جادّ وصريح وأخلاقي ينتصر لحقوق الضحايا، ففي عدن مازال المئات من العتقلين تعسفيا في سجون قوات تشرف عليها وتمولها الإمارات، دون قدرة الحكومة على إنصافهم، وفي المملكة فقدت مئات الآلاف من اليمنيين وظائفهم وأعمالهم، بسبب قرارات أقل ما يمكن وصفها أنها تعسفية وتحالف القوانين الدولية، لأفراد ولدوا وعاشوا أعمارهم في المملكة، دون موقف رسمي حكومي واضح، ينتصر لهم.    

لقد خلقت الحكومة اليمنية حالة صراع وعداء مع المؤسسات الأممية والإعلام الدولي، وهي تنفذ سياسية التحالف العربي وعلى رأسها الإمارات والسعودية، عندما تتصدر المشهد الإعلامي في مهاجمة هذه المؤسسات والدفاع عن انتهاكات ثابتة لتحالف مع عجز كامل عن إنجاز موقف مستقبل يعبر عن واقع الإنتهاكات بصورة شاملة، وغالب هذه المواقف تصدر من الرياض أو أبوظبي، ما يجعلها محل شك، وغير قابلة للتصديق. 

وأعتقد أن حادثة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية،  والتي أخذت بعدا حقوقيا وسياسيا دوليا، سوف تزيد من عزلة المملكة الحقوقية سياسيا، ويفقدها ما تبقي لها من رصيد لدى الإعلام الغربي، والمؤسسات الحقوقية على وجه الدقة، وسوف ينعكس بلاشك بصورة كبيرة على عدالة الفضية اليمنية وملفها الحقوقي الذي تأثر كثير في الفترة الماضية، وما زال، مطلوبا من الحكومة اليمنية الجديدة، العمل على إعادة ترتيب أوراق الدبلوماسية الخارجية وأدوات العمل الحقوقية وخلق تكاملية بينهما، ومنحهما الإستقلالية الوطنية والمهنية، على المستوي الوطني والدولي، وإعادة النظر في علاقتنا مع المنظمات الدولية والأممية بما يخدم عدالة القضية الشعبية اليمنية.

إن إنصاف ضحايا الانتهاكات في اليمن  ومحاسبة المتهمين، وإبراز الانتهاكات، والعمل على الحد منها من خلال التمسك بالقانون الدولي الإنساني، تُعتبر من أساسيات العمل الحقوقي المستقل عن الوصاية السعودية والإماراتية، وما لم يتجه السياسيون اليمنيون بهذا الاتجاه فإننا سنقع في صف المنتهكين بالتساوي مع الجميع بما فيهم مليشيات الحوثي.

ولا أستبعد والحال هذه أن يأتي يوم تصبح فيه الحكومة في العراء مكشوفة أمام القانون الدولي دون غطاء سياسي وقانوني، وتتحول إلى كبش فداء، كما تعرّت أمنيا واقتصاديا على المستوى الوطني.

حقوقي وسياسي يمني