كتاب عربي 21

حول التقارب بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة في ليبيا

1300x600
كانت هناك شكوك حول إمكان قبول البرلمان تعديل المجلس الأعلى للدولة على مبادرة الأول لتسوية النزاع السياسي بينهما، لكن وافق البرلمان، هذا ما أعلنه بعض أعضائه، وهذا ما تناقلته وسائل الإعلام، وأسلوب التضعيف الذي استخدمته راجع إلى تحفظي على إقرار التعديل بـثلاثين صوتا من أصل 41 عضوا حضروا الجلسة!!

تعطيل مُتَعمّد

الشكوك مردها التجاذب الطويل والمرير بين المجلسين منذ انطلاق جولات التفاوض والتي مر عليها أكثر من عام، حيث فشلت الحوارات بينهما، وأسباب الفشل ماتزال قائمة، حتى صار يقينا لدى جل المراقبين أن التعطيل متعمد وهذا ما دعا المبعوث الأممي إلى القول إن الساسة الليبيين متشبثون بمناصبهم.

عموما لا يزال الأمر يحتاج إلى مزيد من البحث والتفصيل لتعليل دواعي التحول في المواقف وإذا ما كان حقيقيا ومتماسكا أم إنه فقاعة ما تفتأ أن تتلاشى.

مبادرة البرلمان تقضي بأن تتشكل ثلاثة مجامع انتخابية تضم أعضاء المجلسين التشريعي والأعلى للدولة من الأقاليم التاريخية الثلاثة، طرابلس وبرقة وفزان، على أن يتم انتخاب مرشح من كل مجمع لعضوية المجلس الرئاسي من المجامع الثلاثة، فيتشكل منهما المجلس الرئاسي والذي بدوره يقوم بتعيين رئيس لحكومة جديدة.

البرلمان اقترح أن يقوم باختيار رئيس المجلس الرئاسي من بين المنتخبين الثلاثة وضمن ذلك في مبادرته، فقام المجلس الأعلى بتعديل المقترح مطالبا بأن يختار الفائزون بعضوية الرئاسي الرئيس من بينهم، كما اقترح الأعلى أن يتم اعتماد من رشحتهم المجامع الثلاثة من قبل المجلسين بشكل مستقل بحيث يتحصل كل مرشح على 40% من أصوات المجلسين.

قبل البرلمان اقتراحات الأعلى للدولة، ومن المفترض أن يتم التعديل في الاتفاق السياسي بناء على المبادرة الجديدة ويقوم البرلمان بإدراج الاتفاق في الإعلان الدستوري لتتم العملية ويصار إلى مجلس رئاسي ثلاثي العضوية ورئيس حكومة موحدة.

دواعي التقارب

وعود على دواعي التقارب وأسباب التحول في مواقف المتعنتين، يمكن القول إنه تم تحييد الأعضاء المعطلين والذين كان عددهم قليلا ولكن فاعليتهم كبيرة خاصة في جبهة البرلمان، وأتوقع أنه تم تحييدهم ضمن جهود البعثة والتي صارت ذات دور فعال وضاغط بعد تسلم ستيفاني ويليامز منصب نائب الرئيس.

وكنا قد أشرنا في مقال سابق إلى أن مقاربة ويليامز، التي تعبر عن توجه أمريكي إيطالي، تفعل فعلها في المشهد السياسي، فهي التي دعت منذ الأيام الأولى إلى التعويل على التوافق وليس الانتخابات لاحتواء النزاع، وكانت مقاربتها تتركز حول الإصلاح الاقتصادي والترتيبات الأمنية ليلحقها اتفاق سياسي.

أيضا لا يمكن إهمال أثر إلغاء المادة الثامنة من الإتفاق السياسي، إذ باتت المؤشرات جلية على إمكان شطبها، فهذه المادة مثلت أهم أسباب إخفاق جولات التفاوض بين الطرفين، ومن أبرز دواعي تعنت مفاوضي البرلمان.

تحديات التوافق

التطور في مواقف أطراف النزاع ليصبحا قاب قوسين أو أدنى من الاتفاق لا يعني أن الطريق صار ممهدا للتسوية السياسية والاستقرار، إذ يمكن أن تتعثر المبادرة بسبب الاختلاف حول الأعضاء المرشحين لشغل عضوية المجلس الرئاسي ضمن المجامع الانتخابية الثلاثة، خاصة مجمع المنطقة الشرقية والذي يشهد خلافا حادا بين أعضائه في المجلسين.

ويمكن أن لا يتحصل كل الأعضاء المنتخبين من قبل المجامع على مصادقة المجلسين، وقد تتأزم الأمور بين المرشحين الثلاثة بعد انتخابهم عند البحث في تسمية رئيس الحكومة والذي سيتمتع بصلاحيات تنفيذية تفوق صلاحيات أعضاء الرئاسي، الأمر الذي سيدفع إلى حرص كل جهة يمثلها عضو في الرئاسي إلى الفوز بهذا المنصب.

من خارج دوائر إعادة تشكيل السلطة التنفيذية كما تقضي المبادرة، هناك الجموع السياسية والعسكرية ذات الثقل والتأثير والتي يمكن أن تقاطع نتائج المبادرة في حال جاءت على خلاف ما تريد، فيتكرر ما وقع للرئاسي السابق والذي عانى من ضعف الشرعية ومحدودية الاعتراف به مناطقيا حتى صار نفوذه محصورا في رقعة جغرافية ضئيلة.

فرص نجاح هذه المبادرة بيد الأطراف الدولية، وفي حال دعم لقاء باليرمو المزمع عقده في 12 تشرين ثاني/ نوفمبر المقبل الاتفاق المبدئي بين المجلسين وساهم في إزالة العقبات في طريق المبادرة، فإن مستوى توافقيا مقبولا يمكن أن يتحقق، ويبقى استكمال التسوية وتحقيق الاستقرار منوط بتحمل كل طرف مسؤوليته في الخصوص.