من جديد، سربت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية موعدا جديدا للإعلان عن صفقة القرن يتوافق مع انعقاد جلسات الجمعية العامة 73 للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول القادم، سبقه تسريب عن تأجيل الإعلان عن الخطة الأمريكية بعد انتخابات الكونغرس المقررة في تشرين الثاني؛ ما يطرح جملة من الأسئلة حول دواعي التسريبات المتكررة لموعد الكشف عن بنود صفقة القرن أو تأجيلها؟
الإعلانات المتكررة قابلتها مبررات متعددة لتأجيل الإعلان عن الصفقة؛ فتارة يتم الحديث عن حاجة جيسون غرينبلات اليميني المتطرف مبعوث الإدارة الأمريكية إلى المنطقة وصهر الرئيس كوشنر لإجراء حوارات مع الأطراف المعنية بالصفقة.
وتارة أخرى برغبة الولايات المتحدة الأمريكية بإنشاء تحالف واسع يضم دولا عربية خليجية على رأسها السعودية والإمارات العربية؛ غير أن الإعلان والتأجيل المتكرر ارتبط غالبا بتسريبات هنا وهناك؛ تسريبات كان أكثرها إثارة ما نقل عن صهر الرئيس جاريد كوشنر عن عدم توافر الموارد الاقتصادية والسياسية الكافية لإطلاق الصفقة وتردد المملكة العربية السعودية الانخراط في جهود الإدارة الأمريكية؛ خصوصا بعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس؛ فالتصريحات الأمريكية تبدوا متناقضة ومربكة.
الإعلان والتأجيل والتبرير؛ جلها يقع في خانة التسريبات التي تتولاها الصحافة التابعة للكيان الإسرائيلي منقولة عن الإدارة الأمريكية في حين تكتفي الأطراف العربية المعنية بالترقب أو بتأكيد رفضها للصفقة كالسلطة الفلسطينية وقوى المقاومة وعلى رأسها حماس؛ في حين أكد الأردن وعلى لسان الملك عبد الله الثاني أكثر من مرة عدم اطلاعه على خطة وبنود الصفقة؛ أو أي ورقة يمكن التعاطي معها كما فعل مؤخرا عند لقائه مجموعة من الكتاب والصحفيين في الديوان الملكي بالقول: إنه لم يطلع على خطة أو رقة تتناول بنود الصفقة؛مؤكدا أكثر من مرة تمسكه بحل الدولتين وموقف المملكة من القدس؛ لقاء تبعه تسريب الصحافة الإسرائيلية " القناة العاشرة" تحدث عن تحذير الملك عبد الله الثاني للرئيس الأمريكي ترامب من خطورة التخلي عن فكرة حل الدولتين ما دفع ترامب إلى القول: ما تقوله منطقي… في حال سيناريو الدولة الواحدة، فإن رئيس وزراء إسرائيل سيكون اسمه محمد في غضون سنوات قليلة"، ساخرا ومستنكرا إمكانية تحول فكرة الدولة الواحدة ثنائية القومية إلى تهديد للكيان الإسرائيلي.
غير أن اللافت في التسريب الأخير لموعد إعلان ترامب خطته المزعومة " صفقة القرن " في سبتمبر/ أيلول المقبل؛ مسارعة الرئيس الأمريكي إلى التصريح خلال حديثه عن خطته لتسوية القضيّة الفلسطينيّة، فجر الأربعاء 22 آب بالقول: إنه خلال المفاوضات "ستدفع إسرائيل ثمنًا أكبر بكثير، لأنها أخذت هديّة قيّمة جداً"، في إشارة إلى الاعتراف بالقدس عاصمةً للكيان الصهيوني.
مضيفا: "أزلنا قضيّة القدس عن طاولة المفاوضات". موحيا باقتراب موعد الكشف عن الخطة المزعومة ؛ لكنه لم يشر إلى ملف اللاجئين الذي يعتبر الآن من الملفات الساخنة بعد تقليص الإدارة الأمريكية قيمة المنحة الموجهة نحو الأونروا.
في كل الأحوال فان الإعلان الأخير للرئيس الأمريكي جاء مع إطلاق حزمة كبيرة من التسريبات كان أبرزها لقاء جبسون غرينبلات مع "طارق" ابن الرئيس محمود عباس العام الماضي (2017 ) على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة الـ 72؛ يضاف إلى ذلك أنها جاءت في ظل مناخ سياسي مشدود إلى تطورات الجهود المبذولة للوصول إلى هدنة طويلة في قطاع غزة؛ غير أن ذلك كله لا يقدم تفسيرا واضحا لموجة التسريبات حول صفقة القرن وموعدها هذه المرة؛ علما بان الصفقة باتت تحمل سمة التسريب لكثرة المعلومات حول موعدها والغموض حول بنودها.
فالمشهد السياسي المحتقن في الإقليم وداخل الولايات المتحدة الأمريكية لا يبتعد كثيرا عند محاولة تفسير تكتيك التسريبات الإعلامية والدبلوماسية المتكررة؛ فالتوتر كبير في علاقة الولايات المتحدة مع كل من إيران وتركيا؛ والمشهد الإقليمي محتقن ومستقطب إلى أقصى الحدود بعد استهداف أمريكا لتركيا بوجبة من العقوبات الاقتصادية؛ فاتحة الباب لمزيد من التعقيدات التي ستقف عائقا أمام الإدارة الأمريكية المرتبكة والمضطربة في عرض رؤيتها وتمريرها في المنطقة خصوصا ما يتعلق منها بالصراع العربي الصهيوني.
لا تقتصر أزمة الإدارة الأمريكية على توصيف المشهد الإقليمي ومناخه المحتقن بل تمتد نحو احتقان أشد خطورة في الساحة الأمريكية كشف عنه إعلان المدعي العام الأمريكي توجيه (8) اتهامات جنائية لمدير حملة ترامب مانفورت تصل عقوبتها إلى 80 عاما، وإعلان محامي الرئيس الأمريكي مايكل كوهين عن عقد صفقة عن روبرت مولر المحقق الخاص في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية؛ بشكل أثار زوبعة كبيرة حول الرئيس وأعاد إلى المشهد الحقائق المتعلقة بمستقبل الرئيس وتداعيات ذلك على مسار انتخابات الكونغرس المقبلة.
تطورات الساعات الأخيرة في أمريكا لعبت دورا كبيرا على الأرجح في ظهور المزيد من التسريبات حول إمكانية الإعلان عن صفقة القرن في سبتمبر/ أيلول المقبل بدل الانتظار إلى ما بعد انتخابات الكونغرس الأمريكي التي تظهر فيها الاستطلاعات تقدم خصوم الرئيس من الديمقراطيين؛ ما يجعل من إعلان الصفقة طلقة أخيرة في جعبة الإدارة الأمريكية ومناورة لحشد القوى الداعمة للرئيس ومرشحيه المفضلين؛ ومحاولة أخرى لخلق ارث يعقد عمل المؤسسات الحكومية الأمريكي وعلى رأسها الخارجية والكونغرس الأمريكي في غرفتيه مستقبلا بوضع المزيد من العوائق والقيود التي تضيق هامش المناورة أمام المشرعين.
ختاما: التسريبات في حقيقتها ستبقى مجرد فقاعات سياسية؛ ذلك أن جون بولتون مستشار ترامب للأمن القومي في تسريب جديد أعلن عن حاجته لمتطوعين من وزارة الدفاع و مجتمع الاستخبارات لإعداد بنود الصفقة وتداعياتها الاقتصادية والسياسية؛ وكيفية الترويج لها إعلاميا؛ خطوة تكشف الكثير عن طريقة إدارة البيت الأبيض لملفاته الكبرى فالصفقة كما هو واضح أصبحت أداة تستخدم في صراع داخلي أو لإثارة الكثير من الغبار على المشهد الدولي فهي تفتقد إلى ابسط المعايير المتعلقة بإعدادها وتمريرها خطوة ما زال بولتون يبحث عن متطوعين لها؟.. دليل آخر على أن الصفقة ستبقى مجرد تسريبات أو خطابات توجه من على منابر إعلامية وليست نتاج لقاءات ومفاوضات وحوارات مع الأطراف المعنية.