كتاب عربي 21

مستقبل سوريا بين رؤيتين: التسوية الشاملة أو التصعيد والصراع؟

1300x600
"الأوضاع في سوريا ستشهد خلال الأشهر القليلة المقبلة تطورات حاسمة تحدد مستقبل هذا البلد والدول المحيطة به".. هذا ما تؤكده الأوساط السياسية والدبلوماسية في بيروت. لكن هذه الأوساط لا تتفق على رؤية موحدة لمستقبل سوريا والمنطقة، ففي حين أن المصادر القريبة من النظام السوري وحلفائه (إيران وحزب الله وروسيا) تؤكد أن "الأمور أصبحت محسومة في هذا البلد"، وأن "هناك خطة متكاملة سيتم تنفيذها في المرحلة المقبلة"، فإن مصادر دبلوماسية لبنانية رسمية تعتبر أن "الصراع في سوريا لم يحسم نهائيا، بل إن الأشهر المقبلة ستشهد المزيد من التصعيد لحسم الخيارات المستقبلية، رغم التقدم الكبير الذي أحرزه النظام السوري وحلفاؤه خلال الأشهر الماضية على الصعيد الميداني وخصوصا في الجنوب".

فما هي تفاصيل الرؤيتين حول مستقبل سوريا؟ وإلى أين تتجه الأوضاع في المرحلة المقبلة؟ وما هو تأثير ما يجري على الصراع في المنطقة؟

على صعيد الرؤية الأولى، تقول مصادر سياسية مطلعة في بيروت (قريبة من النظام السوري وحزب الله): "إن الأزمة السورية أصبحت في مرحلتها الأخيرة بعد القمة الروسية-الأمريكية الأخيرة في هلسنكي، وبعد التسليم الأمريكي لروسيا بالدور الأساسي في سوريا ومتابعة كل المراحل المقبلة. وإن هناك قرارا أمريكيا بالانسحاب من سوريا، باستثناء إبقاء قوات أمريكية محدودة في شمال شرق سوريا (لحماية آبار النفط) وفي منطقة التنف، بانتظار الحلول النهائية، ولإبقاء الضغط على حزب الله والقوات الحليفة لإيران ومنع فتح المعابر الحدودية إلا بعد الاتفاق السياسي الشامل".

وتضيف المصادر: "إن روسيا تتابع حاليا عدة ملفات في سوريا، ومنها ترتيب عودة النازحين، ولا سيما من لبنان والأردن، وإعادة الإعمار ووضع الخطط المتنوعة لتنفيذ ذلك، وإعادة هيكلة الجيش السوري كي يكون قادرا على مواكبة المرحلة المقبلة، ووضع أسس الحل السياسي الشامل من خلال وضع دستور جديد، وإجراء انتخابات نيابية ومن ثم رئاسية. أما على الصعيد الميداني، فهناك تركيز الآن على حسم الأوضاع في منطقة إدلب بالتعاون مع تركيا، وذلك إما من خلال المفاوضات أو عبر الحسم العسكري، وإن المشكلة الأساس تتعلق حاليا بمستقبل عشرات آلاف المقاتلين الأجانب وتحديد مصيرهم".

وتؤكد المصادر أن "كل الحلول السياسية والترتيبات الأمنية، ولا سيما في الجنوب، لم ولن تكون على حساب الدور الإيراني ودور حزب الله، وإن هناك تنسيقا روسياً سورياً إيرانياً، وحزب الله يواكب التطورات، وإن الحلول السياسية المقبلة ستكون لمصلحة الجميع".

وفي مقابل هذه الرؤية المتفائلة حول مستقبل سوريا ودور حلفاء النظام السوري، فإن مصادر دبلوماسية رسمية في بيروت لديها وجهة نظر أخرى، ومن المعطيات التي تتضمنها هذه الرؤية؛ أن "الصراع على مستقبل سوريا والمنطقة لا يزال قائما، رغم التقدم الميداني الذي حصل لصالح النظام وحلفائه (والذي تم وخصوصا في الجنوب بتنسيق أمريكي-روسي)، وبمراعاة الحسابات الإسرائيلية؟ وإن الأمريكيين وحلفاءهم لم يعطوا الروس الضوء الأخضر الكامل لإدارة الملف السوري، وإن الصراعات الميدانية في شمال سوريا وشرقها وبعض مناطق الجنوب ستستمر لحين حسم القرار بشأن مستقبل النظام السوري، وإن الدور التركي لا يزال فاعلا، والأتراك لم يحسموا قرارهم بالاتجاه الكامل نحو روسيا وإيران، وهم يراعون الموقف الأمريكي وبعض الدول العربية، كذلك فإن الأكراد لم يتخذوا القرار النهائي بالاتفاق مع النظام السوري. وإن كل الخيارات لا تزال قائمة، كما يوجد في سوريا عشرات الألوف من المقاتلين الأجانب والعرب والسوريين لم يدخلوا في التسوية حتى الآن، ولذا فإن الصراع مستمر والحلول ستأخذ بعض الوقت".

وتجمع كلا الرؤيتين على أن مستقبل الوضع في سوريا سيكون له تأثير على كل الأوضاع في المنطقة. وفي المقابل، فإن ما يجري في لبنان وتركيا والأردن والعراق وإيران له تأثير على الوضع في سوريا، وإن كلا المحورين المتصارعين في المنطقة يضغطان كي تكون نتائج الصراع لصالح كل منهما. لكن رغم الاختلاف في تفاصيل كل من الرؤيتين، فإنه يمكن القول إن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة على صعيد مستقبل الصراع في سوريا، وإن نتيجة هذا الصراع لن تحسم فقط مستقبل سوريا ونظامها، بل سيكون لها تأثير مباشر على دول المنطقة والنظام الإقليمي والدولي، فأي مستقبل ينتظرنا؟