قضايا وآراء

عندما تحدث محمد صلاح في السياسة

1300x600
في خضم فاعليات مونديال كرة القدم في روسيا الخاطف لقلوب العالم وألبابهم، يضع مشجعو كل منتخب آمالهم قبل أعينهم على المتميزين من اللاعبين في فرقهم؛ معلقين أحلامهم على فوز يؤهلهم لأدوار نهائية يرون فيها أمجادا لبلادهم، في ظل إحباطات الحياة المادية الطاغية التي حولت الإنسان إلى آلة تستهلكها الحياة اليومية.

وبعد الأداء الذي لم يرق لمشجعي المنتخب المصري الذي لقي ثلاث هزائم، ليضيف إلى تاريخه سجلا جديدا من الإخفاقات، كان خبر رغبة النجم محمد صلاح اعتزال اللعب دوليا صاعقة جديدة، تضاف إلى نتيجة مباراة السعودية التي يراها البعض مدفوعة سياسيا لإرضاء الكفيل.

محمد صلاح يعد الشخصية الأكثر شهرة والأكثر شعبية في العالم الإسلامي، بل والعالم بأسره، بعد أن أثبت جدارة كبيرة وحاز على جائزة أفضل لاعب في إنجلترا؛ أهلته لينافس كبار اللاعبين في العالم لنيل جائزة أفضل لاعب في العالم، ولولا تجربته القصيرة وعدم تحقيقه بطولات كثيرة خلال فترة احترافه لنالها، فالمعشوق في الداخل والخارج ليس فقط من أجل براعتة مع الكرة، ولكن بسبب سلوكه المتواضع والودي، فقد أصبح رمزا للإسلام المعتدل السائد في أوروبا التي لا يزال المسلمون فيها يعانون من هجمة منظمة لشيطنتهم.

وفيما يبدو أن الشاب الذي لم يتجاوز الست والعشرين عاما، قرر أن ينهي مسيرته مع منتخب بلده بعد أن سئم استغلاله المستمر لغرض الدعاية من قبل النظام الحاكم فيها. وإذا قرر محمد صلاح بالفعل الاعتزال، فسيكون ذلك مؤلما له ولمعجبيه، لكنه سيكون أيضا القرار الصحيح للتخلص من ذلك الاستغلال الذي وصل إلى حد الاسترقاق في ظل نظام لا يعرف في تعامله مع مواطنيه أو حتى الأنظمة الصديقة له إلا الاستغلال.

فبداية من الضغط عليه للعب وهو مصاب بقرار من رأس النظام، أو حتى بإيحاء منه، حتى يذكر المنتخب بذكر محمد صلاح، ومن ثم ينسب النظام إنجازا لم يحققه لنفسه. سافر الفريق إلى منطقة الشيشان ذات الحكم الذاتي، والتي تحكمها حكومة قمعية موالية لنظام دموي له سجل أسود في حقوق الإنسان. أجبر الشاب الصغير على لقاء زعيم الشيشان المفروض على شعبه، رمضان قديروف، ليقع محمد صلاح في حرج جديد مع محبيه في الغرب والشرق، بعد أن منح زعيم الشيشان؛ محمد صلاح المواطنة الشرفية. بلا شك لم تكن تلك الخطوة إلا وسيلة دعائية من قبل قديروف لاستغلال صلاح لتجميل وجهه القبيح وتبيض سجله الأسود، ولم يكن ذلك ببعيد عن ترتيبات النظام الراغب في إرضاء سيده الروسي.

ولكن ليست هذه المناسبة الوحيدة التي استغل فيها صلاح، فإجبار صلاح على التبرع لصندوق تحيا مصر لم يأت على هواه، لكنه قبل مجبرا من أجل ألا يواجه تعنتا من السلطات في تحقيق حلمه في اللعب في كأس العالم الذي كان منتخبه على شفا الوصول إليه، لكن صلاح خرج عن صمته حينما استغل بشكل لم يراع قوانين الاحتراف وما ترتبه من اتفاقات رعاية وتسويق، فخرج على تويتر معترضا على تصرف لا يخرج عن إطار الطمع والاستغلال، والميل لبيع أي شيء بأي طريقة للتربح.

رضوخ صلاح لأطماع واستغلال النظام لم يكن نابعا فقط من رغبته في اللعب في كأس العالم، بل أيضا لخوفه من التهديد المستمر باستدعائه للتجنيد مما قد يؤثر على تعاقداته الاحترافية. كما تم إخبار صلاح بأن عائلته، التي لا تزال تعيش في مصر، لن يُسمح لها بمغادرة البلاد إذا لم يلتزم بما يملى عليه، بحسب ما أوردته جريدة الإندبندنت البريطانية، في تقرير لها الأسبوع الماضي.

خلال الفترة الماضية، وتحديدا بعد اعتراض صلاح الذي أبداه على حادثة استغلاله إعلانيا من قبل شركة يتعاقد معها النظام في مصر، بدأ تداول فيديو لمقابلة قديمة لصلاح يسأل فيها عن عدم تكريمه من قبل الرئيس السابق محمد مرسي وهل لأنه ليس إخوان مسلمين، فرد الشاب الصغير ضاحكا: "مين قال إني مش إخوان، انا مربي دقني الحمد لله". لكن نظاما ينتهج الابتزاز أخرج الفيديو هذه الأيام ليرسل رسالة لصلاح، وفي نفس الوقت يمهد لنفسه ويبرر أي عقوبات قد يتخذها لتضيع مستقبل الشاب النابه.

قصة محمد صلاح ومحاولة تدمير مستقبله ليست الأولي، فالنظام الذي يريد أن يطوع كل شيء ويستغل كل شيء من أجل اكتساب شعبية وشرعية، والظهور بمظهر محقق الإنجازات فعلها من قبل مع رياضيين آخرين مثل محمد أبو تريكة، وأحمد المرغني، ومن قبلهم أحمد عبد الظاهر، ولاعب الكونج فو وبطل العالم فيها هشام عبد الحميد. والأمر لم يقتصر على اللاعبين، بل نال الفنانين ما نال الرياضيين، لتخسر مصر مجموعة من مبدعيها في التمثيل والشعر والقصة، مثل خالد أبو النجا، وهشام عبد الله، ومحمد شومان، وهشام الجخ، وعبد الله الشريف، وغيرهم الكثير.

فهل اعتراض محمد صلاح وإبداؤه الرغبة في الاعتزال بعد أن واجه وحيدا استغلال النظام؛ ستكون نهايته من خلال إطلاق أبواق النظام الإعلامية لمهاجمته وشيطنته؟ لكني أرى أن موقف الجماهير التي احتشدت أمام منزل اللاعب الخلوق قد تجعل من النيل منه صعبا، فالنظام مهما كان قويا لا يستطيع أن يقف أمام الجماهير لو أخلصت لقضية وأرادت أن تحميها.