قضايا وآراء

منعُ السّعوديّة الفلسطينيّين من الحجِّ والعمرةِ.. وصفقةُ القرن

1300x600
أن يصل الأمر بالنّظام السّعوديّ إلى إصدار قرارٍ يمنع الفلسطينييّن حمَلةَ الوثائق من أداء مناسك الحجّ والعمرة، وهم الذين يتجاوز عددهم مليونا ونصف المليون من اللّاجئين في غزّة والضّفة ومصر والأردن وسوريا والعراق ولبنان ومختلف مواطن اللّجوء، فهذا يعني أنَّنا أمام خطوةٍ بالغةِ الخطورة تتعلّقُ في جوهرها بالقضيّة الفلسطينيّة في أحرج ساعاتها؛ لا بالشّعائر المقدّسة وحسب، خطوةٍ تفتح الباب على مصراعيه للتساؤلات البريئةِ وغيرِ البريئة عن دلالاتها ومآلاتِها.

اعتداءٌ عنصريّ وتآمرٌ سياسيّ

أكثرُ من مليون نصف من الفلسطينيّين يحملون وثائق مؤقّتة لا جوازات سفر، وهذه الوثائق تتبع الدّول التي تصدر عنها. فهناك الوثيقة اللبنانيّة والسّوريّة والمصريّة والعراقيّة والأردنيّة "بدون رقم وطني"، وهي وثائق مؤقتة أعطيت للاجئين الفلسطينيين لتكون وسائل إثبات وتعذيب.. وهي لعنةٌ تلازمُ الفلسطينيّ في حِلّه وترحاله، فلا تتيح له دخول أغلب بلاد الدّنيا، وتجعله يقف "على جنب" في كلّ مطار لتُمارَس بحقّه كلّ صنوف السّاديّة الأمنيّة المقرفة.

ولكن أن يصل الأمر إلى أن تتبلّغ مكاتب السّفر بمنع أيّ فلسطينيّ يحمل وثيقة السّفر من العمرة والحجّ، واشتراط حمل جواز السلطة الفلسطينيّة ليتمكّن الفلسطينيّ من أداء المناسك وزيارة بيت الله الحرام؛ فهذا ما لم يتخيّله المشرّدون في منافي الأرض وهم الذين يستحقّون أن تُفتَح لهم أبواب البلدان كلّها، لا أن توصَد في وجوههم أبواب مكّةَ المكّرمة والمدينة المنوّرة.

وهذا القرار على ما يحمله من معانٍ ودلالاتٍ عنصريّةٍ موغلةٍ في الإسفاف الأخلاقيّ، وصدٍّ عن سبيل الله والبيت الحرام، واعتداء على حقّ المسلمين في ممارسة شعائرهم بكلّ حريّة، فإنّه ينطوي أيضا على مآلاتٍ سياسيّة بالغة الخطورة من حيثُ توقيت القرار وسياقاته الدولية.

صفقة القرن تمرّ على جثّة وثيقة السّفر

لقد غدا واضحا أنَّ مشروع ترامب لإنهاء القضيّة الفلسطينيّة المتعارف عليه بصفقة القرن يرتكزُ على إنهاء قضايا القدس واللّاجئين وسلاح المقاومة؛ وصولا إلى التّطبيع الشّامل مع دولة الاحتلال. ومن نافلةِ القول أنَّ قضيّة اللّاجئين هي من أهمّ العناوين التي لا وجود لقضيّة فلسطين دونها، وأنَّ اللاجئين تعرّضوا لبخسِ حقّهم في كثيرٍ من دول اللّجوء. ومن أبرز صور هذا البخسِ وثيقة السّفر التي كان يجدر بهذه الأنظمة أن تمنح أصحابها جوازات سفرٍ تليق بإنسانيّة الإنسان في أقلّ تقدير.

ولطالما تذرّعت الدّول في ظلمها للاجئين الفلسطينيّين بأنّها تفعل ذلك كي لا ينسى الفلسطينيون وطنهم وقضيّتهم، فهل هذا الظلم الجديد الذي يمارسه حكّام السّعوديّة اليوم بمنع اللاجئين الفلسطينيّين من الحجّ والعمرة هو من أجل أن يحافظوا على وطنهم وقضيّتهم؟!

إنَّ منع العمل بوثائق السّفر وإجبار حامليها على الحصول على جواز السفر الفلسطيني الذي تصدره السلطة في رام الله؛ هو الخطوة الأولى في طريق محو هويّة اللجوء عن أبناء الشّعب الفلسطينيّ، وتحويلهم إلى مغتربين وجاليات في البلاد التي يتوزّعون فيها، بتنسيقٍ صامت مع السلطة الفلسطينيّة التي أحدثت قبل أحد عشر عاما دائرة شؤون المغتربين في منظمة التحرير الفلسطينيّ؛ لشعبٍ يعيشُ مراراتِ اللّجوء والتّشرّد وعذاباته منذ سبعين عاما.

إنَّ إلغاء وثيقة السّفر بهذه الطّريقة وهذا السّياق، وإجبار النّاس على التحوّل إلى جواز السّفر الذي سيتبعه توطين اللاجئين بوصفهم مغتربين، وصولا إلى إلغاء حقّ العودة، واستخدام شعائر الحجّ والعمرة لفرض هذا المسار السّياسي، هو جريمةٌ بحقّ الحجّ والعمرة، وجريمةٌ بحقّ مكّةَ والمدينة، وجريمة بحقّ فلسطين، وجريمةٌ بحقّ اللّاجئين الفلسطينيّين.

وإنَّ إصرار ابن سلمان على تصدّر المشهد التّطبيعيّ، والسّير في خدمة مشروع ترامب الرامي إلى تصفية القضيّة الفلسطينيّة، هذا الإصرارُ المجلّلُ بالسَّفَه الجارحِ في الإخراج؛ لا يبشّرُ إلَّا بأيّامٍ كالحاتٍ، ولن يفضي إلى أيّ خيرٍ ما لم يؤخذ على يد صاحب القرارِ السّعوديّ وحاشيته؛ من خلال حراك رافضٍ على المستويات الإعلاميّة والشعبيّة والسياسيّة والنخبويّة تمتدّ على خارطة العالم الإسلامي والغربي، وإلَّا فإنَّ الصّمت هو خير غذاءٍ للباطل يقوّيه في مسيره إلى الهاوية التي لن يسقط فيها ابن سلمان وحده، وصدق الله تعالى القائل: "وَاتَّقُوا فِتْنَة لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّة وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ".