كتاب عربي 21

ديناميات إخضاع الثورة السورية

1300x600

تلخص مجريات المعركة المأسوية التي تدور رحاها في مدينة درعا، مهد الشرارة الأولى للثورة السورية، ديناميات إخضاع الثورة، عبر تكتيكات مركبة ومتدرجة، من خلال التلاعب في المعجم الدلالي لحدث الثورة، وتحويله إلى أزمة داخلية وحرب أهلية ومشكلة إنسانية، وذلك في سياق استراتيجيات الثورات المضادة لقطع مسارات دومينو ثورات الربيع العربي، حيث تشكل تحالف هجين من القوى الإمبريالية الدولية والأنظمة الدكتاتورية الإقليمية تحت مسمى مجموعة "أصدقاء سوريا"، فور تدشين ثورة الشعب السوري ضد النظام الدكتاتوري منتصف آذار/ مارس 2011. وقد تساءلنا كغيرنا منذ البداية استنكاريا: كيف يمكن أن تقوم قوى إمبريالية وأنظمة دكتاتورية بدعم ثورة جاءت للتحرر من الهيمنة الإمبريالية، والتخلص من السيطرة الدكتاتورية.

رغم الرطانات البلاغية المطالبة برحيل الأسد، لم تتخذ أي إجراءات سياسية حقيقية لرفع الغطاء عن شرعية النظام الفاشي، واكتفت بتقديم مساعدات عسكرية لا تساهم في خلق توازن عسكري


منذ الإعلان عن تشكيل تحالف الإمبرياليين والدكتاتوريين وتأسيس نادي مجموعة "أصدقاء سوريا"، لم تسفر الاجتماعات المتتالية عن تحقيق أي معنى للصداقة. ورغم الرطانات البلاغية المطالبة برحيل الأسد، لم تتخذ أي إجراءات سياسية حقيقية لرفع الغطاء عن شرعية النظام الفاشي، واكتفت بتقديم مساعدات عسكرية لا تساهم في خلق توازن عسكري يدفع النظام السوري وحلفائه للدخول في مفاوضات جدية تفضي إلى خاق نظام جديد. ومنذ انعقاد أول اجتماع لـمجموعة "أصدقاء سوريا" في تونس بتاريخ 24 شباط/ فبراير 2012، ثم توالي الاجتماعات بوتيرة متسارعة في أماكن شتى، حيث عقد الاجتماع الثاني في إسطنبول في 1 نيسان/ أبريل 2012، والثالث عقد في باريس في 16 تموز/ يوليو 2012، وبعدها تتابعت الاجتماعات، إذ عقد الاجتماع التالي في 11 كانون الأول/ ديسمبر 2012 في مراكش. وفي 22 أيار/ مايو 2013، عقد المؤتمر في العاصمة الأردنية عمان، وبعدها عقد المؤتمر في الدوحة في 22 حزيران/ يونيو 2013، ثم عقد المؤتمر في روما بتاريخ 8 أيلول/ سبتمبر 2013، ثم مرة أخرى في باريس في 13 كانون الثاني/ يناير 2014، وختاما انعقد في العاصمة الفرنسية باريس في 10 كانون الأول/ ديسمبر 2016.

على مدى سنوات من اجتماعات نادي أصدقاء سوريا من تحالف الإمبريالية والدكتاتورية، تكشفت حقيقة جلية واضحة أن تلك الفعاليات لم تكن سوى أحد الديناميات في استراتيجية الثورات المضادة لا تقتصر على سوريا بل تشمل العالم العربي من خلال ديمومة الصراع المسلح وجعل سوريا عبرة لكل من يطالب بالحرية والديمقراطية والعدالة في المنطقة، فسرعان ما تحولت اجتماعات النادي الإمبريالي الدكتاتوري للتباحث حول مسألة "الجهاديين" والجماعات "الإرهابية" المسألة الأساسية في النقاش والتداول وطرائق الدعم والعمل، وقد ظهر التحول جليا في التعاطي مع الثورة السورية بصورة لافته بعد صفقة نزع السلاح "الكيماوي" مع نظام الأسد الفاشي، عقب الهجوم الكيماوي الذي نفذه النظام في 21 آب/ آغسطس 2013 على غوطة دمشق، حيث كشفت الصفقة عن عملية إعادة ترميم شرعية النظام السوري، وأسفرت عن تقارب الولايات المتحدة وروسيا التي دخلت على خط الأزمة كلاعب أساسي منذ 30 أيلول/ سبتمبر 2015.

نادي "أصدقاء سوريا" من تحالف الإمبرياليين مع الدكتاتوريين بدأ يتماهى مع خطاب الأسد حول موضوعة "الإرهاب"، وقد تخلى عن حماسته الخطابية المتعلقة بإسقاط النظام. فعمليات فرز قوى المعارضة أسفرت عن تنامي أطروحات "الجهاديين"، ودفعتهم نحو مزيد من التوجهات الراديكالية في ظل نزاع مسلح دموي طويل بدأ ياخذ أشكالا هوياتية دينية طائفية خطيرة، كما برزت خلافات عديدة بين أبرز الأعضاء الفاعلين في مجموعة "أصدقاء سوريا"؛ عملت على تشتت قوى المعارضة السورية السياسية والعسكرية، حيث انشغلت مجموعة "أصدقاء سوريا" في عملية بحث غير مجدية عن المعتدلين، وانهمكت في سياق إعادة تعريف الاعتدال والتطرف والإرهاب داخل صفوف المعارضة السورية المسلحة، ولم تكتف بالمقررات الأممية التي اكتفت بتصنيف تنظيم "الدولة الإسلامية" وجبهة النصرة كمنظمات إرهابية.

 

نادي "أصدقاء سوريا" من تحالف الإمبرياليين مع الدكتاتوريين بدأ يتماهى مع خطاب الأسد حول موضوعة "الإرهاب"، وقد تخلى عن حماسته الخطابية المتعلقة بإسقاط النظام

عقب خمس سنوات على انطلاق الثورة السورية، تحولت الرؤية الدولية، حيث بات الأسد شريكا في حرب الإرهاب، وبات الجدل ينطوي على إمكانية تأهيله شخصيا والتسليم بضرورة المحافظة على مؤسسات دولته السياسية والعسكرية والقانونية للوقاية من تفشي الإرهاب، وغدت محادثات السلام المتقطعة في جنيف تقتصر على دروس في تعريف معنى الإرهاب وتحديد هوية الإرهابيين، وأخذ نادي "أصدقاء سوريا" بالتفكك والانحلال. فبعد أن ضمت المجموعة في بداية التأسيس أكثر من 100 دولة تقلصت إلى أقل من 10 دول، ليحل مكانه تحالف جديد من ذات الدول في أيلول/ سبتمبر 2014 تحت ذريعة حرب إرهاب تنظيم "الدولة الإسلامية".

إن النادي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية كقوة إمبريالية عولمية بالتحالف مع الدكتاتورية المحلية؛ لم يكن من أجندته يوما دعم ثورة، بل إجهاضها. فالأهداف الإمبريالية الأمريكية الاستراتيجية في المنطقة تقوم على حماية أمن واستقرار إسرائيل وحلفائها من الدكتاتوريين. ومنذ تولي ترامب مقاليد الإدارة الأمريكية، سار على خطى سلفه أوباما عمليا في كافة المسائل السياسة الخارجية الأساسية. إذ لم تكن مسألة إزاحة الأسد أولوية لأوباما، لكنه استخدم خطابا ملتبسا، حيث اقتصرت خطاباته على مطالبة بشار الأسد بالتنحي عن السلطة في آب/ أغسطس 2011، وطالبت إدارة أوباما عقب انطلاق الثورة السورية النظام بإجراء إصلاحات تلبي مطالب المحتجين، ودعت إلى وقف العنف، ثم مارست ضغوطا محدودة على النظام السوري؛ تمثلت بفرض حزمة من العقوبات المالية والاقتصادية في 18 أيار/ مايو 2011، شملت الرئيس بشار الأسد وعددًا من المسؤولين السياسيين والأمنيين. وعلى الرغم من أنّ أوباما اعتبر في مقابلة تلفزيونية مع شبكة "سي بي إس" في 12 تموز / يوليو 2011؛ أنّ بشار الأسد "فقد شرعيته لعجزه عن إنجاز التحول الديمقراطي"، فإنّه لم يدعه إلى التنحي عن الحكم.

عندما توصلت مجموعة العمل حول سوريا، في 30 حزيران/ يونيو 2012، إلى اتفاق جنيف، والذي يتألف من ست نقاط لحل الأزمة السوريّة، حافظت إدارة أوباما على غموضها الملتبس حول مستقبل الأسد في المرحلة الانتقالية وتركته نهبا للتفسيرات، حيث أصرت روسيا حينها على أنّ الاتفاق لا يشير إلى رحيل الأسد كنقطة انطلاق للتنفيذ. وقد كان الرئيس أوباما أكثر وضوحا في خطاب "حال الاتحاد" في 12 شباط/ فبراير 2013، إذ لم يتطرق إلى مسألة إزاحة الأسد، واكتفى بالقول إنّه سيواصل ضغوطه على النظام السوري وسيدعم قادة المعارضة.

النادي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية كقوة إمبريالية عولمية بالتحالف مع الدكتاتورية المحلية؛ لم يكن من أجندته يوما دعم ثورة، بل إجهاضها


ولم يكن موقف إدارة ترامب مفاجئا حول مسألة رحيل الأسد، فقد كان استمرارا لسياسة أوباما بعد تخليصها من الغموض والالتباس. فعندما صرحت مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة "نيكي هيلي"، في 30 آذار/ مارس 2017، بأن سياسة بلادها في سوريا لم تعد تركز على إزاحة الرئيس بشار الأسد، كانت تزيح الستار عن سحب الغموض الأوباموي، لكنها أكدت على جوهر السياسات الأمريكية بعبارات مشابهة، حين أضافت بأن "أولويتنا هي كيفية إنجاز الأمور، ومن نحتاج للعمل معه لإحداث تغيير حقيقي للناس في سوريا ولا يمكننا بالضرورة التركيز على الأسد بالطريقة التي فعلتها الإدارة السابقة".

وكان وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون قد قال بدوره إن مصير الأسد سوف يحدده الشعب السوري على المدى الطويل. وفي سبيل سياسة الوضوح والفجاجة، قال المتحدث باسم البيت الأبيض السابق، شون سبايسر، إن هناك حقيقة سياسية واقعية علينا تقبلها بخصوص حكم رئيس النظام السوري بشار الأسد، وشدد على أن بلاده بحاجة الآن إلى التركيز على هزيمة تنظيم الدولة، و"هناك أولويات راسخة في سوريا والعراق، وقد أوضحنا أن مكافحة الإرهاب، وخصوصا هزيمة التنظيم، هي على رأس أولوياتنا".

في هذا السياق لم يكن التدخل الروسي في سوريا أيلول/ سبتمبر 2015 بعيدا عن تفاهمات بوتين- أوباما، وهو تدخل جاء على خلفية تنامي الحديث عن حرب الإرهاب. فقد كشفت اللقاءات العديدة بين الروس والأمريكيين عن بدء التعاون والتخلص من المخاوف، والتنسيق الطلعات الجوية خشية وقوع حوادث. كما أن الرئيس بوتين كان واضحا في حديثه مع الرئيس أوباما وفق المنطق الإرهابوي البراغماتي، فقد طلب منه أن يتحول عن مسار "الأسد يجب أن يتنحى" إلى طريق "علينا أن نعمل مع الأسد لهزيمة داعش".. تلك هي البراغماتية الفجة لروسيا مقابل البراغماتية الهشة لأمريكا، فلا عجب من إعجاب دكتاتوريات العرب بالمقاربة الروسية أكثر من المقاربة الأمريكية، فهي بالمنطق السلطوي حاسمة وغير مترددة. فالمقاربة الروسية التي بدأت تثير إعجاب الدكتاتوريات العربية على الرغم من براغماتيتها الفجة الضارة على الشعوب طبعا، تتمثل بدعم النظام السوري للتخلص من كافة فصائل المعارضة السورية باعتبارها إرهابية أو في طريقها إلى الدخول في النادي الإرهابوي.

تحويل الثورة السورية إلى حالة إرهابية جاء في سياق ديناميات إخضاع ثورات الربيع العربي، فقد عملت القوى الإمبريالية والأنظمة الدكتاتورية إلى سلسلة من الإجراءات لجعل سوريا نقطة جذب واستقطاب للمقاتلين الأجانب


إن تحويل الثورة السورية إلى حالة إرهابية جاء في سياق ديناميات إخضاع ثورات الربيع العربي، فقد عملت القوى الإمبريالية والأنظمة الدكتاتورية إلى سلسلة من الإجراءات لجعل سوريا نقطة جذب واستقطاب للمقاتلين الأجانب، والذين تم تحويلهم للراديكالية لاحقا، حيث عمدت هذه الدول إلى تسهيل سفرهم وإصدار الفتاوى الدينية لحثهم على الالتحاق بالثورة السورية، وعملت الآلة الإعلامية على إغراق العالم بصور لبشاعة نظام الأسد القبيح أصلا. إذ لم يشهد سوق الفتاوى الجهادية رواجا كما حدث في الحالة السورية، حيث تحتفظ الذاكرة بأرشيف واسع من فتاوى الجهاد يصعب حصره، حيث جدل المفتين ينحصر في كون الجهاد في سوريا يقع في دائرة الجهاد العيني أم الكفائي، لكن الذاكرة السلطوية العربية ترغب بمحو بعض الفتاوى والاحتفاظ ببعضها الآخر.

يمكن القول إن تبدل الفتاوى الرسمية وشبه الرسمية، من الدعوة إلى الجهاد والنفير في سوريا إلى التحذير والتنفير، بدأ مع نضوج الثورة المضادة على ثورات الربيع العربي عقب الانقلاب العسكري في مصر في الثالث من تموز/ يوليو 2013، وعزل أول رئيس مصري إسلامي ينتمي إلى جماعة الإخوان؛ والتي باتت مصنفة كمنظمة إرهابية لدى مصر والسعودية والإمارات، وميسرة للإرهاب لدى أمريكا بقية نادي الإمبرياليين. ولم تكن الفتاوى الجهادية معزولة عن الدعاية الإعلامية الرسمية بالذهاب للقتال في سوريا، حيث بات تحريض الشباب على القتال في سوريا مادة أساسية في المحطات التلفزيونية العربية الرسمية وشبه الرسمية، كما ازدهرت تصريحات الساسة بضرورة نصرة الشعب السوري، وقد شهدت معظم الدول العربية موجة من العفو عن المساجين الإسلاميين والجهاديين ودفعهم للذهاب للقتال في سوريا. ومن مفارقات الإرهاب والجهاد، أن رئيس النظام السوري بشار الأسد تماهى مع الأطروحة مبكرا، حيث أصدر عفوا عاما عن كافة الضالعين بجرائم مرتكبة قبل تاريخ 31 أيار/ مايو 2011.

كانت الثورات المضادة قد بلغت مستوى من النضج والقبح بعد إنجاز الانقلاب في مصر، وتحت ذريعة دعم الثورة السورية أنشئت غرف التنسيق الأمني في صيف 2013، بهدف ضبط إيقاع الثورة السورية والتحكم بأحندتها من مواجهة نظام الأسد إلى حرب "الإرهاب" وقتل الإرهابيين المفترضين، وبهذا لم يعد سوى تركيا متمسكة بحق الشعب السوري بالثورة على نظام الأسد الفاشي، والتي أصبحت عقبة في وجه الثورات المضادة، وتعرضت لحملة شرسة لإسقاطها بشتى الطرق وتوجت بمحاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا مساء 15 تموز/ يوليو 2016 لإعادة بناء الدكتاتورية التركية، وتقويض أي إمكانية لقيام أنظمة ديمقراطية بمرجعية إسلامية ناجحة قد تلهم شعوب المنطقة بالتحرر والاستقلال.

لم يعد سوى تركيا متمسكة بحق الشعب السوري بالثورة على نظام الأسد الفاشي، والتي أصبحت عقبة في وجه الثورات المضادة، وتعرضت لحملة شرسة لإسقاطها بشتى الطرق


على مدى سنوات الثورة السورية، لجمت الولايات المتحدة مطالب الأتراك بإنشاء منطقة عازلة. فمنذ تشكيل التحالف الدولي في أيلول/ سبتمبر 2014، قامت أمريكا بالتنسيق مع عدو تركيا اللدود، المتمثل بقوات حماية الشعب الكردية، وساهمت بصورة متدرجة بخلق كيان كردي يهدد الأمن القومي التركي. فعندما قررت الولايات المتحدة في 9 تشرين الأول/ أكتوبر 2015 إلغاء برامج تدريب المعارضة السورية ، كانت قد حسمت خياراتها الاستراتيجية بالاعتماد على الأكراد كحلفاء أساسيين من خلال الإعلان عن تشكيل "قوات سوريا الديمقراطية" في 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2015 التي تجاوزت أهدافها التصدي لتنظيم "الدولة الإسلامية"، وتقدمت لتسيطر على سد تشرين، ولتحصل على معبر إلى غرب الفرات. وعلى الرغم من الاحتجاجات التركية على مواقف الإدارة الإمريكية بخصوص الطموحات الكردية، إلا أنها لم تتخذ مواقف مؤيدة للمطالب التركية.

لم تتخلص تركيا من الضغوطات الأمريكية والأوروبية، فضلا عن الدكتاتوريات العربية؛ نسبيا إلا عقب فشل الانقلاب، حيث قامت بتنفيذ عملية "درع الفرات" في آب/ أغسطس 2016 لمواجهة مشروع الدويلة الكردية على حدودها الجنوبية التي تهدف إلى زعزعة الأمن التركي. وبعد إعلان الحكومة التركية في 30 مارس 2017، انتهاء عملية "درع الفرات"، بدأ الحديث عن انطلاق عملية جديدة تحت اسم "سيف الفرات" في محيط منطقة عفرين مع بداية تموز/ يوليو 2017. لكن العملية لم تنطلق نظرا لعدم وجود تفاهمات مع روسيا، وبعد الإعلان الأمريكي عن تأسيس جيش كردي بدعوى حراسة الحدود، أعلن الجيش التركي في 20 كانون الثاني/ يناير 2018 إطلاق عملية عسكرية في مدينة عفرين بشمال غربي سوريا، وأطلق عليها اسم "غصن الزيتون".

أفضت التحولات العميقة التي تكشفت خلالها خرافة قيام الإمبريالية والدكتاتورية بدعم الثورة السورية؛ عن نزعة براغماتية بات هدفها المعلن مكافحة "الإرهاب"، وأجندتها الخفية إجهاض الثورة السورية كخطوة لإجهاض الثورات العربية. وقد تجلى ذلك بسقوط حلب في كانون الأول/ ديسمبر 2016، وبدء ديناميكية العزل والقضم لمناطق سيطرة قوات الثورة السورية عبر مخاضات مؤتمرات أستانة التي دشنت في كانون الثاني/ يناير 2017 وآليتها الأساسية "خفض التصعيد"، والتي جمعت كافة القوى تحت موضوعة "حرب الإرهاب" وأصبحت نقطة مشتركة بين النظام والمعارضة، مع الاختلاف حول تعريف الإرهاب والإرهابيين، وهي أيضا نقطة مشتركة بين أمريكا وروسيا، إذ أصبحت خرافة خفض التصعيد نموذجا إرشاديا لإجهاض الثورة، حيث أعلن عن التوصل إلى اتفاق خفض تصعيد بين أمريكا وروسيا والأردن في 7 تموز/ يوليو 2017، الخاص بالجبهة الجنوبية. وهكذا، فإن تاريخ كانون الثاني/ يناير 2017 يمثل لحظة تاريخية فارقة بإجهاض الثورة السورية.

أفضت التحولات العميقة التي تكشفت خلالها خرافة قيام الإمبريالية والدكتاتورية بدعم الثورة السورية؛ عن نزعة براغماتية بات هدفها المعلن مكافحة "الإرهاب"، وأجندتها الخفية إجهاض الثورة السورية كخطوة لإجهاض الثورات العربية


خلاصة القول أن الثورة السورية شهدت في بدايتها تقدما ميدانيا لافتا قبل نضوج الثورات المضادة وإنشاء غرف التنسيق العسكري والأمني، وتدخل القوى الإمبريالية والأنظمة الدكتاتورية، حيث كانت أولوية الفصائل تنصب على إسقاط النظام، وكانت الصدامات بين فصائل المعارضة الجهادية والوطنية نادرة الحدوث، بينما شهدت السنوات التالية أولويات مختلفة مع اختلاط مسألة "الجهاد" بموضوعة "الإرهاب"، حيث أصبحت الحروب بين الفصائل الجهادية سمة بارزة، وأكثر القتلى يسقطون في معارك جهادية بينية وليس على يد النظام، وتراجعت أهمية الديناميات المحلية عبر فصائل الثورة السورية التي أصبحت رهنا للقوى الخارجية الإمبريالية والدكتاتورية من خلال آليات التمويل والتسليح والتحكم بدينامية العمل الميداني العسكري والمسار السياسي. كما بدأت الثورة السورية من درعا تكتب هناك نهايتها، وما تبقى من ثورة في إدلب بات يعرّف من سائر القوى الإمبريالية والدكتاتورية كإمارة للإرهابيين، وتلك تتطلب معالجة مغايرة، لكنها قد تؤشر على أزمنة مختلفة في فهم معنى الثورة بعيدا عن تحالف الإمبريالية الدولية والدكتاتورية الإقليمية والفاشية المحلية، في سياق التشديد على ثورة سورية وعربية تنشد الحرية والعدالة والديمقراطية.