كتاب عربي 21

الإصلاحات الاقتصادية في ليبيا: لماذا تأخرت وهل تنجح في احتواء الأزمة؟

1300x600

نفى المصرف المركزي الليبي صحة ما يُتداول على مواقع التواصل الاجتماعي من أخبار عن خفض السعر الرسمي للدينار الليبي في مقابل الدولار إلى 4.5، والنفي لا يعني بالضرورة عدم صحة الخبر المتداول، فالنفي ربما متعلق بعدم صدور القرار.

المعلومات عن اتفاق الجهات المعنية حول ضرورة تعديل سعر صرف الدينار بطريقة أو أخرى ليست محل شك، فهي محور ارتكاز برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تبناه المجلس الرئاسي بمشاركة المصرف المركزي، وانحسر الخلاف في التعديل بشكل مباشر أو فرض رسوم على بيع الدولار تصل إلى 3 دينار.

ربما من بين دواعي التردد فيما يتعلق بتغيير سعر الصرف هو أن هذه الصلاحية منوطة بمجلس إدارة المصرف المركزي، وكما هو معلوم فإن المجلس لم يلتئم منذ مدة بسبب الخلاف بين أعضائه والذي وصل إلى تبادل الاتهامات وتشكيل مصرف مركزي موازي لمركزي طرابلس. 

السؤال المهم : لماذا تأخر تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي والذي تم التوقيت له بمدى زمني لا يتعدى الأول من شهر أغسطس؟

فقد وعد محافظ مركزي طرابلس في تصريحات عدة مؤخرا عن موعد لبدء التنفيذ في شهر يوليو الماضي، ثم أكد أنه سيتم الشروع في الإصلاحات مع بداية الشهر الجاري، لكن يبدو أن الشهر سينقضي ولن تقع أي إصلاحات، فهذا ما أكدت عليه بعض المصادر القريبة من مركزي طرابلس.

بعض المصادر تتحدث عن خلافات حول مشروعية القرارات بخصوص تنفيذ الإصلاحات، وعن فاعليتها في ظل الخلافات في قمة هرم السلطة التنفيذية، خاصة بعد انسحاب فتحي المجبري من المجلس الرئاسي.

أيضا هناك تكهنات تتعلق بالدور الخارجي في برنامج الإصلاح الاقتصادي، وسيأتي الإشارة إلى ذلك لاحقا.


السؤال الثاني الذي لا يقل أهمية هو: هل ستنجح الإصلاحات الاقتصادية المقررة في احتواء الأزمة المالية والقضاء على مشكلة النقص الحاد في السيولة وارتفاع الأسعار بشكل كبير؟

كما أشرت سابقا، فإن الفكرة المحورية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي تدور حول توظيف سعر الصرف لعودة الثقة في الجهاز المصرفي والقضاء على سوق العملات الموازي، وتدوير النقد المحلي بشكل سلسل في أوعية الاقتصاد.

فعندما يتم عرض الدولار عبر المصارف أو أي نقاط رسمية بديلة بسعر أقل من السعر الموازي فإنه سيقع إقبال على شرائه؛ فيوفر ذلك كميات كبيرة من الدينار ستستخدم في مجابهة الشح في السيولة.

هذا البرنامج يتطلب شروطا أساسية لنجاحه، واعتقد أن صعوبة تحقيق هذه الشروط يشكل أكبر التحديات أمام تحقيق النتائج المرجوة من الإصلاح، ويمكن تلخيص هذه الشروط في:

1)توفير الدولار بشكل كافي ومستمر لمكافأة الطلب عليه، حتى يقع التوازن الحقيقي بين المعروض والمطلوب منه ونصل إلى مستوى مرضي لسعر صرف الدينار.

2)قطع الطريق على التدخلات التي تعطل انسيابية عرض الدولار وسهولة تداوله وإتاحته للراغبين في الحصول عليه من كافة الشرائح.

اعتقد أن هناك إشكالية ما تزال قائمة فيما يتعلق بتوفير الدولار، ويبدو لي أن القيود المفروضة من الخارج على تداوله في السوق المحلي ما تزال نافذة ولم يتم التوصل إلى اتفاق حول ضمانات يطلبها الخارج لمنع تسرب النقد الأجنبي، ومن ثم وقوعه في أيدي عناصر تنتسب إلى تنظيمات إرهابية.

أيضا لا توجد ضمانات حتى الآن تمنع التدخلات التي يمكن أن تقود إلى التحكم في المعروض من الدولار بشكل يمنع تداوله بيسر، وهناك مؤشرات على أن الفساد ومنظومته اتسعت بشكل كبير لتضم أعداد كبيرة من المستفيدين، وقد رأينا ذلك بوضوح في تجربة مخصصات أرباب الأسر "400 دولار".

هناك مؤشرات على تشكل شبكة واسعة تضم أعداد غير قليلة من المواطنين المتربحين من الدولار ارتبطوا بعلاقة مع مجموعات داخل المصارف، بحيث تم التحكم في عملية الحصول على مخصصات أرباب الأسر بشكل شل قدرتها على التأثير إيجابيا على سعر صرف الدينار.

 وإذا أضفت إليها تجار العملة والمضاربين بمختلف مستوياتهم وقدراتهم فإن هناك احتمالا التحكم في تداول النقد الأجنبي بشكل يمنع فاعليته المخططة لتصحيح الوضع الاقتصادي المأزوم.

قد يكون من بين أسباب التأخير في تنفيذ الإصلاحات العمل على تفادي هذه التحديات، ولعل في جعبة الأطراف المعنية ما يقاوم العقبات السابقة الذكر، ومع التسليم بالحاجة لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية للتخفيف من معاناة المواطنين، لكن لا أتوقع أنها ستعيد الوضع إلى مستوى مريح بالنسبة للمواطن وللاقتصاد الليبي ككل، لأن الإصلاح الاقتصادي الفاعل منوط بإصلاح سياسي واستقرار أمني وتفعيل كافة أجهزة الدولة التنفيذية والرقابية.