كتاب عربي 21

"آمال ماهر" وأزمة الصحافة في مصر!

1300x600
بحذف كثير من المواقع المصرية، لخبر منع المطربة المصرية "آمال ماهر" من الظهور الإعلامي (المسموع والمرئي)، وغناء وكلاماً، فقد تم حرماننا من الوصول إلى أول موقع، وأول محرر، نشر هذا الخبر!

فقد اطلعت على الخبر منشوراً على أكثر من موقع صحفي، ومن "الوطن" إلى "مصراوي"، ومن "الوفد" إلى "البوابة نيوز"، فذهبت إلى موقع الجهة التي أصدرت قرار المنع، وهي هيئة الوطنية للإعلام، فلم أجد على النار هدى، بيد أن أحد المواقع "المتورطة" في نشر الخبر، أفاد بأن القرار وصل إلى القنوات التلفزيونية، ولأسباب مرتبطة بالتنافس على النشر، قلت ربما - لهذا - لم يطلب المحرر من مصدره صورة من القرار، مع أننا في زمن لم يعد الصحفي فيه بحاجة إلى أن يشد الرحال إلى مصدره ليحصل على وثيقة فيكفي أن يرسل صورة منها له عبر أي من التطبيقات، (الواتساب وغيره) فتكون عنده في لمح البصر، لكن النشر المكثف لذات الخبر دفع المرء إلى الاعتقاد بأن هذه المواقع لا تجمع على ضلالة أو خبر مكذوب!

وفي زمن الإعلام الجديد، فإن تكرار النشر لا يعني صحة الخبر، فالمواقع ينقل بعضها من بعض، وانتهى زمن السبق الصحفي، و"الخبطة الصحفية". وذات مرة، كنت أتحدث مع أحد رؤساء التحرير، عن مادة صحفية أعاد موقع الكتروني (واسع الانتشار) نشرها، دون أن ينسبها إلى صحيفته، وفوجئت به يسألني: "وماذا بعد"؟ ودهشت لإجابته قبل أن يفاجئني بما بدد هذه الدهشة، فصحيفته تعيد نشر ما سبق نشره في المواقع، فإذا أمسك فيهم مرة لنشرهم موضوعاً مهماً، سبق أن نشرته صحيفته، فإنهم سيفضحونه كل يوم، ومن هنا يتم التواطؤ بين كافة وسائل الإعلام، لنستدعي اسم الفيلم السينمائي القديم: "يا عزيزي كلنا لصوص"!

ولا شك في أن الأمر تفاقم في زمن الإعلام الجديد، فالخبر الواحد يعاد نشره في أكثر من موقع، في وقت متقارب وأحياناً يكون النقل بذات الأخطاء، وبأسماء محررين مختلفين، والفاصل الزمني هو دقائق، وهو ما يمثل اشكالاً عظيماً يواجه الإعلام الالكتروني، بعد مرحلة التعاطي الأكاديمي معه بمنطق "الزفة" وبنصب "فرح العمدة". وقد ذهب البعض بعيداً حد النظر إلى الإعلام الالكتروني على أنه سينهي الإعلام التقليدي بالضربة القاضية!

القدرة على الحذف، هي أيضاً احدى الإشكالات، وهي في حالة خبر "آمال ماهر" تؤكد على اعتراف هذه المواقع أن هناك جريمة ارتكبت، فهل كانت بعيدة عن الهدف من ورائها؟ وبدلاً من الاعتذار عن نشر خبر كاذب، أو التواطؤ في نشره وترويجه، قامت المواقع بحذفه تماماً، ونشر تكذيب "حسين الزين" رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، وكأنها تتحدث عن آخرين نشروا هذا الخبر الكاذب، ولا تجد نفسها مطالبة بالتحقيق مع ناشر الخبر. فالتحقيق قد يقودنا إلى صحفي يستوجب عقابه وتسريحه للبحث له عن وظيفة أخرى، وفي جميع الأحوال فكل موقع نشر الخبر مدان بدرجة أول بأخرى!

فالناشر الأول قد يكون متواطئاً على ارتكاب جريمة مهنية، وغيره يستحقون عقوبات إدارية لأنهم نشروا خبراً سبق نشره بدون إضافة، فلا يوجد محرر اتصل بحسين الزين، أو أي من أعضاء الهيئة، أو بآمال ماهر، ليضيف جديداً إلى هذا الخبر المنقول. فهل يعقل أنهم جميعهم متواطئون في عملية النشر؟ وأن الفاصل الزمني في النشر بينهم نتيجة ترتيبات خاصة بكل موقع، وليس لأنهم قاموا بالسطو على المنشور في أول موقع؟!

لقد أخذ الخبر مصداقيته، من أن "آمال ماهر" كانت قد تعرضت للاعتداء البدني من قبل الوزير السعودي "تركي آل الشيخ"، وحررت محضراً بالواقعة في قسم الشرطة، قبل أن تتنازل عنه. وتردد أن علاقة زوجية ربطت بينهما انتهت بالطلاق والاعتداء. والخوض في منطقة الحياة الخاصة للناس ليس من طباعنا، يكفيني الاقتراب من الأمر في حدوده التي تسمح بالتعرض للمشكلة موضوع المقال!

وقد جاء القرار المنسوب للهيئة الوطنية للإعلام، بعد إعلان "آل الشيخ" تهديده عبر تغريدة له بأنه "لن يرحم..". وقد كتب "تغريدة" أخرى يهدد مدرب فريق "المقاولون العرب"؛ لأنه تمضمض باللبن الحليب، واستنكر أمراً خاصاً بالوزير بصفته رئيس نادي "بيراميزا المصري". وقد هدد "تركي آل الشيخ " بتأديبه وهو ما حدث فعلا وتم وقف المدرب لمباراتين، حتى يعلم أن العين لا تعلو على الحاجب، فالمذكور يتصرف في مصر تصرف المالك فيما يملك!

الاحتمالات وراء هذا النشر لا تخرج عما يلي:

أولاً: أن هناك نية لاتخاذ هذا القرار، وأن النشر لجس النبض، فلما كان موضوع الساعة على السيوشيال ميديا تم التراجع عنه، وهنا ينبغي إظهار الأمر، وهذا لا يتم إلا بالتحقيق للوقوف إن كان المحرر ضحية أم متواطئاً، وهذا يستوجب أن تكون إدارة المواقع لديها إحساساً بالمسؤولية المهنية، فإن كان القائم على المواقع هم من كتبوا ونشروا، أو حرضوا على الكتابة والنشر، فإن التحقيق ينبغي أن تقوم به نقابة الصحفيين، وهي مشغولة الآن بتغيير قانونها بما يسمح للنقيب بالبقاء سنة أخرى بدلاً من انتهاء دورته في آذار/ مارس المقبل!

وفي بداية عملي بالصحافة، كنت أجريت تحقيقاً في واقعة خسارة مصر لكل قضاياها في الخارج (ما أشبه الليلة بالبارحة)، وقد التقيت في مجمع التحرير بوكيل هيئة قضايا الدولة، وكان اسمه المستشار "محمود فكري السيد"، وقال لي الرجل إن خسارة مصر في ثلاث سنوات هي 18 مليون جنيه، نتيجة اعتماد مصر على مكاتب قانونية فاشلة في الخارج، فلما تأكدت من رسم الموضوع على الصفحة، غادرت إلى مسقط رأسي في الصعيد، لأشتري العدد وقد تمدد الموضوع على صفحة كاملة. ولكن يا "فرحة ما تمت"، فقد عدت بعد الإجازة للقاهرة، لأجد الدنيا مقلوبة رأساً على عقب. فقد أنكر الرجل أن يكون قال هذا الكلام، ونفى أن يكون قد التقى بي، أو يعرفني، لكن عزز من موقفي أن ما قاله تفاصيل قانونية لا يمكن لمثلي أن يلم بها، ثم إنني قدمت لأرشيف الجريدة صورة شخصية له، فمن أعطاها لي؟ وقبل هذا، تصادف أن التقيت عنده بزميل في "الوفد"، قال لرئيس التحرير إن اللقاء كان أمامه، لكن المستشار تعرض لضغوط دفعته لإرسال تكذيب بالنفي. وقد نُشر التكذيب بدون تعقيب بالمناسبة، فقد كنت عند النشر في بلدتي احتفل بنشر اسمي على تحقيق "تمطع" على صفحة كاملة ولأول مرة!

ثانياً: إن النشر قد يكون خلفه صاحب مصلحة في إزعاج "آمال ماهر"، وهي مطربة صغيرة، تفتقد للعلاقات النافذة حد الاعتداء عليها، فتكون مطالبة بالتنازل عن بلاغ تقدمت به للشرطة، بعد انتهاء زمن سوزان مبارك التي تبنتها، كما تبنت جيهان السادات "ياسمين الخيام"، وقد يكون مطلوباً منها تنازلات في أمر ما، فتقدم على ذلك وهي في حالة الارتباك الأولى، لمن تظن أنه لا يقدر عليه أحد.

ثالثاً: أن نشر الخبر كان مجاملة لـ "آمال ماهر" نفسها، ونعرف كيف أن الفنانات يقمن باستغلال بعض المحررين في النشر عنهن، حتى تظل اسماءهن مطروحة دائماً ولا يطويها النسيان، وأخبار الفنانة الفلانية تزوجت، والفلانية العلانية طلقت، وقد تكون أخباراً غير صحيحة وراءها هؤلاء الفنانات أنفسهن، وليس بدافع حرص أهل الصحافة على الخوض في الحياة الخاصة لأهل الفن!

لقد خُيل للمواقع التي نشرت خبر "آمال ماهر" أنها قامت بمحو آثار الجريمة بالحذف، لكن فاتها أنه عند البحث عبر "جوجل" تظهر ملامح الجريمة، صحيح عند الضغط عليها تفضي إلى ما يشير بالحذف أو إلى مادة صحفية أخرى، إلا أن الجريمة قائمة!

إنها محنة الصحافة في زمن الإعلام الجديد!